< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/06/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية الظن
تحصّل مما ذكرنا أن مراد الشيخ الانصاري عليه الرحمة من أصالة الامكان اصالة الامكان في مقام الثبوت أي في اصل جعل الحجية للظن أنه ممكن ثبوتا او انه مستحيل لاستلزامه اجتماع النقيضين او الضدين او تحليل حرام او الالقاء في المفسدة او تفويت مصلحة وما شاكل ذلك وما ذكره السيد الاستاذ(قده) من ان مراده من اصالة الامكان اصالة الظهور مما لا يمكن حمل كلام الشيخ عليه فإنه بحاجة الى قرينة ولا قرينة على ذلك بل القرينة على الخلاف موجودة فإن أصالة الظهور انما هي في مقام الاثبات كما اذا صدر كلام من المولى وكان ظاهرا في العموم او الاطلاق فأصالة العموم تكون حجة وكذلك اصالة الاطلاق والجامع بينهما اصالة الظهور فكلتا الاصالتين حجة بالسيرة العقلائية القطعية من العقلاء الممضاة شرعا ولا يجوز رفع اليد عنها لمجرد احتمال قرينة على التقييد او التخصيص وكذلك لا يمكن رفع اليد عنها لمجرد احتمال ان مدلول كلام المولى مستحيل ثبوته في الواقع فإن مجرد هذا الاحتمال لا يوجب رفع اليد عن حجية اصالة الظهور الثابتة بالسيرة العقلائية.
فإذاً ليس مراد الشيخ من أصالة الامكان اصالة الظهور بل مراده منها اصالة الامكان في مقام الثبوت أي اصل جعل الحجية للظن ممكن ثبوتا او انه مستحيل كذلك وعلى هذا فننظر الى الاشكالات التي اوردها المحقق الخراساني على الشيخ فهل انها واردة عليه فعلا او لا؟
والاشكال الاول من صاحب الكفاية(قد) أن الشيخ أدعى قيام السيرة من العقلاء على اصالة الامكان في مقام الثبوت وصاحب الكفاية منع عن هذه السيرة في مقام الثبوت.
والظاهر ان هذا الاشكال وارد على الشيخ عليه الرحمة فإن سيرة العقلاء الجارية على العمل بشيء لا يمكن ان تكون جزافا وبلا نكتة تبرر جريان هذه السيرة فإن سيرة العقلاء هي السيرة العملية أي ان عمل العقلاء بشيء لا يمكن ان يكون جزافا وبدون نكتة وتعبدا فإن التعبد انما يتصور بالعمل في الاحكام الشرعية أي على المكلف ان يعمل بالأحكام الشرعية سواء علم جهة الحكم او لم يعلم واما التعبد في اعمال العقلاء فهو غير متصور فإن العقلاء لا يمكن ان يعملوا بشيء من دون العلم بوجهه ومن هنا جريان سيرة العقلاء العملية على العمل بأخبار الثقة دون اخبار غيرها انما هو لنكتة وتلك النكتة هي أقربيّة اخبار الثقة للواقع فإنها أقوى كشفا عن الواقع من غيرها وحيث ان أخبار الثقة أقرب الى الواقع نوعا من أخبار غير الثقة فمن أجل ذلك جرت سيرة العقلاء على العمل بها دون غيرها وكذلك عمل العقلاء بظواهر الالفاظ لنكتة لا يمكن ان تكون تعبدية وتلك النكتة هي ان ظواهر الالفاظ أقرب الى الواقع من غيرها كظواهر الافعال ومن هنا جرت سيرة العقلاء على العمل بظواهر الالفاظ دون ظواهر الافعال في الخارج.
وفي المقام حيث ان اصالة الامكان في مقام الثبوت لا يترتب عليها أي اثر عملي فلا معنى لعمل العقلاء بها فلا يتصور عمل العقلاء بها فإن العقلاء انما يعملون بشيء اذا كان الاثر العملي مترتبا عليه وحيث ان اصالة الامكان مجرد عمل قلبي ولا يترتب عليها أي اثر عملي في الخارج فلا معنى لدعوى جريان السيرة العقلائية عليها.
فالنتيجة أن الإشكال الاول وارد على الشيخ عليه الرحمة.
واما الإشكال الثاني فحاصله على تقدير تسليم جريان السيرة على العمل بأصالة الامكان في مقام الثبوت الا انه لا أمضاء لهذه السيرة لأنها انما تكون حجة اذا كانت ممضاة شرعا والا فلا أثر لها.
وهذا الاشكال غير وارد على الشيخ عليه الرحمة فإن السيرة اذا كانت جارية بين الناس في زمن الشارع بحيث كانت بمرأى ومسمع من الشارع ومع ذلك لم يصدر منه ردع عنها فمن الطبيعي ان هذه السكوت وعدم صدور الردع عنها كاشف عن الامضاء إذ لو كانت السيرة خاطئة في الواقع ومنافية للأغراض الشرعية فبطبيعة الحال لا يسكت عنها الشارع ولا بد ان يصدر عنه ما يناسبها من الردع ومنع الناس عن العمل بها فعدم صدور الردع وعدم المنع عنها كاشف عن الامضاء وانها ليست خاطئة ومنافية لغرض الشارع ولا فرق في ذلك بين ان تكون السيرة مرتكزة في الاذهان وثابتة في اعماق النفوس وبين ان لا تكون كذلك فإن العبرة انما هي بجريان هذه السيرة بين الناس في زمن الشارع فإن كانت موجودة بين الناس في زمن الشارع ومع ذلك لم يصدر منه ردع عنها فهو كاشف عن الامضاء.
فما ذكره صاحب الكفاية من الفرق لا وجه له.
واما الاشكال الثالث فهو وارد وهو ان الاستدلال على حجية الامارات الظنية بالآيات والروايات والسيرة القطعية من العقلاء فإن الشيخ قد استدل على حجية الامارات الظنية بالآيات والروايات وبالسيرة العقلائية فمن الطبيعي ان هذا كاشف عن امكان جعل الحجية للأمارات الظنية فإن أدل دليل على أمكان شيء وقوعه لأن الوقوع أخص من الامكان لأنه يمكن ان يكون الشيء ممكنا ولم يقع في الخارج فوقوعه أدل دليل على امكانه فنفس الشيخ عليه الرحمة قد استدل بالسيرة على حجية الامارات الظنية فهذا دليل على ان جعل الحجية للأمارات الظنية ممكن فإن ادل دليل على أمكان الشيء وقوعه في الخارج.
إلى هنا قد تبين أن الاشكال الاول والثالث واردان على الشيخ عليه الرحمة واما الاشكال الثاني فهو غير وارد.
ولكن قد يقال كما قيل أن عمدة الدليل على حجية الامارات الظنية السيرة القطعية من العقلاء إذا انها قد جرت على العمل بالأمارات الظنية كأخبار الثقة وظواهر الالفاظ ومن الواضح ان السيرة لا تكون حجة إلا بالإمضاء والكاشف عن الامضاء هو عدم صدور الردع عنها ومن الطبيعي ان عدم الردع انما يكون كاشفا عن الامضاء جزما إذا لم يحتمل استحالة جعل الحجية للأمارات الظنية فإن هذا الاحتمال مانع عن الردع ومع هذا الاحتمال لا ردع من الشارع فعدم الردع لعله من جهة احتمال استحالة جعل الحجية للأمارات الظنية.
والجواب عن ذلك واضح أن هذه السيرة إذا جرت بين الناس والناس يعملون بأخبار الثقة في زمن الشارع وبمرأىً ومسمع منه فلو كانت هذه السيرة خاطئة وغير مطابقة للواقع ومنافية لأغراض الشارع فبطبيعة الحال لا يسكت الشارع ويصدر منه ردع عنها ولا يكتفي باحتمال استحالة جعل الحجية لها بل يصدر منه الردع ويمنع الناس بطرق مختلفة وفي موارد متعددة عن العمل بها وسكوت الشارع مطلقا وعدم صدور الردع عنها كذلك كاشف جزما عن امضاء هذه السيرة.
فإذاً هذه السيرة ممضاة شرعا واذا كانت ممضاة شرعا فهي كاشفة عن حجية الامارات الظنية وانها حجة فلا بد من العمل بها.
هذا كله في المقام الثاني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo