< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: وجوب الموافقة القطعية العملية
أما الدعوى الثانية التي أدعاها السيد الاستاذ(قد) إن تنجيز العلم الاجمالي لجميع أطرافه متوقف على تعارض الأصول المؤمنة في أطرافه وتساقطها من جهة التعارض.
فإن أراد(قد) من ذلك الأصول العملية المؤمنة أعم من العقلية والشرعية.
فيرد عليه: أن الأصول العملية العقلية لا يتصور التعارض بينها، لأنه أحكام عقلية ثبوتية تابعة لموضوعها وملاكها، كقاعدة التأمين فإن موضوعها وملاكها عدم البيان وعدم البيان في أطراف العلم الاجمالي أمر وجداني.
فإذاً هذه القاعدة قاعدة عقلية قطعية ثابتة في الواقع بثبوت ملاكها وموضوعها ولا يتصور التعارض بين هذه القاعدة، لأن التعارض لا يتصور بين الأدلة القطعية سواء أ كانت عقلية أم كانت شرعية، والتعارض إنما يتصور بين الأدلة الظنية في مقام الاثبات وأما الأدلة القطعية فهي ثابتة في الواقع فلا يعقل التعارض بينها.
وعلى هذا، فعلى مسلك السيد الاستاذ(قد) من أن العلم الاجمالي متعلق بالتكليف المتعلق بالجامع بحده الجامعي وهو معلوم وجدانا وواصل الى المكلف ورافع لموضوع قاعدة التأمين وجدانا ووارد على قاعدة التأمين، أما خصوصية كون هذا التكليف متعلقا بهذا الفرد بحده الفردي أو بذاك الفرد بحده الفردي فهي مجهولة، ومورد لقاعدة التأمين فإن موضوع قاعدة التأمين وملاكها موجود وهو عدم البيان، فملاك هذه القاعدة وموضوعها موجود وجدانا في كل واحد من فرديه.
ونتيجة ذلك جريان قاعدة التأمين في كل من الفردين، فكما أن قاعدة التأمين تجري في مثلا في صلاة الظهر في يوم الجمعة لأن وجوبها بحدها الفردي غير معلوم ولم يقم بيان على وجوبها بحدها الفردي وبعنوانها الخاص، وكذلك وجوب صلاة الجمعة بحدها الخاص وبعنوانها المخصوص لم يقم بيانا عليه، فوجوب كلتا الصلاتين مورد لقاعدة التأمين، فلا مانع من إجراء قاعدة التأمين في كلتا الصلاتين، إذ التعارض بينهما غير متصور لأن القاعدة قاعدة عقلية قطعية، والتعارض بين الدليلين القطعيين غير متصور لأن فرض التعارض فرض خلف أنهما قطعيان، فلا مانع من التمسك بقاعدة التأمين بالنسبة إلى جوب كل من الصلاتين صلاة الجمعة بعنوانها الخاص وصلاة الظهر وكذلك صلاة القصر بعنوانها الخاص وصلاة التمام، ولكن ذلك لا ينسجم مع العلم الاجمالي بوجوب أحدى الصلاتين فإن العلم الاجمالي تعلق بالوجوب المتعلق بالجامع ووجوب الجامع معلوم وجدانا وواصل الى المكلف وخارج عن موضوع القاعدة وهو عدم البيان لأن البيان قد قام على وجوب الجامع وجدانا.
فدعوى أنه لا ينافي أن لا يعاقب المكلف على ترك كل فرد بحده الفردي ولكنه يعاقب على ترك الجامع في ضمن أحدهما.
لا تمكن هذه الدعوى كما ذكره بعضهم، فإن هذه الدعوى لا يمكن على مسلك السيد الاستاذ(قد) لأنه يرى أن العلم الاجمالي على تامة لحرمة المخالفة القطعية العملية ومن الواضح أن جريان قاعدة التأمين في كل من الفردين يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية العملية أي الترخيص في ترك الجامع والمفروض أن العلم تعلق بالتكليف المتعلق بالجامع، فكيف يمكن الجمع بين جريان قاعدة التأمين في كل من الفردين بحده الفردي وبين العلم بوجوب الجامع وعدم جريان القاعدة فيه؟ لأن موضوع القاعدة مرتفع وجدانا بالنسبة إلى الجامع مع أنه يلزم من جريان القاعدة في كل من الفردين يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية العملية والمفروض أن العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية العملية، فكيف يمكن الجمع بينهما؟
ودعوى أنه يمكن الجمع بينهما من خلال افتراض أن التكليف المتعلق بالجامع لا يسري الى أفراده، وحيث أن الجامع لا يمكن إيجاده الا في ضمن إيجاد فرده فمن أجل ذلك يأتي بفرده كي يتمكن من إيجاد الجامع وإلا فالفرد غير واجب، كالأمر المتعلق بالصلاة كوجوب الصلاة فإنه لا يسري الى افرادها في الخارج لا أفرادها الطولية ولا أفرادها العرضية، ولكن على المكلف لا بد من إيجاد الصلاة في ضمن من فرد أفرادها في الخارج، ولازم ذلك أن قاعدة التأمين لا تجري في شيء من الفردين فإن التكليف متعلق بالجامع وهو لا يسري الى فرديه لا يسري إلى خصوص صلاة الجمعة بحدها الفردي ولا لى خصوص صلاة الظهر بحدها الفردي، والتكليف متعلق بالجامع فعندئذ لا تجري قاعدة التأمين في كل من الفردين فلا موضوع لهذه القاعدة، لأن كل من الفردين ليس متعلقا للوجوب والوجوب متعلق بالجامع وهو معلوم وجدانا.
ولكن هذه الدعوى مدفوعة فإن هذا إنما يتم فيما إذا تعلق التكليف بالجامع الذاتي أو الجامع الذي لم يكن مقيد بقيد خاص فإن التكليف لا يسري منه الى افراده لا في مثل المقام فإن التكليف تعلق بالجامع الانتزاعي الاختراعي وهو مرآة لما في الخارج ولهذا صرح السيد الاستاذ أن تعلق التكليف بالجامع معلوم وان تعلق نفس هذا التكليف بكل من الفردين بحده الفردي مجهول، فمن أجل ذلك لا مانع من جريان قاعدة التأمين في كل من الفردين لتحقق موضوعها بالنسبة الى كل من الفردين هو عدم البيان ولا تجري القاعدة بالنسبة الى الجامع لانتفاء موضوعها، فمن أجل ذلك لا يمكن الجمع بين الأمرين بذلك فإنه خلاف تصريح السيد الاستاذ(قد).
فالنتيجة أن لازم ما أفاده السيد الاستاذ(قد) عدم أمكانية الجمع بين كون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية العلمية وبين كونه متعلقا بالتكليف المتعلق بالجامع بنحو الموضوعية، وأما تعلق هذا التكليف بكل من فرديه فهو مجهول وليس بمعلوم ولا مانع من جريان قاعدة التأمين في كل من الفردين.
فإذاً الجمع بين جريان قاعدة التأمين في كل من الفردين وبين كون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية العملية لا يمكن.
وأما بناءً على ما ذكرناه فالأمر واضح فإن العلم الاجمالي تعلق بالتكليف المتعلق بالجامع وهو جامع انتزاعي واختراعي والتكليف المتعلق به ايضا تكليف انتزاعي وليس تكليفا واقعيا بل هو صورة التكليف في عالم الذهن وتعلق بالجامع الاختراعي للإشارة به الى واقع التكليف المتعلق بواقع الجامع بإشارة ترددية، فمتعلق التكليف حقيقة وروحا هو الفرد بحده الفردي وخصوصية الفرد لها دخل في متعلق التكليف وأما الجامع فهو عنوان مشير الى ما هو متعلق التكليف في الواقع فقط وليس له أي موضوعية، كما أن التكليف المتعلق بهذا العنوان الاختراعي مفهوم التكليف ومشير الى التكليف الواقعي المتعلق بواقع الجامع بالحمل الشائع الصناعي بإشارة ترددية، فالتكليف المتعلق بالجامع لا أثر له وهو للإشارة الى واقع التكليف المتعلق بواقع الجامع وواقع الجامع مردد بين فردين فخصوصية الفرد مأخوذة في متعلق التكليف وعندئذ فالمكلف يعلم باشتغال ذمته بهذه الخصوصية فلا مجال لقاعدة البراءة، فالمرجع هو قاعدة الاشتغال لأن المكلف إذا أتى بأحد الفردين فيشك ببراءة ذمته لاحتمال أن ذمته مشغولة بخصوصية فرد آخر والاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، فهو يعلم أن ذمته مشغولة بخصوصية الفرد فإذا أتى بأحد الفردين فلا يعلم بفراغ ذمته عن هذه الخصوصية إلا إذا أتى بالفرد الأخر لأن الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فالمرجع قاعدة الاشتغال دون قاعدة البراءة لا العقلية ولا الشرعية.
هذا بناءً على ما ذكرناه.
وأما إذا أراد (قد) من جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي جريان البراءة الشرعية في أطراف العلم الاجمالي وتساقطها من جهة المعارضة.
فيرد عليه:
اولا: أنه لا حاجة إلى جريان البراءة الشرعية بعد جريان البراءة العقلية حتى يقال بالتعارض بينها وتساقطها، فإن البراءة العقلية تجري في أطراف العلم الاجمالي بدون معارضة بينهما وهي تغني عن جريان البراءة الشرعية فلا حاجة الى جريان البراءة الشرعية ووقوع التعارض بينهما باعتبار أنها ظنية وتساقطها بعد المعارضة لا حاجة الى ذلك، فإن قاعدة البراءة العقلية تجري من الاول بدون أي معارض في البين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo