< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تنجيز العلم الاجمالي
الوجه الثالث:-من الاشكال على المحقق الخراساني(قد)- أن مراده من الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال الذي لا يكون فعليا من تمام الجهات لا بد أن يكون الحكم الإنشائي حسب ما ذكره(قد) من أن لكل حكم أربع مراتب:
المرتبة الاولى: مرتبة الاقتضاء.
المرتبة الثانية: مرتبة الانشاء والجعل.
المرتبة الثالثة: مرتبة فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج.
المرتبة الرابعة: مرتبة التنجز.
فإذا لم يكن الحكم فعليا من تمام الجهات فلا محال يكون إنشائيا فهو غير قابل للتنجز فإن الحكم الإنشائي غير قابل للتنجز ولو تعلق به العلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي، كما اذا علم المكلف غير المستطيع بوجوب الحج فإنه لا اثر لهذا العلم وإن كان علمه علما تفصيليا، ولكن متعلق علمه الحكم الإنشائي في مرتبة الإنشاء والجعل ولا أثر له، وكذلك اذا علم بوجوب الصلاة قبل دخول وقتها أو علم بوجوب الصلاة قبل بلوغه فانه لا اثر لهذا العلم وان كان علما تفصيليا، فالعلم بالحكم الإنشائي لا اثر له وان كان علما تفصيليا فضلا عن العلم الاجمالي.
وبكلمة أن الحكم انما يكون قابلا للتنجز اذا كان واجدا لوصفين:
الأول: أن يكون فعليا بفعلية موضوعه في الخارج.
الثاني: أن يكون حكما مولويا.
فإذا كان الحكم واجدا لهذين الوصفين فهو قابل للتنجز وأما اذا كان فاقدا لهما أو لأحدهما فلا يكون قابلا للتنجز.
والمفروض أن الحكم المعلوم بالإجمال فاقد للفعلية، فهو غير قابل للتنجز ولو كان متعلقا بالعلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي.
وعلى هذا فما ذكره صاحب الكفاية من ان العلم الاجمالي منجز للمعلوم بالإجمال ويكون تنجيزه بنحو الاقتضاء لا بنحو العلة التامة لا يرجع الى أمر معقول، فإن المعلوم بالإجمال اذا لم يكن فعليا من تمام الجهات بل هو حكم إنشائي في مرتبة الانشاء والجعل فهو غير قابل للتنجز ولو تعلق به العلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي فكيف يكون العلم الاجمالي منجزا له بنحو الاقتضاء لا بنحو العلة التامة؟
وهذا انما يتصور فيما اذا كان الحكم بنفسه قابلا للتنجز فعندئذ نبحث عن ان العلم الاجمالي تنجيزه له هل يكون بنحو الاقتضاء او يكون بنحو العلة التامة؟
فالنتيجة: أن كان مراده(قد) من المعلوم بالإجمال الحكم الانشائي فهو غير قابل للتنجز ولو تعلق به العلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي.
الوجه الرابع: قد ظهر من مجموع كلماته أن الحكم اذا كان فعليا من تمام الجهات في موارد العلم الاجمالي، فالعلم الاجمالي يكون تنجيزه بنحو العلة التامة لا بنحو الاقتضاء وذلك لما ذكره(قد) من المضادة بين الحكم الواقعي وبين الحكم الظاهري ولا يمكن اجتماعهما في شيء واحد ولو احتمالا، فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من تمام الجهات فلا يمكن جعل الحكم الظاهري الترخيصي في تمام أطراف العلم الاجمالي والا لزم اجتماع الضدين ولو احتمالا وهو مستحيل، فلا بد أن يكون العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز ولا يمكن جعل الحكم الترخيصي في تمام اطرافه لاستلزامه محذور اجتماع الضدين وهو غير معقول.
فإذاً لازم ما ذكره(قد) المستفاد من مجموع كلماته أن الحكم اذا كان فعليا من تمام الجهات فلا محالة يكون تنجيز العلم الاجمالي له بنحو العلة التامة لاستحالة جعل الحكم الظاهري في تمام أطرافه لاستلزامه محذور اجتماع الضدين وهو مستحيل.
وأما اذا لم يكن الحكم فعليا من تمام الجهات في موارد العلم الاجمالي فلا يكون العلم الاجمالي منجزا أصلا بل العلم التفصيلي بالحكم غير الفعلي من تمام الجهات لا يكون منجزا فضلا عن العلم الاجمالي.
إلى هنا قد تبيّن أن ما ذكره صاحب الكفاية(قد) في هذه المسألة كلمات مشوشة ومتناقضة، فإنه (قد) قد ذكر في مورد أن التكليف المعلوم بالإجمال حيث انه غير منكشف تمام الانكشاف فلا يكون فعليا من تمام الجهات وذكر في مورد أخر ما يناقض ذلك وهو أن الحكم الواقعي قد يكون فعليا من تمام الجهات حتى في الشبهات البدوية فضلا عن الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي، وهذا الكلام مناقض للأول، وأيضا ما ذكره(قد) من الحكم الاقتضائي من ان الحكم موجود في مرتبة الاقتضاء هذا غريب منه(قد) كيف يعقل ثبوت الحكم في مرتبة الاقتضاء وهي مرتبة وجود الملاكات والمبادي، فإن الحكم انما يتصور ثبوته بنحو الاقتضاء اذا كان معلولا لتلك المبادي وكان من سنخها مع ان الحكم أمر اعتباري لا واقع موضوعي له في الخارج الا في علم الذهن وأنه فعل اختياري للمولى مباشرة وليس معلولا لشيء فلا معنى لما ذكره من الحكم الاقتضائي، وأيضا ما ذكره من أن الحكم فعلي من بعض الجهات وغير فعلي من جهة اخرى لا يرجع الى معنى محصل، فإن الحكم فعلي بفعلية موضوعه في الخارج فإذا وجد موضوعه في الخارج فالحكم فعلي من تمام الجهات ومن الوضح ان الموضوع لا يوجد في الخارج الا بوجود تمام أجزائه وقيوده وانتفاء أحد أجزائه وقيوده يوجب انتفاء الموضوع.
فما ذكره(قد) من ان التكليف قد يكون منجزا من جهة ولا يكون منجزا من جهة اخرى لا يرجع الى معنى معقول.
وأيضا ظهر من مجموع كلماته(قد) أنه من القائلين بأن العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز لا أنه مقتض للتنجيز.
هذا تمام كلامنا في حرمة المخالفة القطعية العملية.
وأما الكلام في الجهة الثالثة وهي وجوب الموافقة القطعية العملية
فيقع الكلام فيها في مقامين:
المقام الاول: في أن العلم الاجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية أو لا يقتضي؟
المقام الثاني: أنه على تقدير ان العلم الاجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية فهل يكون اقتضائه بنحو العلة التامة أولا يكون كذلك؟
أما الكلام في المقام الاول فهنا قولان ومسلكان:
المسلك الاول: التفصيل بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية، فإن العلم الاجمالي لا يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية في الشبهات الحكمية ويقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية في شبهات الموضوعية.
المسلك الثاني: أن العلم الاجمالي لا يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية مباشرة انما يقتضي وجوبها بعد تعارض الأصول المؤمنة في اطرافه وسقطوها بالتعارض.
أما المسلك الاول فقد ذُكر ان العلم الاجمالي حيث انه متعلق بالجامع وهو عنوان أحدهما أو أحدها في الشبهة الحكمية والجامع بحده الجامعي معلوم للمكلف تفصيلا وواصل اليه ولا موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان بالنسبة الى الجامع فان موضوعها ينتفي بالوجدان لأن الجامع معلوم بالوجدان للمكلف وواصل اليه كذلك فلا موضوع لقاعدة التأمين وجدانا، ولهذا لا يمكن التمسك بهذه القاعدة بالنسبة الى الجامع وأما بالنسبة الى كل من فرديه، فموضوع القاعدة موجود فان كل من الفردين مشكوك تعلق الحكم به بحده الفردي فاذا علم المكلف بوجوب احدى الصلاتين في يوم الجمعة ولكن لا يدري ان الواجب هو صلاة الجمعة في يومها أو الواجب هو صلاة الظهر في يوم الجمعة، فالجامع بينهما (وهو وجوب الصلاة بحدها الجامعي) معلوم للمكلف وجدانا وهو واصل اليه ولا موضوع لقاعدة التأمين بالنسبة الى الجامع فان موضوع قاعدة التأمين عدم البيان والبيان بالنسبة الى الجامع أمر وجداني.
وأما بالنسبة الى كل صلاة باسمها الخاص وبعنوانها المخصوص فهو مشكوك الوجوب ولم يقم بيان على وجوب صلاة الظهر بعنوانها الخاص وباسمها المخصوص ولا بيان على وجوب صلاة الجمعة باسمها الخاص وعنوانها المخصوص.

فإذاً موضوع قاعدة التأمين موجود في كل من الصلاتين بعنوانها الخاص وباسمها المخصوص.
وعلى هذا فاذا أتى بإحدى الصلاتين فقد أتى بالجامع فان الجامع ينطبق على كل واحد منهما، ومن الواضح ان العلم بالجامع لا يقتضي الا الاتيان بالجامع واذا أتى بإحدى الصلاتين فقد أتى بالجامع ولا مانع من الرجوع الى قاعدة التأمين بالنسبة الى صلاة أخرى.
فإذاً العلم الاجمالي انما يقتضي الموافقة الاحتمالية ولا يقتضي الموافقة القطعية العملية.
وأما إذا كانت الشبهة موضوعية كما اذا علم بوجوب أكرام العالم وهو مردد في الخارج بين زيد وبين عمرو، فموضوع وجوب الإكرام الفرد الذي هو متصف بالعلم، فعندئذ يعلم ان ذمته مشتغلة بوجوب أكرام فرد متصف بالعلم ومن الواضح انه اذا أكرم أحدهما فلا يحصل له اليقين بفراغ الذمة لأن ذمته مشغولة بإكرام فرد متصف بالعلم والذي أكرمه في الخارج لعله غير متصف بالعلم والمتصف بالعلم لعله فرد اخر فمن اجل ذلك يجب عليه أكرام فرد أخر أيضا حتى يحصل له اليقين بالفراغ فأن الشغل اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.
فمن أجل ذلك العلم الاجمالي في الشبهات الموضوعية يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية وأما في الشبهات الحكمية فلا يقتضي الا الموافقة الاحتمالية ولا يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية.
هكذا قيل في وجه هذا القول.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo