< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حقيقة العلم الاجمالي
الاتجاه الثالث : ما ذكره المحقق العراقي (قده) وحاصله :
انه لا فرق بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي في المعلوم بالعرض، فان المعلوم بالعرض في كلا العلمين هو الفرد بحده الفردي فكما ان المعلوم بالعرض في العلم التفصيلي الفرد بحده الفردي فكذلك المعلوم بالعرض في العلم الاجمالي والفرق بينهما انما هو في نفس العلم فان العلم الاجمالي مشوب بالإجمال واما العلم التفصيلي فهو غير مشوب بالإجمال.
وقد برهن ذلك : بان المعلوم بالإجمال لو كان متعلقا بالجامع فلا يمكن انطباقه على الفرد بحده الفردي وانما ينطبق على الحيثية المشتركة الجامعة بين الفردين او الافراد وهي الحيثية المنتزعة من الفرد بإلغاء خصوصية الفردية فان كل فرد ينحل الى خصوصيتين، الخصوصية المشتركة الجامعة بين فردين او افراد والخصوصية الفردية، فلو كان متعلق العلم الاجمالي الجامع فلا ينطبق الا على الخصوصية الفردية المشتركة الجامعة بين فردين او افراد ولا يمكن انطباقه على الخصوصية الفردية مع ان الامر ليس كذلك .
هكذا ذكره (قده)[1].
وقد أورد عليه المحقق الاصفهاني (قده) بان العلم الاجمالي المتعلق بالجامع ينحل الى علمين العلم بالجامع بما هو جامع، والعلم بالجامع المقيد بكونه في ضمن احد الفردين او الافراد وهذا هو العلم الاجمالي فان العلم الاجمالي متعلق بالجامع المقيد بكونه في ضمن احد الفردين او الافراد لأنه متعلق بالجامع المقيد بإحدى الخصوصيتين او الخصوصيات الفردية.
وعلى هذا، فيمكن المناقشة في ذلك فان العلم الاجمالي اذا تعلق بالجامع المقيد بكونه في ضمن احد الفردين او الافراد فننقل الكلام في خصوصية هذا التقييد فان متعلق العلم الاجمالي الجامع المقيد بكونه في ضمن احد الفردين او الافراد فإذاً ننقل الكلام في خصوصية هذا التقييد فهل هذا التقييد تقييد بالفرد او تقييد بالجامع ؟ ولا ثالث لهما .
فعلى الاول وهو ما اذا كان هذا التقييد هو تقييد متعلق العلم الاجمالي بالفرد فلازم ذلك تعلق العلم الاجمالي بالفرد بحده الفردي مباشرة لا انه تعلق بالجامع المقيد بكونه في ضمن احد الفردين او الافراد حتى ينحل الى علمين علم بالجامع بما هو الجامع وعلم بالجامع في ضمن احد الفردين او الافراد، بل العلم الاجمالي على هذا تعلق بالفرد بحده الفردي مباشرة.
واما على الثاني، فالعلم الاجمالي تعلق بالجامع مباشرة بحده الجامعي .
فإذاً ما ذكره المحقق العراقي من ان العلم الاجمالي متعلق بالفرد بحده الفردي مطلقا غير صحيح .
هذا ما ذكره المحقق الاصفهاني من الاشكال [2].
ثم ان ما ذكره المحقق العراقي يرجع الى نقاط ثلاث :
النقطة الاولى : ان المعلوم بالعرض في العلم الاجمالي هو الفرد بحده الفردي ولا فرق بينه وبين العلم التفصيلي من هذه الناحية فكما ان المعلوم بالعرض في العلم التفصيلي هو الفرد المعين في الخارج بحده الفردي كذلك المعلوم بالعرض في العلم الاجمالي هو الفرد بحده الفردي .
النقطة الثانية : ان الفرق بينهما في نفس العلم، فان العلم الاجمالي يعني ان المعلوم بالذات - اذ العلم عين المعلوم بالذات- فالمعلوم بالذات في العلم الاجمالي مشوب بالإجمال ومبهم واما المعلوم بالذات في العلم التفصيلي فغير مشوب بالإجمال والابهام، فمن هذه الناحية يختلف العلم الاجمالي عن العلم التفصيلي .
النقطة الثالثة : ان العلم الاجمالي لو كان متعلقا بالجامع فيستحيل انطباقه على الفرد بحده الفردي .
ما ذكره (قده) يرجع الى هذه النقاط.
وللمناقشة فيما ذكره مجال
اما النقطة الاولى، فإن اراد من تعلق العلم بالفرد في الخارج بحده الفردي مباشرة فيرد عليه :
اولا : انه غير معقول لأن العلم من الصفات النفسانية ولا وجود له الا في وعاء النفس فلا يعقل تعلقه بالفرد الخارجي مباشرة والا لزم ان يكون موجودا في الخارج وهذا خلف، فلا يمكن تعلق العلم الاجمالي بالفرد بحده الفردي مباشرة .
ثانيا : ان الفرد الخارجي لو كان متعلقا للعلم الاجمالي مباشرة فلازم ذلك ان يكون الفرد الخارجي هو المعلوم بالذات، والمفروض ان المعلوم بالذات مقوم للعلم اذ العلم عين المعلوم بالذات والمعلوم بالذات عين العلم ولازم ذلك ان يكون العلم مصيبا للواقع دائما ولا يعقل فيه الخطأ وخلاف الواقع، وهو خلاف الضرورة والوجدان لأن العلم قد يخطأ الواقع فيكون جهلا مركبا ولا يعقل ان يكون العلم مصيبا للواقع دائما، فمن اجل ذلك لا يمكن ان يكون العلم الاجمالي متعلقا بالفرد الخارجي بحده الفردي مباشرة.
وإن اراد من ذلك ان العلم الاجمالي تعلق بصورة الفرد بحده الفردي وصورة الفرد انما هي موجودة في الذهن لا في الخارج وهي مرآة لما في الخارج ومشيرة له فالعلم الاجمالي تعلق بصورة الفرد بحده الفردي لا بواقعه الخارجي، فيرد عليه :
اولا : انه خلاف الضرورة والوجدان، فانه وجدانا ان العلم الاجمالي تعلق بإحدهما او احدها لا بصورة الفرد بحده الفردي، فاذا علمنا اجمالا بنجاسة احد الاناءين احدهما الابيض والاخر الاسود فلا شبهة في ان العلم الاجمالي متعلق بعنوان احدهما ولم يكن العلم الاجمالي متعلقا لا بنجاسة الاناء الابيض بحده الفردي ولا بنجاسة الاناء الاسود بحده الفردي، فتعلق العلم الاجمالي بصورة الفرد بحده الفردي خلاف الضرورة والوجدان .
وثانيا : ان لا زم ذلك انقلاب العلم الاجمالي علما تفصيليا فان العلم التفصيلي تعلق بالفرد بحده الفردي اما العلم الاجمالي لو كان متعلقا بصورة الفرد بحده الفردي فهو علم تفصيلي، فلا معنى لتقسيم العلم الى العلم التفصيلي والى العلم الاجمالي .
وإن اراد (قده) من تعلق العلم بصورة الفرد بحده الفردي المبهم المجمل فيرد عليه ان هذا هو الصحيح فان العلم الاجمالي تعلق بأحد الفردين بحده الفردي ولكنه مبهم من جهة تردده بين هذا الفرد او ذاك الفرد .
ولكن على هذا يرجع هذا القول الى القول المشهور من ان متعلق العلم هو الجامع الإنتزاعي وهو عنوان احدهما او عنوان احدها فليس قوله حينئذ قولا اخر في مقابل قول المشهور .
هذا كله في النقطة الاولى .
واما النقطة الثانية، فان ما ذكره(قده) من ان الفرق بينهما انما هو في نفس العلم فان العلم الاجمالي مشوب بالإجمال والابهام والعلم التفصيلي غير مشوب بالإجمال والابهام .
هذا الذي افاده (قده) غير معقول، فان حقيقة العلم هي الكشف والنور فلا يتصور دخول الابهام في حقيقة العلم والا لزم التناقض فان حقيقة العلم سواء أ كان تفصيليا او اجماليا هي الكشف والنور ولا يعقل دخول الابهام والاجمال في حقيقته والا فلا يكون علما .
فما ذكره (قده) من ان الفرق بين العلم التفصيلي والاجمالي هو ان حقيقة العلم الاجمالي مشوبة بالإجمال والابهام واما العلم التفصيلي فلا يكون كذلك غير متصور، كيف يكون العلم مشوبا بالإجمال ولازمه انه ليس بعلم .
واما النقطة الثالثة، فما ذكره (قده) من ان العلم الاجمالي لو كان متعلقا بالجامع فيستحيل انطباقه على الفرد بحده الفردي فهذا انما يتم في المفهوم الذاتي لا في المفهوم العرضي فان المفهوم الذاتي كمفهوم الانسان ومفهوم الحيوان وما شاكل ذلك منتزع من الجهة الذاتية المشتركة بين افراده فمفهوم الانسان منتزع من الجهة الذاتية المشتركة بين افراده وهي الحيوانية والناطقية فان الحيوانية والناطقية جهة ذاتية مشتركة بين افراد الانسان، ومفهوم الانسان منتزع من هذه الحيثية المشتركة الذاتية بين افراده ومن الوضح انه لا ينطبق الا على هذه الحيثية المشتركة ولا ينطبق على فرده بحده الفردي واما المفهوم العرضي فهو مخترع من قبل العقل ومصطنع لأجل استخدامه للإشارة الى الواقع الخارجي كمفهوم الجزئي ومفهوم الفرد ومفهوم الشخص وما شاكل ذلك من المفاهيم العرضية فان المفاهيم العرضية منشأ انتزاعها الفرد فمفهوم الفرد منتزع من الفرد الخارجي بحده الفردي ومفهم الشخص منتزع من الشخص الخارجي بحده الشخصي، ولهذا مفهوم الفرد وان كان مفهوما كليا ولكنه ينطبق على الفرد بحده الفردي ومفهوم الشخص وان كان مفهوما كليا ولكنه ينطبق على الشخص بحده الشخصي وكذلك الحال في مفهوم احدهما او مفهوم احدها فانه مفهوم عرضي منتزع من الفرد فهو ينطبق على الفرد بحده الفردي ولكن مرددا بين هذا الفرد وذاك الفرد وهذا التردد انما هو عندنا من جهة جهلنا بالحال لا في الواقع وعلم الله.
وعى هذا، فلا بدّ من الفرق بين المفهوم الذاتي المنتزع من الحيثية المشتركة بين افراده كمفهوم الانسان والناطق وما شاكل ذلك وبين المفهوم العرضي وهو منتزع من قبل العقل من نفس الفرد الخارجي بحده الفردي كمفهوم الفرد ومفهوم الشخص ومفهوم احدهما، ومتعلق العلم الاجمالي هو المفهوم العرضي أي عنوان احدهما او احدها، وهذا المفهوم ينطبق على الفرد بحده الفردي ولكن مرددا .
فإذاً ما ذكره المحقق العراقي (قده) من ان متعلق العلم الاجمالي لو كان هو الجامع الانتزاعي العرضي فيستحيل انطباقه على الفرد غير تام .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo