< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
ينبغي لنا أن نذكر نقطة هامة في المقام وهي: ان الأصول علم نظري وعلم تطبيقي وذكرنا أن الاحكام الشرعية المجعولة في الشريعة المقدسة في الكتاب والسنة بعرضها العريض معظمها أحكام نظرية ووصولها الى المكلف بحاجة الى دليل وأما الاحكام الضرورية او الاحكام المعلومة بالوجدان فهي قليلة جدا ونسبتها الى الاحكام الشرعية لا تتجاوز عن خمسة أو ستة بالمائة بنسبة تقريبية ونسبة الاحكام الضرورية او المعلومة بالوجدان الى جميع المكلفين على حد سواء فلا يرجع العامي الى المجتهد في هذه الاحكام كوجوب الصلاة ووجوب الحج ووجوب الصوم وما شاكل ذلك، وأما الاحكام النظرية فهي تشكل معظم الاحكام الشرعية الموجودة في الكتاب والسنة فهي بحاجة في وصولها الى المكلف ووصول تلك الاحكام الى المكلف إما بعلمية الاجتهاد وإما بعملية التقليد ولا ثالث في البين.
وعملية الاجتهاد عبارة عن تطبيق القواعد العامة الاصولية على مصاديقها وعناصرها الخاصة في الفقه فنتيجة هذا التطبيق نتيجة فقهية وحكم فقهي فإن نسبة الاصول الى الفقه نسبة العلم النظري الى العلم التطبيقي فالأصول موضوع لممارسة النظريات العامة والقواعد المشتركة المحددة في الحدود المسموح بها شرعا وفق شروطها العامة بالتفكير الفقهي، والفقه موضوع لممارسة طريقة تطبيق تلك النظريات العامة والقواعد المشتركة على مصاديقها الخاصة وعناصرها المخصوصة المختلفة من مسألة الى مسألة أخرى ونتيجة هذا التطبيق هو المسألة الفقهية وهي فتوى المجتهد فإذاً وصول هذه الاحكام الى المجتهد يتوقف على عملية الاجتهاد وتطبيق القواعد العامة المشتركة المنقحة في الاصول على عناصرها الخاصة ومصاديقها المخصوصة في الفقه ونتيجتها فتوى الفقيه، مثلاً إذا فرضنا أن الامارة قامت على وجوب السورة في الصلاة و قد اثبتنا في الاصول حجية أخبار الثقة بما لها من الشروط العامة وفي الحدود المسموح بها شرعا ومن مصاديقها هذا الخبر الذي قام على وجوب السورة في الصلاة وبعد تطبيق هذه القاعدة العامة وهي حجية أخبار الثقة على هذا الخبر الذي قام على وجوب السورة في الصلاة فالنتيجة هي أثبات وجوب السورة في الشريعة المقدسة وهي فتوى الفقيه فالفقيه أثبت لنفسه ان السورة في الصلاة واجبة وهكذا سائر الاحكام الشرعية ومن هنا قلنا ان علم الاصول يرتبط بالفقه ذاتا وحقيقة فإن الفقه يخرج من بطن الاصول وليس علما مستقلا ومن هنا علم الاصول والفقه علمان مترابطان بترابط تبادلي في طول التاريخ من حين ظهور الاصول الى زمان تطوّره وبلوغه ذروته وكلما اتسعت المسائل الفقهية باتساع علائق الانسان الاجتماعية والفردية والمادية والسياسية والدينية اتسعت المسائل الاصولية ايضا بنفس النسبة ولكن ليس الكلام من هذه الناحية، فإذاً وصول هذه الاحكام النظرية الى المجتهد بحاجة الى عملية الاجتهاد فإذا أثبت وجوب السورة في الصلاة فهذا الوجوب منجز للواقع اذا كان مطابقا للواقع فإذا كانت السورة في الواقع واجبة فهذا الوجوب منجز لوجوبها ومحرك للمكلف نحو الاتيان بها ومعنى هذا انه يوسع دائرة محركية الواقع ولولا هذا الوجوب الظاهري الذي أثبته بعملية الاجتهاد فلا محرك بالنسبة الى الواقع فإن ثبوت الواقع إنما يكون محركا في فرض العلم به وأحرازه وأما في فرض الجهل والاشتباه والالتباس فلا يكون محركا فالمحرك في فرض الاشتباه والالتباس إنما هو الحكم الظاهري وهي فتوى الفقيه فإنها وإن كانت رأي المجتهد إلا أنها ذات طابع إسلامي وهو حكم شرعي ظاهري ومنجز للواقع عند الاصابة ويوسع دائرة محركية الواقع.
وأما المقلد فوصول هذه الاحكام اليه بحاجة الى عملية التقليد ومن هنا تكون تلك العمليتين من الضروريات في الشريعة المقدسة أي كما أن عملية الاجتهاد عملية ضرورية لضرورية التبعية للدين الاسلامي كذلك مسألة التقليد عملية ضرورية بالنسبة الى العامي فإنه لا يتمكن من الاجتهاد وليس بإمكانه الوصول الى الاحكام الشرعية بعملية الاجتهاد فلا بد له من التقليد فوجوب التقليد أمر ضروري لضرورة تبعيته للدين فإذا آمن برسالة الرسول الاكرم(ص) فلا بد من الوصول اليها بعد ما لا يمكن الوصول اليها بالعلم الوجداني ولا بالضرورة فالوصول اليها إما بعلمية الاجتهاد او بعملية التقليد فالإيمان برسالة الرسول يقتضي لزوم التقليد فمن اجل ذلك لزوم التقليد أمر ضروري لا أمر نظري كوجوب الاجتهاد فإذاً كلتا العمليتين عملية الاجتهاد وعملية التقليد ضروريتان في الشريعة المقدسة تابعتان للإيمان برسالة الرسول الأكرم (ص)، إلى هنا تبين أن الاحكام الشرعية الواقعية في نفسها لا تكون محركة للمكلف وإنما تكون محركة في فرض أحرازها وجدانا ولا طريق للمكلف الى ذلك أي لا طريق لنا الى احراز الاحكام الموجودة في رسالة الرسول الاكرم (ص) فلا بدّ من القيام بهاتين العمليتين. فالحكم الظاهري وهو فتوى المجتهد هو المحرك ويوسع دائرة محركية الاحكام الواقعية هذا في الاحكام الظاهرية اللزومية من الوجوب والحرمة ونحوهما من الاحكام التكليفية والوضعية.
واما الاحكام الظاهرية الترخيصية فهي على قسمين:
القسم الاول: الاحكام الظاهرية الطريقية، كأخبار الثقة التي قامت على إباحة شيء كما أذا قام خبر الثقة على أن شرب التتن حرام او قامت أمارة على ان شرب العصير العنبي بعد ذهاب ثلثيه حلال فإن هذا النحو من الاحكام الظاهرية لا أثر لها، ولا يترتب عليها أي أثر لا في الواقع ولا في الظاهر فإن إباحة الشيء معناها إطلاق عنان المكلف بالنسبة الى الفعل والترك معا أي لا يكون مقيدا بالفعل ولا مقيدا بالترك بل هو مخير بين الفعل والترك إن شاء فعل وإن شاء ترك، فإذاً الاباحة الواقعية على تقدير أنها مجعولة في الشريعة المقدسة فإنها لا أثر لها إذ لا تدل على الزام المكلف بالفعل ولا بالترك فالمكلف مطلق العنان ولا مسؤولية على المكلف لا في فعلها ولا في تركها إن شاء فعل وإن شاء ترك وكذلك الحال بالنسبة الى الامارات القائمة على إباحتها وفرضنا أن هذه الامارة مطابقة للواقع أي الامارة القائمة على اباحة شرب التتن لا أثر لها فإن المكلف مطلق العنان لا يرى مسؤولية لا في فعله ولا في تركه ولهذا يكون مطلق العنان بالنسبة الى الفعل والترك ومن هنا يظهر ان التزاحم الحفظي بين الاغراض والمبادئ اللزومية وبين الاغراض والمبادئ الترخيصية لا يرجع الى معنى صحيح فإن الاغراض والمبادئ الترخيصية لا تقتضي شيئا فلا تقتضي الالزام لا بالفعل ولا بالترك ولا تقتضي الحفاظ عليها لا على فعلها ولا على تركها فالأحكام الترخيصية بما لها من الاغراض والمبادئ فإنها لا تقتضي شيئا إذ المكلف مطلق العنان بالنسبة اليها ولا يكون مقيدا بالفعل ولا بالترك فكيف يكون للأغراض والمبادئ الترخيصية مزاحمة مع المبادئ اللزومية في الحفظ؟
ومن هنا لا يجب الحفاظ على الاحكام الترخيصية ولا مانع من ان الشارع أوجب الفعل المباح إذا رأى فيه مصلحة او أوجب تركه وهذا لا ينافي كونه مباحا.
فالنتيجة أن التزاحم الحفظي في مقابل التزاحم في مرحلة المبادئ والتزاحم في مرحلة الامتثال لا يرجع الى معنى صحيح.
هذا تمام كلامنا في الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي.
ويقع الكلام في مسألة الشك في الحجية.
إذا شككنا في حجية الظن فما هو مقتضى الأصل الاولي، فهل الاصل الأولي عدم حجيته او لا؟
لا شبهة في ان مقتضى الاصل الأولي عدم حجيته فإن حجيته بحاجة الى دليل فإذا شككنا في أن الظن حجة في الشريعة المقدسة أو أنه ليس بحجة فمقتضى الاصل الأولي عدم حجيته وقد استدل على ذلك بوجوه:
الوجه الاول : أن الشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها، وقد أفاد في وجه ذلك السيد الاستاذ(قده) أن الشك في الحجية تارة يكون في مرحلة الجعل نشك أن الحجية مجعولة للظن في الشريعة المقدسة أو أنها غير مجعولة له في الشريعة المقدسة وأخرى يكون الشك في الحجية في مرحلة المجعول أي مرحلة فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج، وأما الشك في الحجية في مرحلة المجعول فأن الاثر المترتب على حجية الظن في مرحلة الفعلية متمثل في أمرين:
الاول: أستناد المكلف الى الظن في مقام العمل فاذا كان الظن قام على وجوب شيء او حرمته والمكلف أستند اليه في مقام العمل او في مقام الافتاء فإذا كان حجة فيترتب عليه هذا الاثر أي الاستناد اليه في مقام العمل.
الثاني: أسناد مؤداه الى الشارع فإذا قام الظن على وجوب شيء او حرمته وكان حجة يصح إسناد مؤداه الى الشارع فيكون هذا الوجوب وجوب شرعي او ان هذه الحرمة حرمة شرعية واما إذا لم يعلم بحجية الظن فلا يجوز الاستناد اليه في مقام العمل إذ الاستناد اليه في مقام العمل تشريع عملي سواء كان ذلك العمل هو العمل الخارجي او كان العمل الفتوائي، واما اذا اسند مؤداه الى الشارع فهو تشريع قولي والتشريع محرم في الشريعة المقدسة، ومعنى التشريع كما يستفاد من الروايات بل الآية المباركة أدخال ما لم يعلم أنه من الدين في الدين فاذا لم يعلم بأن شيء ما من الدين فإذا نسبه الى الدين فهو تشريع محرم او استند اليه في مقام العمل فهو تشريع عملي وهو محرم.
فإذاً يترتب على حجية الظن هذان الاثران الاستناد اليه في مقام العمل واسناد مؤداه الى الشارع في مرحلة الفعلية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo