< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
الوجه الثالث: ما ذكره شيخنا الانصاري(قد) وهو متمثل في طريقين:
الطريق الاول: الالتزام بالمصلحة السلوكية، وبيانه: أن حجية الامارات من باب السببية تنقسم الى ثلاثة اقسام:
الاول: السببية المنسوبة الى الاشاعرة.
الثاني: السببية المنسوبة الى المعتزلة.
الثالث: السببية التي ذكرها شيخنا الانصاري(قد) وهي الالتزام بالمصلحة السلوكية.
أمّا القسم الاول وهي السببية المنسوبة الى الاشاعرة فيمكن تفسيرها بتفسيرين:
التفسير الاول: أن الاحكام الشرعية غير مجعولة في الشريعة المقدسة وصفحة الشريعة خالية عن الاحكام الشرعية نهائيا وهي تابعة للأمارات القائمة عليها فإن قامت الامارة على وجوب شيء فالشارع جعل الوجوب لذلك الشيء وإن قامت الامارة على حرمة شيء فالشارع جعل الحرمة لذلك الشيء وإن قامت الامارة على جزئية شيء فالشارع جعل الجزئية وهكذا في الاحكام التكليفية والاحكام الوضعية المجعولة في الشريعة المقدسة فإن جعلها يتبع قيام الامارة وبقطع النظر عن قيام الامارة فلا حكم في الواقع لا تكليفا ولا وضعا وهذا التفسير في نفسه غير معقول وبطلانه من البديهيات الاولية التي قياساتها معها فإن الامارة تتوقف على وجود ذيها في الواقع فلا يمكن اتصاف شيء بالأمارة بدون وجود ذيها في الواقع او اتصف شيء بالكاشف بدون وجد المنكشف او العلم بدون وجود المعلوم او الطريق بدون وجود ذي الطريق فإنه في نفسه غير معقول فهذا التفسير في نفسه تفسير خاطئ وغير معقول.
التفسير الثاني: ان الاحكام الشرعية مجعولة في الشريعة المقدسة بتمام اصنافها من الاحكام الوضعية والتكليفية لموضوعاتها المقدرة وجودها في الخارج بنحو القضايا الحقيقة ولكن فعلية تلك الاحكام مشروطة بعلم المكلف بها فإن علم المكلف بها صارت فعلية وواقعية وإن لم يعلم المكلف بها بأن يكون جاهلا فلا حكم واقعي فإن الحكم ينتفي بانتفاء شرطه وإنما هو ثابت في مرحلة الجعل فقط وهي مرحلة الاعتبار هذا نظير وجوب الحج المجعول في الشريعة المقدسة على المستطيع فاذا استطاع شخص صار وجوب الحج عليه فعليا وواقعيا وأما اذا لم يستطع فلا وجوب في حقه وكذلك الحال في العلم اذا كان شرطا لفعلية الحكم فإن علم بالوجوب صار الوجوب فعليا وواقعيا وإن لم يعلم به فلا وجوب وينتفي بانتفاء شرطه وكذلك الحال في سائر الاحكام من الاحكام التكليفية والاحكام الوضعية وهذا الوجه في نفسه امر معقول وممكن في مقام الثبوت لما ذكرناه غير مرة من انه لا مانع من أخذ العلم بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول ولا يلزم منه أي محذور لا محذور تقدم الشيء على نفسه ولا محذور الدور فشيء من هذه المحاذير غير لازم ولا مانع من ذلك ثبوتا، الا انه لا يمكن الالتزام بهذا التفسير في مقام الاثبات فإن لازم ذلك خلو الاحكام الواقعية الفعلية في موارد الامارات والاصول العملية فإن المكلف جاهل بالأحكام الشرعية في هذه الموارد فتنتفي الاحكام الشرعية في موارد الأمارات والاصول العملية بانتفاء شرطها وهو العلم بها وهو خلاف الضرورة إذ لا شبهة في ثبوت الاحكام الواقعية في موارد الامارات والاصول العملية وهي مشتركة بين العالم والجاهل فإن الاحكام الواقعية الفعلية ثابتة في موارد الامارات والاصول العملية حتى يتصور الشك فيها واحتمالها والظن بها.
فالأحكام الواقعية في هذه الموارد مشتركة بين العالم والجاهل فلا يمكن الالتزام بهذا التفسير في مقام الاثبات هذا مضافا الى ان مقتضى إطلاقات الكتاب والسنة ان الاحكام الواقعية مشتركة بين العالم والجاهل فإنه لا دليل على تقييد تلك الاطلاقات بالعالم بها فإنها بإطلاقها تدل على ثبوت الاحكام الواقعية والمشتركة بين العالم والجاهل بها معا فمن أجل ذلك لا يمكن الالتزام بهذا التفسير.
فالنتيجة: أن السببية المنسوبة الى الاشاعرة لا يمكن الالتزام بها.
وأما السببية المنسوبة الى المعتزلة فيمكن تفسيرها بتفسيرين:
التفسير الاول: ان الاحكام الشرعية مجعولة في الشريعة المقدسة بتمام اشكالها واصنافها من الاحكام التكليفية والاحكام الوضعية لموضوعاتها المقدرة وجودها في الخارج بنحو القضايا الحقيقة ولكنها مشروطة بعدم العلم بالخلاف والمراد من العلم بالخلاف اعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي كالأمارات فإذاً ثبوت الاحكام الواقعية مشروطة بعدم العلم بالخلاف فإذا قامت الامارة على اباحة شيء وكان في الواقع حراما فالحرمة غير ثابتة وتنتفي بانتفاء شرطها فإن ثبوت الحرمة في الواقع مشروط بعدم العلم بخلافها والمفروض ان الامارة علم تعبدي وهي قامت على خلاف هذه الحرمة فالحرمة غير ثابتة ومنتفية بانتفاء شرطها ولا حكم في مؤدى الامارة ايضا فإن مؤدى الامارة ايضا خالٍ عن الحكم الالزامي وكذلك اذا قامت الامارة على عدم وجب شيء وكان في الواقع واجبا فإن الوجوب الواقعي ينتفي بانتفاء شرطه وهو مشروط بعدم العلم بخلافه والعلم بالخلاف موجود وهو الامارة اذ المراد من العلم أعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي فالأمارة قائمة على خلافه فإذاً لا حكم في الواقع من جهة عدم وجود شرطه وأما الحكم في مؤدى الامارة فأيضا غير موجود لعدم جعله من الاول فإذاً الواقع خالٍ عن الحكم الشرعي.
وهذا التفسير وإن كان ممكنا ثبوتا ولا مانع منه لما ذكرناه سابقا من انه لا مانع من اخذ عدم العلم بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول ولا يلزم منه أي محذور الا انه لا يمكن الالتزام في ذلك في مقام الاثبات إذ لازم ذلك خلو الواقع عن الحكم فاذا قامت الامارة على عدم وجوب شيء او على عدم حرمته وكان في الواقع واجبا او حراما فلازم ذلك خلو هذه الواقعة عن الحكم أما الحكم الواقعي فمن جهة انتفاء شرطه واما مؤدى الامارة فلعدم جعل الحكم فيه من الاول هذا مضافا الى ان مقتضى اطلاقات أدلة الكتاب والسنة الى ان الاحكام الواقعية ثابتة في الواقع ومشتركة بين العلم والجاهل ولا اشتراط في البين فإن مقتضى تلك الاطلاقات عدم اشتراط تلك الاحكام بعدم العلم بالخلاف.
فإذاً هذا التفسير وإن كان ممكنا ثبوتا الا انه لا يمكن الالتزام به في مقام الاثبات وهو نظير التفسير الثاني للسببية المنسوبة الى الاشاعرة.
التفسير الثاني: ان الاحكام الواقعية مجعولة في الشريعة المقدسة وجعلها لا يتوقف على شيء غاية الامر ان الامارة اذا قامت على تلك الاحكام فإن كانت مطابقة للواقع فهي منجزة لتلك الاحكام وسبب لفعليتها وتنجزها وإن كانت مخالفة لهذه الاحكام فقد أحدثت مصلحة في مؤداها أقوى من مصلحة الواقع وحيث ان المصلحة الحادثة في مؤدى الامارة أقوى من مصلحة الواقع فهي توجب انقلاب الواقع لا محالة الى الواقع الثانوي وهو مؤدى الامارة كما اذا فرضنا ان في يوم الجمعة الواجب هو صلاة الجمعة في الواقع ولكن الامارة قد قامت على ان الواجب في هذا اليوم هو صلاة الظهر فهذه الامارة تحدث مصلحة في صلاة الظهر اقوى من مصلحة صلاة الجمعة فبطبيعة الحال توجب انقلاب الواقع الاولي الى الواقع الثانوي فيكون الواجب وقعا هو صلاة الظهر دون صلاة الجمعة او اذا فرضنا ان الامارة قامت على حليّة شرب ماء العنب بعد الغليان وقبل ذهاب ثلثيه فإنها تحدث مصلحة في المؤدى اقوى من مفسدة الحرمة الواقعية فلا محالة ينقلب الواقع فيكون مباحا فيجوز له واقعا شرب ماء العصير العنبي بعد غليانه وقبل ذهاب ثلثيه.
وهذا التفسير ايضا مما لا يمكن الالتزام به لأنه مخالف لأدلة حجية الامارات والاصول العملية فإن مقتضى أدلة حجية الامارات والاصول العملية أن الاحكام الواقعية ثابتة ولا تتغير بقيام الامارة على خلافها وانها مشتركة بين العالم والجاهل بلا فرق بينهما وكذلك مخالفة لإطلاق الكتاب والسنة فمن اجل ذلك لا يمكن الالتزام بهذا التفسير ايضا في مقام الاثبات.
فالنتيجة انه لا يمكن الالتزام بالسببية المنسوبة الى المعتزلة ايضا لأنها مخالفة لحجية الامارات والاصول العملية ومخالفة لإطلاقات الكاتب والسنة.
وأما القسم الثالث وهو المصلحة السلوكية التي التزم بها شيخنا الانصاري(قد) فبيانها:
أن الامارة اذا قامت على اباحة شيء وكان في الواقع حراما فحجية هذه الامارة بطبيعة الحال توجب القاء المكلف في المفسدة او أن الامارة قامت على اباحة شيء وكان في الواقع واجبا فحجية هذه الامارة لا محالة توجب تفويت المصلحة الملزمة عنه وكلاهما مستحيل وقبيح بحكم العقل العملي وحيث ان حجية الامارة تستلزم هذا المحذور فلا يمكن ان تكون من قبل المولى بدون مبرر فالمولى اوجب حجية الامارة مع انها تؤدي الى القاء المكلف في المفسدة تارة وتفويت المصلحة الملزمة عنه تارة اخرى ويكون ذلك بلا مبرر هذا غير معقول من المولى، فالمبرر لذلك هو الالتزام بالمصلحة السلوكية أي المصلحة في سلوك الامارة والعمل على طبقها والتعبد بها فإن في التعبد بالأمارة وسلوكها مصلحة وهذه المصلحة تدارك المفسدة الواقعية وتدارك المصلحة الفائتة ومع الالتزام بهذه المصلحة فلا يكون القاء العبد في المفسدة قبيحا لأنه متدارك بالمصلحة السلوكية وكذلك تفويت المصلحة الملزمة الواقعية عنه ليس بقبيح لأنها متداركة بالمصلحة السلوكية وهذه المصلحة تختلف باختلاف الفترة الزمنية طولا وقصرا، فتارة سلوك الامارة في اول الوقت فهي تدارك مصلحة اول الوقت لا مصلحة تمام الوقت واخرى سلوك الامارة في تمام الوقت فهي تدارك مصلحة تمام الوقت وثالثة سلوك الامارة في تمام العمر فهي تدارك المصلحة الفائتة عنه في تمام العمر.
وعندئذ لا يلزم أي محذور في البين لا محذور اجتماع الضدين او المثلين ولا محذور القاء العبد في المفسدة ولا تفويت المصلحة عنه وقد التزم بهذا المسلك المحقق النائيني(قد) ايضا وانه على ضوئه لا يلزم من حجية الامارات أي محذور في البين.
هذا ملخص ما ذكره شيخنا الانصاري(قد)[1].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo