< قائمة الدروس

درس حدیث استاد محسن فقیهی

45/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/الإیمان/التوکّل علی الله

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث حول التوکّل علی الله- تعالی. من المباحث المهمّة في علم الأخلاق هي مسألة التوکّل و قد أوصينا به و لکن یجب في بدایة الأمر أن نفهم معنی التوکّل و أنّه کیف نتوکّل علی الله- تعالی- و ما هي درجات التوکّل و مراتبها؟

معنی التوکّل و مفهومه:

لیس التوکّل من مقولة اللفظ؛ أي لم یحصل التوکّل باللفظ. یمکن أن یأخذ الإنسان سبحةً بیده و یقول بلسانه «توکّلت علی الله» ألف مرّة و لکن مع ذلك لیس لدیه توکّل. التوکّل من مقولات القلبيّة؛ أي یجب أن یوجد التوکّل في القلب و الحالات النفسانيّة للإنسان. نعم یحسن القول بـ «توکّلت علی الله» أیضاً لکن لیس هذا تمام العمل و یجب أن توجد هناك إرادة قلبيّة.

التوکّل علی الله یکون في طول الأسباب و مسبّبات الأعمال لا في عرضها. إذا کان هناك شيئان عرضیّان فبینهما تضادّ؛ مثلاً: یجب ذهاب الإنسان إلی المعاش أو لا؟ قیل: من لا معاش له لا معاد له و قال- تعالی: ﴿لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾[1] یجب علی الإنسان أن یسعی و یتعب نفسه حتّی یمرّ معاشه، فأین التوکّل علی الله- تعالی؟ التوکّل علی الله- تعالی- في طول السعي و التعب؛ أي الإنسان یسعی و یتعب ثمّ یتوکّل علی الله.

هناك توضیح:

ثمّ إنّ لکلّ فعل عوامل بعضها تحت اختیار الإنسان و لکن بعضها الآخر لیس تحت یده؛ مثلاً: یرید إنسان أن یسافر مع سیّارته الشخصیّة، فیقوم أوّلاً بفحص الماء و السیّارة للانحفاظ علی مقدارها و یأخذ معه التأمین و رخصة القیادة و کلّ ما یحتاج إلیه في سفره و یسیر في السفر مع السرعة المجازة و یقود قیادةً أمناً و لا یرتکب أيّ خلاف حتّی لا یواجه إنذار الشرطة. هذه القضایا و الأشیاء بید الإنسان. و لکن هناك أشیاء أیضاً لم تکن تحت ید الإنسان؛ مثلاً: تنقطع فرملة المقطورة و تصادم المقطورة مع سیّارة ذلك الشخص. هذا لیس في ید الشخص مع أنّه قد راعی جمیع الموارد اللازمة للقیادة و لکنّ المقطورة تنقطع فرملته أو یصادم سیّارته القائد النائم فهي خارجة عن یده. ثمّ إنّ هناك مسائل تتّفق و هي لا تکون تحت اختیار الإنسان، فعلی الإنسان في هذه الموارد أن یتوکّل علی الله- تعالی- و یقول اللهمّ إنّي عامل بما في یدي و أتوکّل علیك فيما ليس بيدي و احفظني اللهمّ و أسرتي.

فمعنى التوكّل حینئذٍ هو القيام بما هو في يد الإنسان بشكل تامّ و تفویض ما لیس تحت اختیاره و یمکن حدوثه لأحد، إلی الله- تعالی. و لذلك فإنّ هذه الأسباب و المسبّبات تكون في طول التوکّل لا في عرضه و أمامه و لو جعلت أمامه فهو خلاف؛ مثلاً: في خصوص الزواج يبحث الشخص أوّلاً عن زوج صالح و تقيّ و ما إلى ذلك لنفسه و لكن عليه أن يصلّي ركعاتٍ و یدعو و یسأل الله- تعالی- أن يكون إن شاء الله- تعالی- كما أعتقد و یمکن أن لا یکون کذلك و مخالفاً لما اعتقد. لذلك یجب علی الإنسان أن يفعل ما في یده و يتوكّل على الله- تعالی- فيما ليس باختیاره.

و جاء في رواية: أنّ أناساً أتوا رسول الله (صلّى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلّم) في المسجد فکانوا یعبدون و في بعض الأحیان کانوا یحدقون به و یقولون إنّا من المتوکّلین، إن وصل إلینا شيء أکلناه و إلّا صمنا و صبرنا (بینا أنّهم من الفتیان و قادرون علی العمل و السعي). قال لهم رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلّم): إنّکم لستم بمتوکّلین بل أنتم الذین تحمّلون أنفسکم علی المجتمع و لیس لدیکم توکّل علی الله- تعالی.

التوكّل على الله- تعالی- هو أن يعمل الإنسان و يجتهد في الأمور الاختياريّة و يقوم بها على أحسن الوجوه و يتوكّل على الله- تعالی- في الأمور التي ليست في يده. لكن مع الأسف قد یسيء الإنسان في استخدام التوكّل على الله- تعالی؛ مثلاً: يجلس أحد في بيته و زوجته و أولاده جائعون و محتاجون و يقول توكّلت على الله- تعالی- فإن شاء الله- تعالی- رزقنا و إن لم يشأ لم یعطنا رزقاً. کلّا! لیس هذا من التوکّل، بل یجب علی الإنسان أن یسعي و یجتهد و یفعل کلّ ما یسعه فعله و یفوّض ما لیس في یده إلی الله- تعالی.

مراتب التوکّل في علم الأخلاق

قد ذکروا في علم الأخلاق مراتب للتوکّل.

المرتبة الأولی: أن یعتقد الإنسان أنّ الله- تعالی- وکیله.

قد رأیت بعض الناس یقولون إنّي أخیط الأرض إلی السماء و أفعل کذا و کذا، یظنّون أنّهم أقویاء و أنّ الأمور کلّها بأیدیهم. هذا الشخص المغترّ لنفسه یظنّ أنّ له التوکّل و یقول إنّي جعلت الله- تعالی- وکیلي؛ أي إنّي أفعل کلّ ما أستطیع و لکنّي لا أدخل في بعض الأمور بنفسي بل أتوکّل علی الله- تعالی؛ أي یری نفسه مستقلّاً قویّاً و مقتدراً و یقول إنّي قادر علی ذلك العمل بنفسي و لکنّي لا أتابعه بنفسي و أترکه لله- تعالی.

المرتبة الثانیة:

أن یری الإنسان نفسه کالطفل المحتاج إلی الأم؟ أ تری الطفل البالغ سنةً واحدةً من عمره کیف یلتصق بثديي أمّه حتّی یشرب لبنها؟ الطفل نفسه ليس لديه قوّة و حياته كلّها تعتمد على أمّه. و تجب على الأمّ مساعدته و طعامه و شرابه و تنظيفه و القيام بجميع أعماله.

كيف علاقتك مع الله؟ أحياناً تقول يا إلهي إنّي أعلم أنّك تستطيع أن تدمّرني في لحظة. يا إلهي إنّي أعلم أنّك تستطيع أن تسلب ماء وجهي في لحظة أو یحدث لي شيء في أيّ لحظة، فلا حول لي و لا قوّة. أظنّ أنّني قويّ و لكن ليس لديّ أيّ قوّة.

فلیکن في ذهنك هذا الاعتقاد من أنّك مثل ذلك الطفل الذي يحتاج إلى أمّه. یسعی هذا الطفل و یتمسّك و يطلب اللبن أو الماء و يبكي و يطلب شيئاً ما. في علم الأخلاق قالوا: إنّ هذا التوکّل هو توکّل الخواص؛ أي یجب أن يكون الإنسان هكذا مع الله- تعالی- و یری نفسه مثل طفل عمره سنة واحدة، في أنّ الأمور في يد أمّه و يعتقد أنّ الله- تعالی- هو الذي يفعل الأشياء و لكن على الإنسان نفسه أن يفعل ما يستطيع، فهو يبذل قصارى جهده و من ناحية أخرى يعتقد أنّه لا حول له و لا قوّة قِبَل حول الله و قوّته و أنّ الله إن أراد في لحظة هلك و ليس له شيء و إن كان له شيء فهو منه. فإن كان له عزّ أعطاه الله و إن كان له مال أعطاه الله و زوجته و أولاده أعطاهم الله- تعالی- إیّاه. یجب علی الإنسان أن یعتقد أنّ الله مثل الأم التي تربّي طفلها، فكلّ شيء في الإنسان تحت سلطان الله- تعالی. قوّة الله أعلى بكثير و في کلّ لحظة يمكن أن تدمّر الإنسان. يقول علماء الأخلاق إنّ هذا النوع من التوکّل له قيمة كبيرة. ينبغي للإنسان بكلّ ما لديه من قوّة و قيادة و مكانة، أن يری نفسه لا شيء أمام الله و يعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير.

وفّقنا الله جميعاً للوصول إلى هذه المرتبة من التوکّل إن شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo