46/04/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الغضب/صفات المؤمن /جنود العقل و الجهل
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /الغضب
خلاصة الجلسة السابقة: من الأوصاف التي قد أودعت في الإنسان و توجد هذه الصفة في جمیع البشر، هي صفة الغضب. الأَناسيّ یغضبون کما یغضب الحیوانات أیضاً. الغضب قوّة إن استُخدِم مکانه المناسب له فهو عالٍ جدّاً و إلّا ففیه خطر عظیم. قلنا إنّ الدجاجة التي أفراخها حولها إذا أحسّت خطراً، هجمت و دافعت عن أفراخها. الأناسيّ هکذا یکونون.
القتل و السرائق و الحروب و الاختلافات و العداوات و کثیر من المسائل الحادثة في العالم فهي للغضب في غیر محلّه.
إنّ الغضب في غیر محلّه ذو خطر جدّاً، تغضب في غیر محلّه ثمّ تتشاجر مع زوجتك و ولدك، قد تبلغ هذه الاختلافات إلی القتل. الغضب قوّةٌ وجوده ذو جود و لکنّه أیضاً خطیر جدّاً.
الموارد التي لا ینبغي الغضب فیها:
أولاها القضاء و الحکم السریع؛ قد یحدث حادث و جاء إليك شخص و تكلّم بکلمات فإذاً تغضب و تبدأ بالسبّ أو الضرب أو القتل و أمثالها، بینمالم تبحث جیّداً و لا تعلم أنّه صادق أو عدوّ یثیر الفتنة. إنّ غضب الإنسان في کثیر من الأوقات لأجل الحکم السریع؛ أي تحکم قبل أوان الحکم من دون بحث، اعتماداً علی کلام شخص واحد ثمّ یظهر لك الخطأ فتندم.
لا یجوز للإنسان أن یغضب لکلام شخصٍ ما، أُنظر أوّلاً ما هو الواقع ثمّ اعزم فلا تغضب سریعاً و لا تضجر بل تفکّر و تأمّل مدّةً و اشرب ماءاً بارداً و دارس و ابحث و انظر ما هي القصّة. من علل وقوع الغضب في غیر محلّه کثیراً من الأوقات في البیت و مع الجار و في المجتمع، القضاء السریع من دون أن یبحث بل قد اعتمد علی کلام واحد ثمّ غضب و عزم و عمل خطأً.
ثانیتها ضیق النِطاق في الأشخاص. إنّ آیة الله السیّد أبوالحسن الإصفهاني (رحمه الله) ذاك المرجع للتقلید له ولد عالم دینيّ تقيّ و لکن قتلوه و هو في الصفّ الأوّل من صلاة الجماعة. قیل له قد قتلوا ولدك و لکنّه لم یقطع صلاته فأتمّها و قام بأعماله ثمّ عفا عن القاتل و قال فیه فقط لا یظهرْ بین یديّ حتّی لا أراه. هذا نطاق مرجع التقلید الذي أظهره من نفسه.
إذا أخبروا الإمامَ الراحل (أعلی الله مقامه الشریف) بشهادة الحاج السیّد المصطفی ولده فقد سمعتم ما فعل الإمام الراحل. یقال لهذا «النِطاق»؛ أي له نطاقٌ أمام المشکل و یتأمّل کیفیّة التعامل معه.
ترى الإنسانَ يفقد السيطرة علی نفسه عند التعامل مع المشكلة و یتکلّم بکلام قبیح أو خلاف و قد یهین اللهَ و رسوله و الأئمة (علیهم السلام)؛ إذ لم یکن لدیه نطاق و لا سیطرة علی نفسه. تری أیضاً بعض الأشخاص الذین فقدوا جمیع أسرتهم و ما زالوا يقولون إنّني سأواصل برنامج حزب الله، فنحن أحفاد السيّد حسن نصر الله. هذا هو النِطاق. قد یغضب الإنسان لقلّة النِطاق و فقد السلطة علی نفسه و هو یوجب الکفر و التکلّم بکلمات غیر مألوفة و الأفعال الردیئة. علی الإنسان أن یکون لديه نِطاق بحیث إذا وقعت حادثة، تفکّر فیما یجب علیه أن یفعل و أنّ الفعل العقلائيّ ما هو؟
ثالثتها التکبّر؛ إنّ بعض الناس یظنّون أنفسهم أعلی مکاناً. إذا قیل لهم شيء قالوا لماذا قال لي هذا الکلام؟ إنّ التکبّر و اعتقاده بکونه مهمّاً، منشآن للغضب؛ إن لم یقوموا حین قدومه و لم یقبّلوا یده فإذاً یغضب و إن قصّروا في تعظیمه، غضب. دلیل هذا الغضب هو اعتقاده بکونه کبیراً. أکثر غضب المسؤولین و من لهم ظاهر الکبریاء فهو بسبب وجود هذا التکبّر.
«قَالُوا وَ مَا بَدْءُ الْغَضَبِ قَالَ الْكِبْرُ وَ التَّجَبُّرُ وَ مَحْقَرَةُ النَّاسِ».[1] قد سألوا عیسی (علیه السلام) عن أصل الغضب؟ قال: أصل الغضب الکبر؛ أي تری نفسك أعلی من الجمیع و إذا رأیت عدم الاعتناء بك تضجّرت فإذاً تبحث عن انتقام مَن لم یعتنِ بك. «وَ التَّجَبُّرُ وَ مَحْقَرَةُ النَّاسِ» تستحقر الناس و تستعظم نفسك. هذا أکبر خطایا الناس. في أيّ منصب تکون، تکون رئیس الجمهور أو رئیس الإدارة أو البنك فعليك بالتواضع. مهما یزداد مقامك یجب أن تکون أکثر تواضعاً.
إن أخذك التکبّر فهذا یوجب أن تری نفسك کبیراً و بالتالي تری الناس صغیراً و إذا فعلوا خلاف رأيك، غضبت و تضجّرت و تعاملت غضباناً. علینا أن لا نکون متکبّرین متأمّرین. من المشاکل التي توجب الغضب في غیر محلّه هو التکبّر و استعظام النفس.
علاج الغضب:
قال الإمام الخمیني (رحمه الله) في أربعین الحدیث: «من العلاجات الأساسیّة قلع مادّة الغضب بإزالة الأسباب المهیّجة له ... منها (الأسباب) حبّ النفس الذي تُوُلِّد منه حبّ المال و المقام و الشرف و حبّ نفوذ الإرادة و بسط القدرة».[2] یحبّ الإنسان نفسه کثیراً و لا یحبّ غیره، یستعظم نفسه و یحترمها و لا یحترم غیره. لماذا تغضب؟ لحبّك المال و المقام کثیراً و لکن حیث لا تبلغ یداك إلیهما فإذاً تغضب. قد أنفق الإنسان نقوداً کثیرةً حتّی یصیر عضواً من البرلمان أو رئیس الجمهور و لکنّه لا ینجح فإذاً یغضب و یتضجّر و ینتهي أمره إلی المستشفی؛ إذ یحبّ نفسه کثیراً و حیث یری أنّه لم یبلغ إلی ذاك المقام، یغضب و تتعرّض صحّته للخطر.
قال الإمام الراحل (رحمه الله) کلّ ذلك ناشئة عن حبّ النفس. إذا کنتَ تحبّ نفسك کثیراً فإذاً ترتکب أيّ خطیئة لإرضاء نفسك و ستصیر بائساً في الدنيا و الآخرة إذا کنت محبّاً لنفسك و مالك و مقامك. هذا قول الإمام الراحل (أعلی الله مقامه الشریف).
لا تزعجوا أنفسکم إن کنتم تحبّونها و أریحوا أنفسکم (من هذه الرذائل) و اشکروا الله لما أنعم علیکم من حیاتکم هذه و أزواجکم و أولادکم و هذه القدرة التي فیکم فإذاً ستسعدون في الدنیا و الآخرة حینما توجد هذه الروحیّة فیکم.
سنبحث إن شاء الله في الجلسة الآتیة حول مَن ابتلي بالکبر و الغضب مِن البُعد العلميّ و العمليّ معاً.