46/08/06
بسم الله الرحمن الرحیم
فضیلة العلم و العالم/صفات المؤمن /جنود العقل و الجهل
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /فضیلة العلم و العالم
خلاصة الجلسات السابقة: قد أشیر في المباحث السابقة إلى قيمة العلم الذي هو نور: «الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ»[1] هذا العلم، يعني علم الفقه و الأصول و معارف الدين و أحكام الشريعة. هذا العلم يختلف عن العلوم الأخرى. يختلف عن الجبر و الرياضيّات و غيرها من العلوم. الاختلاف یتجلّی في أنّه يجب أن يكون للعلوم الدینيّة بعد معنويّ «الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ». إذا كان علم الدین مصحوباً بقيام الليل و العبادة و البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، تنفتح أمامك أبواب العلم و المعنويّات. أمّا إذا كان مصحوباً بالفساد و المعاصي، فإنّ هذه الأبواب تغلق أمامك. ذكرتُ أنّني قد رأيت بعض العلماء الذين كانوا يقرؤون ركعتين من الصلاة لتحسين فهمهم للمسائل العلميّة و حلّها بشكل أفضل.
المراتب المختلفة للعلم و العمل:
للعلم مراتب مختلفة و هکذا بالنسبة إلی عمل الإنسان. يجب أن يكون لدينا معيار لنعرف ما نحن عليه. يجب أن أعرف بنفسي هل أکون عالماً عاملاً أم لا؟ هل لهذا العلم تأثير إيجابيّ عليّ أم لا؟ هل هذا العلم قد صنع منّي إنساناً؟ قد روی الشيخ الصدوق في كتابه «الخصال» عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَخْزُنَ عِلْمَهُ وَ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ إِذَا وُعِظَ أَنِفَ وَ إِذَا وَعَظَ عَنَّفَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّانِي مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنْ يَضَعَ الْعِلْمَ عِنْدَ ذَوِي الثَّرْوَةِ وَ الشَّرَفِ وَ لَا يَرَى لَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَضْعاً فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّالِثِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَذْهَبُ فِي عِلْمِهِ مَذْهَبَ الْجَبَابِرَةِ وَ السَّلَاطِينِ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قُصِّرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ غَضِبَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الرَّابِعِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَطْلُبُ أَحَادِيثَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى لِيُغْزِرَ بِهِ وَ يُكْثِرَ بِهِ حَدِيثَهُ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الْخَامِسِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا وَ يَقُولُ سَلُونِي وَ لَعَلَّهُ لَا يُصِيبُ حَرْفاً وَاحِداً وَ اللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُتَكَلِّفِينَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ السَّادِسِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَتَّخِذُ عِلْمَهُ مُرُوءَةً وَ عَقْلًا فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ السَّابِعِ مِنَ النَّارِ»[2] ؛ بعض العلماء لديهم علم و لكن أخلاقهم و سلوكهم مختلفة و روحیّاتهم تختلف فانظر أنّ روحیّتك و فکرك و رأیك إلی أيّ العلماء أقرب؟
«إِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَخْزُنَ عِلْمَهُ وَ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّارِ» بعض الأشخاص يسعون في تعلّم العلم و يدرسون كثيراً و يفكّرون و يكتبون و يصبحون علماء، لكنّهم لا يعلّمون علمَهم أحداً. مثل المصارع الذي كان يقول: «لن أعلّمكم جميع الفنون؛ لأنّني أخشى أن أسقط بنفسي». هناك بعض الأشخاص يتعلّمون أشياء لكنّهم لا یعلّمونها أحداً. إنّي أعرف أشخاصاً إذا أصیبوا بمرض و وجدوا لداءهم دواءاً فلا يخبرون أحداً. كنّا نقول لهم: إذا وجدتَ دواءاً فأخبرنا به و لكنّهم لم يقولوا شيئاً و لم يرغبوا في مساعدة الآخرين.
لکن في مقابل هؤلاء، هناك بعض الأشخاص یخبرون الآخرین علی الفور بمجردّ أن يحصلوا على تجربة في شيء ما. علی سبیل المثال: أنا نفسي أکون هکذا بحیث إذا حصلتُ على تجربة عن شاي عشبيّ لخفض سكر الدم، أُخبر أصدقائي على الفور ليجرّبوه. هذا يُظهر أنّ روح الشخص الذي يشارك علمه مع الآخرين تختلف عن غیره. لذلك، يجب علينا أن نراجع أنفسنا، هل نحن من الأشخاص الذين يحتفظون بتجاربهم و علمهم لأنفسهم أم لا؟
قد جاء في الرواية: «وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ إِذَا وُعِظَ أَنِفَ وَ إِذَا وَعَظَ عَنَّفَ». بعض العلماء لديهم علم، لكنّهم يتفاخرون به عند استخدامه و ينصحون الناس بينما قد يكونون هم أنفسهم واقعين في المعاصي و المفاسد. لذلك، يجب أن نكون حذرين عند نصيحة الآخرين و أن نتجنّب التفاخر أثناء الكلام. يقول الشيخ البهائي: من يرتكب المعصية لا يستطيع أن ينصح الآخرين. إذا كنت ترتكب المعصية و توصي الآخرين بعدم ارتكابها، فهذا يدلّ على ضعف في الروح. عندما ينصح الآخرين، يفعل ذلك بتفاخر و مباهاة. و عندما يعظونه، يتعامل مع الناصح غضباناً. «فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّانِي مِنَ النَّارِ» فلذا، يجب أن نكون في تعاملنا مع الناس من الأدقّاء.
«وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنْ يَضَعَ الْعِلْمَ عِنْدَ ذَوِي الثَّرْوَةِ وَ الشَّرَفِ وَ لَا يَرَى لَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَضْعاً فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّالِثِ مِنَ النَّارِ»؛ بعض العلماء يتعاملون مع الأثرياء و أصحاب المناصب الاجتماعيّة العالية بكلّ احترام، لكنّهم لا يظهرون نفس الاحترام تجاه الفقراء و الذين يرتدون ملابس بسيطةً ساذجةً. هذا النوع من التصرّفات يدلّ على أنّ روح الشخص يعاني من نقص. هؤلاء الأشخاص في الدرجة الثالثة من النار. أمّا العالم الحقيقيّ فهو الذي يتعامل مع الجميع فقراء کانوا أو أغنياء باحترام و تواضع.
قد جاء في الروایة: «وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَذْهَبُ فِي عِلْمِهِ مَذْهَبَ الْجَبَابِرَةِ وَ السَّلَاطِينِ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قُصِّرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ غَضِبَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الرَّابِعِ مِنَ النَّارِ»
بعض العلماء يبنون لأنفسهم مقاماً و فخراً و يستخدمون علمهم لتحقير الآخرين. إذا صدر أيّ قصور من مرؤوسيهم فإذاً يصرخون و يغضبون و يظنّون أنّهم ملوك و سلاطين. هؤلاء الأشخاص سيكونون في الدرجة الرابعة من النار. أمّا العالم الحقيقيّ فهو الذي يستخدم علمه في خدمة المجتمع و هدایة الآخرين، لا في التفاخر و استحقار الآخرین.
و بالتالي يجب أن نهتمّ بأنفسنا اهتماماً حتّی صار العلم الدينيّ مصحوباً بنيّة صافية و عمل صالح و إلّا فإنّ العلم لا یعود إلی نفع فحسب بل قد یقود الإنسان إلى الدرکات السفلی و إلی الضلال. يجب أن يكون العلم في خدمة روح الإنسان ليقوده نحو التكامل.