< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الاصل عند الشك في الحجية
ذكرنا ان ما قيل من أن تنجز الواقع مستند الى أسبق علله وهو العلم الاجمالي في المقام لا الى علته المتأخرة وهو الامارة القائمة على أحد أطراف العلم الاجمالي فهذا القيل مبني على نظرية الحدوث في باب العلة وقد ذكرنا في مبحث الجبر والتفويض موسعاً ان نظرية الحدوث نظرية خاطئة ولا واقع موضوعي لها وهذه النظرية منسوبة الى المعتزلة ولا أصل لها، فإن سرّ حاجة الاشياء الى العلة ليس كامنا في حدوثها والا لزم بعد حدوثها استغنائها عن العلة وتصبح غير مقيدة بقيود العلة وهذه النظرية خاطئة وناشئة عن عدم الوعي والادراك الصحيح لمبدأ العليّة فإن مبدأ العليّة مبدأ ضروري وبديهي ومن البديهيّات الاوليّة وحاكم على الكون بتمام اشكاله واصنافه وانهياره سبب لانهيار العالم إذ لا يمكن اختصاص هذا المبدأ بزمن دون زمن وبحدوث الاشياء دون بقائها، فهذه النظرية نظرية خاطئة وقد اسرفت في تحديد مبدأ العليّة وفي مقابل ذلك نظرية الاشاعرة فقد افرطت في تحديد مبدأ العليّة وقد سلبت القدرة والاختيار عن العبد نهائيا وكلتا النظريتين خاطئتان، فإن سرّ حاجة الاشياء كامن في كيانها ووجودها بلا فرق بين وجودها الاول ووجودها الثاني فإن وجود الاشياء عين الربط بالعلة وعين التعلّق بالعلة ووجود الاشياء معنى حرفي ومتعلق بالعلة بلا فرق بين الحدوث والبقاء فإن الشيء كما أنه في حدوثه وهو الوجود الاول المسبوق بالعدم بحاجة الى العلة كذلك في وجوده الثاني المعبّر عنه بالبقاء وهو المسبوق بالوجود الاول بحاجة الى العلة وهذا يعني ان الوجود عين الربط بالعلة وليس له استقلال وهو معنى حرفي بلا فرق بين الوجود الاول والثاني.
وعلى هذا فلا فرق بين العلة السابقة والعلة اللاحقة، فإن العلتين إذا اجتمعتا في آن واحد على معلول واحد فبطبيعة الحال يستند المعلول الى كلتيهما معا في هذا الآن فإن نسبة المعلول الى كلتيهما على حدّ سواء ولا يمكن ان يكون المعلول مستندا الى أحديهما المعينة دون الاخرى لأنه ترجيح بلا مرجح ولا إلى أحدهما لا بعينه لأنه إن أريد منه ((لا بعينه )) المفهومي فلا واقع موضوعي له غير وجوده في عالم الذهن وهو الوجود التصوري ولا واقع له في الخارج وإن أريد من ((لا بعينه)) المصداقي فهو عبارة عن الفرد المردد وهو لا وجود له في الخارج بل يستحيل وجوده في الخارج فمن أجل ذلك يكون المعلول مستندا الى كلتا العلتين في الخارج.
وفي المقام كذلك أي إذا اجتمعت على الواقع علتان أحداهما العلم الاجمالي والأخرى الامارة في آن واحد قد اجتمع على الواقع علتان ومنجزان فبطبيعة الحال تنجز الواقع مستند الى كليهما معاً ولا يمكن ان يكون مستندا الى العلم الاجمالي دون الامارة لأنه ترجيح من غير مرجح بعد كون نسبة الواقع الى كل منهما على حد سواء فمن اجل ذلك يكون تنجزه معلول لكلتا العلتين، فهذا القيل لا اساس له.
ثم أن السيد الاستاذ(قد) ذكر أن المراد من أن الشك في حجية الامارة مساوق للقطع بعدمها المراد منه القطع بعدمها في مرحلة الفعلية أي القطع بعدم ترتب آثارها عليها وهي الاستناد اليها في مقام العمل أي في مقام عملية الافتاء او في مقام العمل واسناد مؤداها الى الشارع فإن المكلف اذا شك في حجية أمارة يقطع بعدم ترتب هذين الأثرين عليها وهذا هو معنى قولنا أن الشك في حجية أمارة مساوق للقطع بعدم حجيتها أي بعدم ترتب الآثار عليها، وليس المراد من ان الشك في الحجية في مرحلة الجعل مساوق للقطع بعدم جعله في هذه المرحلة فإنه من اجتماع الضدين فكيف يمكن اجتماع الشك مع اليقين في شيء واحد فكيف يعقل ان يكون جعل حجية الامارة مشكوكا وعدم جعلها مقطوعا فالقطع مع الشك لا يمكن اجتماعها في شيء واحد.
إلى هنا قد تبيّن أن ما ذكره السيد الاستاذ(قد) في المقام يرجع الى نقطتين:
النقطة الاولى: ان الشك في حجية الامارة في مرحلة الجعل ليس مساوقا للقطع بعدم حجيتها لأنه تناقض ومن اجتماع الضدين إذ الشك ضد القطع فلا يمكن اجتماعهما في شيء واحد.
النقطة الثانية: ان تنجز الواقع من آثار العلم الاجمالي دون حجية الامارة.
ولكن للمناقشة في كلتا النقطتين مجال.
أما النقطة الاولى فهي مبنية على عدم إمكان اختصاص الاحكام الشرعية بالعالم بها ومنها الحجية وهذه النظرية أي عدم امكان اختصاص الاحكام الشرعية المجعولة في الشريعة المقدسة بالعالم بها هي المعروفة والمشهورة بين الاصوليين وقد أختارها جماعة من المحققين منهم المحقق الاصفهاني(قد) والمحقق النائيني(قد) والسيد الاستاذ(قد) وحاصلها أنه لا يمكن تخصيص الاحكام الشرعية المجعولة في الشريعة المقدسة بالعالم بها وعدم ثبوتها للجاهل بها، وفي مقابل هذه النظرية نظرية أخرى وهي أنه لا مانع ثبوتا من تخصيص الاحكام الشرعية المجعولة في الشريعة المقدسة بالعالم بها وعدم ثبوتها للجاهل ولا مانع من ذلك ثبوتاً حتى الحجية، وذلك لأن العلم بالحكم في مرتبة الجعل مأخوذ في موضوع نفسه في مرتبة المجعول ولا مانع من ذلك ثبوتا ولا يلزم منه الدور ولا توقف الشيء على نفسه ولا تقدم الشيء على نفسه وكذلك في المقام لا مانع من أخذ العلم بالحجية في مرحلة الجعل في موضوع نفسها في مرحلة المجعول أي بلحاظ مرتبتين لا مانع من ذلك ثبوتا ولا يلزم فيه أي محذور لا محذور استحالة الدور ولا تقدم الشيء على نفسه ولا توقف الشيء على نفسه فشيء من هذه المحاذير غير لازم فإن المستحيل إنما هو أخذ العلم بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في نفس هذه المرتبة وهو غير معقول لاستلزامه توقف الشيء على نفسه وتقدمه على نفسه فإن أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه في مرتبة واحدة غير ممكن وأما بلحاظ مرتبتين مرتبة الجعل ومرتبة المجعول فلا مانع منه أي اخذ العلم بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول لا مانع منه ثبوتا ولا يلزم منه أي محذور لا محذور استحالة الدور ولا تقدم الشيء على نفسه ولا توقف الشيء على نفسه، فإذاً لا مانع من أخذ العلم بالحجية في مرتبة الجعل في موضوع نفسها في مرتبة المجعول ونتيجة ذلك ان الحجية مختصة بالعالم بها ولم تثبت للجاهل بها فالجاهل بالحجية خارج عن موضوع الحجية إذ موضوع الحجية العلم بها ولا مانع من ذلك ثبوتا وهذه النظرية نظرية صحيحة ولا مانع من الالتزام بها إذ لا يلزم منها أي محذور في مقام الثبوت.
وعلى هذا إذ شككنا في حجية الامارة في مرحلة الجعل فهذا الشك في الحجية في مرحلة الجعل مساوق للقطع بعدم جعلها للشاك لأنه خارج عن موضوع الحجية لأن موضوع الحجية هو العالم بها وأما الشك فهو خارج عن موضوع الحجية إذ ليس هو موضوعا للحجية، فإذا شُك في حجية الامارة للعالم بها في مرحلة الجعل فهو مساوق للقطع بعدم حجيتها للشاك بها فإن الشاك خارج عن موضوع الحجية لأنها مجعولة للعالم بها دون الأعم من العالم والجاهل فالجاهل كالشاك خارج عن الموضوع وعندئذ لا محذور فيه لأن الشك في جعل حجية الامارة في مرحلة الجعل مساوق للقطع بعدم جعل الحجية للشاك بها، نعم لا يمكن ذلك على مسلك المشهور وهو ان العلم بالحجية لا يمكن أخذه في مرحلة الجعل في موضوع نفسها في مرحلة المجعول فإن الشك في جعل الحجية للأمارة للعالم بها لا يكون مساوقا للقطع بعدم حجيتها للشاك إذ الشاك داخل في الموضوع فكما ان العالم موضوع للحجية فالجاهل ايضا موضوع للحجية، فما ذكره السيد الاستاذ(قد) من ان الشك في الحجية في مرحلة الجعل ليس مساوقا للقطع بعدمها في هذه المرحلة متين على نظريته(قد) وهي نظرية المشهور.
ثم أن ما ذكرناه من أخذ العلم بالحجية في مرحلة الجعل في موضوع نفسها في مرحلة المجعول أمر ممكن ثبوتا وإنما الكلام في ذلك في مقام الاثبات فهل هنا دليل في مقام الاثبات على ذلك او لا يكون هنا دليل؟
الظاهر انه لا دليل على ذلك بل الدليل على الخلاف موجود فإن مقتضى إطلاقات الكتاب والسنة ان الاحكام الواقعية المجعولة في الشريعة المقدسة مشتركة بين العالم والجاهل ولا تكون مختصة بالعالم بها.
ولكن قد يقال كما قيل: فرق بين أدلة الاحكام الشرعية وبين أدلة حجية الامارات في نقطة وسيأتي الكلام فيها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo