« قائمة الدروس
الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

46/10/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 العبودیّة/صفات المؤمن /جنود العقل و الجهل

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن / العبودیّة

حقيقة العبوديّة من منظر الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية عنوان البَصْري

بيَّن الإمام الصادق (عليه السلام) عند جوابه عن سؤال عنوان البَصْريّ حول حقيقة العبوديّة في الرواية المشهورة المعروفة بـ «عنوان البَصْري»، نقاطاً أساسیّةً و هامّةً للغایة.

«قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ قَالَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَنْ لَا يَرَى الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ مِلْكاً لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَكُونُ لَهُمْ مِلْكٌ يَرَوْنَ الْمَالَ مَالَ اللَّهِ يَضَعُونَهُ حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَ لَا يُدَبِّرُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً وَ جُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَ نَهَاهُ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يَرَ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِلْكاً هَانَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ وَ إِذَا فَوَّضَ الْعَبْدُ تَدْبِيرَ نَفْسِهِ عَلَى مُدَبِّرِهِ هَانَ عَلَيْهِ مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَ إِذَا اشْتَغَلَ الْعَبْدُ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَ نَهَاهُ لَا يَتَفَرَّغُ مِنْهُمَا إِلَى الْمِرَاءِ وَ الْمُبَاهَاةِ مَعَ النَّاسِ فَإِذَا أَكْرَمَ اللَّهُ الْعَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ هَانَ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَ إِبْلِيسُ وَ الْخَلْقُ وَ لَا يَطْلُبُ الدُّنْيَا تَكَاثُراً وَ تَفَاخُراً وَ لَا يَطْلُبُ عِنْدَ النَّاسِ عِزّاً وَ عُلُوّاً وَ لَا يَدَعُ أَيَّامَهُ بَاطِلًا فَهَذَا أَوَّلُ دَرَجَةِ الْمُتَّقِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[1] ».[2]

سأل عنوان البَصْريّ الإمامَ الصادق (عليه السلام) و قال: «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ؟» فأجاب الإمام الصادق (عليه السلام) ببيان ثلاث نقاط أساسيّة فإنّ معرفتها و العمل بها، یبلغان الإنسان إلی حقيقة العبوديّة.

النقطة الأولی: الملك الحقیقيّ لله وحده

قال الإمام الصادق عليه السلام: «أَنْ لَا يَرَى الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ مِلْكاً»؛ كلُّ ما يمتلكه الإنسان من منزلة و ثروة و جمال و علم و قدرة، إنّما هو من الله- تعالى- و المالك الحقيقيّ لها هو الله وحده.

فإذا كان للإنسان منصبٌ اجتماعيّ فلا ينبغي له أن يظنّ أنّ هذا المنصب من صنعه؛ بل عليه أن يدرك أنّ الله هو الذي منحه إيّاه.

یسري هذا النظر إلی الثروة و الجمال و المکانة الاجتماعیّة و سائر النعم. فهذه النعم إن أستُعملت في سبيل الله، كانت نعمةً حقيقيّةً و إلّا صارت أسباباً لشقاء الإنسان و سقوطه.

ثمّ إنّ هناك نماذجَ لعدم بقاء هذه الأمور فقد یذهب تصادم واحد بجمال الشخص و قد یذهب ماء وجه الإنسان بخطأٍ واحد أو بإفشاء الممتلکات. و بالتالي علی الإنسان أن یلفت النظر دائماً إلی أنّ ما یمتلکه فهي ودیعة إلهیّة و یجب صرفه في صحیح الطریق طبقاً لأوامر الله- تعالی- کالإنفاق و الزکاة و الخمس و مساعدة المحتاجین و …

النقطة الثانیة: ترك التدبیر المستقلّ للنفس

قال الصادق (علیه‌السلام): «لَا يُدَبِّرُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً»؛ أي تدبیراً مستقلّاً عن تدبیر الله- تعالی. علی الإنسان أن یعتقد أنّ توفیقه في عمل فهو من لطف الله و عنایته و أنّ کلّ خیر یجری علی یدیه من بناء مدرسة و مسجد أو أمور الخیر و غیرها فهي في الأصل هدایة و توفیق من الله- تعالی- فإنّ توفیق فعل الخیرات من جانب الإنسان، علامة عنایة الله به لا مجرّد تخطیطه الشخصيّ و تدبیره.

النقطة الثالثة: الاشتغال التامّ بأوامر الله و ترك نواهیه

قال الصادق (علیه‌السلام): «وَ جُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَ نَهَاهُ عَنْهُ».

یجب علی الإنسان أن یشغل نفسه طیلة حیاته بفعل الواجبات و ترك المحرّمات. علیه أن یبحث عن رضی الله و سخطه قبل قیامه بفعل أو بکلام و أنّه هل فیه رضی الله أم لا؟

کلّ خطوة و کلمة و کتابة أو فعلة یجب أن تکون مبنیّةً علی رضی الله- تعالی. التجارة و الأفعال الثقافیّة و الأعمال الیومیّة و جمیع أبعاد الحیاة، کلّها یقاس بهذا المبنی.

النتیجة العامّة للعبودیّة

إذا عمل الإنسان طبقاً لهذه النقاط بمعنی أن یعلم أنّ ما في یده فمن الله و لا یدبّر في أمره تدبیراً استقلالیّاً و یصرف همّته في إتیان أوامر الله و ترك نواهیه؛ ففي هذه الحالة هان علیه الإنفاق. یذهب عنه تعلّق قلبه بالمال و المنصب و تُصبغ حیاته صبغة العبودیّة الخالصة.

نقطة أخلاقیّة

کان آیةالله العظمی التبریزيّ (رحمه‌الله) یقول:«لا أقوم بادّخار الرواتب الشهریّة، بل کلّ ما یصل إلی یدي، أصرفه و لا أسمح أن یبقی فیجمّع عندي فإن کان کثیراً فستزداد الرواتب الشهریّة و إن کان قلیلاً فستقل». هذا النظر مأخوذ من الاعتقاد العمیق بالعبودیّة و مالکیّة الله الحقیقیّة.

الخلاصة

حقيقة العبوديّة من وجهة نظر الإمام الصادق (عليه‌السلام) تقوم على ثلاثة أركان:

عدم رؤیة العبد نفسَه مالکاً بالنسبة إلی النعم الإلهیّة؛

تسلیم تدبیر الأمور إلی الله؛

قضاء العمر في سبيل تنفيذ أوامر الله و الاجتناب عن محرماته.

بهذه الأصول الثلاثة، رسّم الإمام الصادق (عليه‌السلام) خريطة طريق العبوديّة الحقيقيّة لعنوان البصريّ و جميع الشيعة إلى يوم القيامة.


logo