46/07/07
بسم الله الرحمن الرحیم
أقسام العلم (مطبوع و مسموع)/صفات المؤمن /جنود العقل و الجهل
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /أقسام العلم (مطبوع و مسموع)
التفاوت بین العلم المسموع و العلم المطبوع:
في التعاليم الدينيّة، يُقسّم العلم إلى نوعين رئيسيّين: العلم المسموع و العلم المطبوع. قد ورد في الروايات أنّ «الْعِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ وَ مَسْمُوعٌ وَ لَا يَنْفَعُ مَسْمُوعٌ إِذَا لَمْ يَكُ مَطْبُوعٌ»[1] يتمّ هذا التقسيم بناءً على تأثير العلم على قلب الإنسان و عمله. و فيما يلي سنقوم بتوضیح هذين النوعين من العلم.
العلم المسموع:
العلم المسموع هو العلم الذي يُسمَع و يُتعّلم و لكنّه لم يرسخ في قلب الإنسان و لم يصل إلى مرحلة الاعتقاد و العمل. قد يتعلّم الشخص جميع المعارف العلميّة و قد يصبح متخصّصاً فيها، لكنّه لا یعتقد بها و لا یستخدمها في عمله. من أمثلة هذا النوع من العلم، قصّة أشخاص يدرسون العلوم الدينيّة لأغراض غير إلهيّة، مثل التجسّس أو المنافع الدنيويّة.
في التاريخ، شاهدنا بعض الأشخاص الذين كانوا يتعلّمون العلوم الدينيّة من دون إيمان قلبي، ليستخدموها أداةً لتحقيق أهدافهم. قد يكون هؤلاء الأشخاص ماهرين جدّاً في المناقشات العلميّة و قد يُعدّون من الطلّاب المتميّزين في الامتحانات، لكن قلوبهم و أعمالهم خالية من الإيمان. هذا النوع من العلم ليس مفيداً لصاحبه فقط، بل قد يكون ضارّاً أيضاً.
العلم المطبوع:
في المقابل، العلم المطبوع هو العلم الذي يتعلّمه الفرد و يعمل به و يرى نتائجه في حياته. هذا العلم یرسخ تدريجاً في قلب الإنسان و يصبح نوراً من الإيمان.
من أمثلة العلم المطبوع، التوصيات مثل قراءة "سورة الواقعة" بعد نافلة العشاء لزيادة الرزق أو قراءة "صلاة الليل" لإنارة القلب و تيسير الحياة. عندما يعمل الفرد بهذه التوصيّات، يرى آثارها و بركاتها في حياته و يكتسب إيماناً قلبيّاً بها تدريجاً. مثل هذا العلم ليس فقط ذا قيمة، بل يُسبّب أيضاً في النموّ الروحي و التقرّب إلى الله.
آثار العلم المطبوع و نتائجه:
رسوخ العلم في القلب:
العلم المطبوع، عندما يستقرّ في قلب الإنسان، يتحوّل إلى نور يقوده نحو النموّ و الكمال. «العِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ»[2] . طالما أنّ هذا العلم مجرّد مسموع، فإنّه لا يتحوّل إلى نور و لكن عندما يصبح علماً مطبوعاً، يتحوّل إلى النور. هذا العلم، على عكس العلم المسموع، لا يبقى فقط في الذهن، بل يظهر في أعمال الإنسان و سلوكه.
خصوصیّات العلم المطبوع:
للعلم المطبوع خصائص تتمایزه عن العلم المسموع:
الإیمان و الاعتقاد القلبي:
العلم المطبوع یقوّي الإيمان و اليقين القلبيّ في الإنسان تدريجاً. يصبح الفرد مُؤمناً بما قد تعلّمه ثمّ يعمل علی طبقه.
حقارة الدنيا:
من علامات العلم المطبوع أنّ الدنيا تصبح في نظر الإنسان بلا قيمة. یتنعّم الشخص من نعم الدنیا و لکن لا یتعلّق بها.
النموّ الروحي:
العلم المطبوع يؤدّي إلى أن يصل الإنسان إلى درجات من التقوى و الروحانيّة التي تجعل الدنيا و مظاهرها تفقد جاذبيّتها في عینه. علامة المؤمنين هي أنّهم قد بلغوا العلمَ المطبوع ﴿وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.[3]
دور العمل في تحويل العلم المسموع إلى العلم المطبوع:
العمل بالتعاليم الدينيّة هو الشرط الأساسيّ لتحويل العلم المسموع إلى العلم المطبوع. في هذه العمليّة، يسمع الفرد المعلومات أوّلًا، ثمّ يشهد آثارها و بركاتها بسبب العمل بها. هذه التجربة العمليّة تؤدّي إلى انتقال العلم من المستوى العقليّ إلى المستوى القلبيّ و الإيماني.
العلم بلا عمل ليس فقط بلا فائدة، بل قد يصبح سبباً لهلاك الإنسان.
النتيجة:
العلم المسموع و المطبوع قد یبدو في البداية أنّهما مشابهان، لكنّ الفرق بينهما يظهر في تأثیرهما و نتیجتهما على حياة الإنسان. العلم المسموع لا يستقرّ في القلب و لا يؤدّي إلى العمل، بينما العلم المطبوع يتحوّل إلى نور من الإيمان و يغيّر حياة الإنسان. و للوصول إلى العلم المطبوع، يجب أن نعمل بما نتعلّمه و ندعو الله أن يعيننا في هذا الطريق.