< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حقيقة العلم الاجمالي
الى هنا قد تبين ان مدرسة المحقق النائيني ومنهم السيد الاستاذ(قدهما) قد ذكروا ان المعلوم بالإجمال لا يمكن انطباقه على احد فرديه او على احد افراده في الخارج ولا واقع موضوعي له .
ولكن للمناقشة فيه مجال .
فإن ما ذكرته هذه المدرسة وان كان صحيحا من جهة ولكنه غير واقعي وغير صحيح من جهة اخرى.
اما انه صحيح فمن جهة ان المعلوم بالإجمال بوصف كونه معلوما بالإجمال لا موطن له الا الذهن ولا يمكن انطباقه على الخارج، وإما انه غير صحيح فلا شبهة على ان العلم التصديقي هو عبارة عن الكشف الذاتي عن الواقع، فان العلم على قسمين: علم تصوري وهو مجرد تصور المفاهيم في عالم الذهن بقطع النظر عن الجهات الاخرى وعن اضافاتها، فان هذا العلم ليس في الحقيقة علم اذ هو مجرد تصورات في عالم الذهن ولا يترتب عليها أي اثر، وعلم تصديقي وهو الذي يترتب عليه الاثر وهو الكشف الذاتي عن الواقع فان كل علم سواء كان علما تفصيليا او كان علما اجماليا انما استخدم للإشارة الى الواقع، فإن كشفه عن الواقع ذاتي وغير قابل لانفكاك والسلب عنه، وهذا العلم هو العلم التصديقي ويترتب عليه الاثر ولا فرق في ذلك بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي فكما ان المعلوم بالتفصيل في العلم التفصيلي يكشف كشفا ذاتيا عن المعلوم بالعرض أي عن الواقع الخارجي كذلك المعلوم بالذات في العلم الاجمالي فانه يكشف كشفا ذاتيا عن المعلوم بالعرض في الخارج، غاية الامر ان المعلوم بالعرض في العلم التفصيلي معين في الخارج عندنا واما المعلوم بالعرض في العلم الاجمالي فهو غير معين عندنا من جهة جهلنا والا في الواقع وعلم الله فهو معين، فان المكلف اذا علم بوقوع قطرة دم في احد الاناءين ولكنه لا يدري انها وقعت في الاناء الشرقي او في الاناء الغربي فهذا منشأٌ للعلم الاجمالي او كان في مكان مظلم ويعلم ان احد الاناءين قد لاقى النجس ولكن لا يدري ان الملاقي هو الاناء الابيض او انه الاناء الاسود وهذا هو منشأٌ للعلم الاجمالي او انه يعلم بوقوع قطرة دم على احد الاناءين معينا ثم بعد ذلك اشتبه في اناء اخر فهذا الاشتباه منشأٌ للعلم الاجمالي بنجاسة احد الاناءين، واما في علم الله فالواقع معلوم ان قطرة الدم وقعت على أي من الاناءين أي اما في الاناء الشرقي او الاناء الغربي او ان الملاقي للنجس اما هو الاناء الابيض او الاناء الاسود كل ذلك في الواقع معلوم ومعين عند الله تعالى ولكنه عند المكلف مجهول من جهة جهله بالحال فمن اجل ذلك المعلوم بالذات في العلم الاجمالي ينطبق على المعلوم بالعرض غاية الامر ينطبق على الفرد المردد بين فردين ينطبق اما على نجاسة الاناء الشرقي او على نجاسة الاناء الغربي واما ان ينطبق على نجاسة الاناء الابيض او على نجاسة الاناء الاسود، وهذا التردد عندنا من جهة جهلنا بالحال واما في الواقع فهو معلوم ومعين .
فما ذكرته مدرسة المحقق النائيني من ان المعلوم بالإجمال لا واقع موضوعي له في الخارج لا يمكن المساعدة عليه، بل هو خلاف الضرورة والوجدان، اذ لا شبهة في ان المعلوم بالإجمال يكشف كشفا ذاتيا عن المعلوم بالعرض غاية الامر ان المعلوم بالعرض معين في الواقع وعلم الله وغير معين عندنا من جهة جهلنا بالحال، نعم المعلوم بالإجمال بوصفه العنواني لا واقع موضوعي له ولكن من هذه الناحية لا فرق بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي فان المعلوم بالتفصيل بوصفه العنواني ايضا لا واقع موضوعي له، اذ لا موطن له الا الذهن ولا ينطبق على الخارج، فالمعلوم بالذات بوصفه العنواني أي بوصف كونه معلوما لا واقع موضوعي له في الخارج سواء أ كان معلوما بالذات للعلم التفصيلي او معلوما بالذات للعلم الاجمالي، اما ذات المعلوم بالذات بقطع النظر عن هذا الوصف فهو كاشف ذاتا عن المعلوم بالعرض وينطبق عليه غاية الامر في المعلوم بالذات في العلم التفصيلي انطباقه معلوم لدى المكلف كما انه معلوم عند الله واما في العلم الاجمالي فانطباقه مردد عند المكلف من جهة جهله بالحال واما في الواقع وعلم الله فهو معلوم باعتبار ان منشأ العلم الاجمالي معلوم ومن هنا يظهر ان ما ذكرته هذه المدرسة مبني على الخلط بين المعلوم بالإجمال بوصفه العنواني والمعلوم بالإجمال في نفسه وبقطع النظر عن هذا الوصف فان ما لا واقع موضوعي له هو المعلوم بالإجمال بوصفه العنواني فانه الذي لا واقع موضوعي له واما المعلوم بالإجمال في نفسه وبقطع النظر عن هذا الوصف فهو ينطبق على الخارج ويكشف عن المعلوم بالعرض في الخارج وينطبق عليه غاية الامر انطباقه مردد عندنا من جهة جهلنا بالحال واما في الواقع وعلم الله فهو معين، هذا مضافا الى ان المعلوم بالإجمال اذا لم ينطبق على المعلوم بالعرض في الخارج كما اذا فرضنا ان النجاسة المعلومة بالذات نجاسة احد الاناءين الشرقي او الغربي فهي اذا لم تنطبق على نجاسة احدهما في الخارج فإذاً ما هو وجه تنجز نجاسة الاناء الشرقي او نجاسة الاناء الغربي ؟ فان العلم الاجمالي موطنه الذهن والمعلوم بالذات موطنه الذهن ولا ينطبق على الخارج فما هو إذاً المنجز لنجاسة الاناء الشرقي ولنجاسة الاناء الغربي على تقدير كونه نجسا ؟ لفرض ان العلم الاجمالي لا يصلح ان يكون منجزا لأن المعلوم بالإجمال في العلم الاجمالي لا ينطبق عليه ولا يكشف عنه حتى يكون منجزا .
فهذا الاشكال وارد على مدرسة المحقق النائيني (قده) .
فالنتيجة ان ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني (قده) لا يمكن المساعدة عليه، بل هو خلاف الضرورة والوجدان اذ كشف العلم عن الواقع ذاتا امر موافق للوجدان والضرورة .
واما ما ذكره السيد الاستاذ(قده) من ان للمعلوم بالإجمال في العلم الاجمالي اذا كان له واقع فما هو هذا الواقع في الموارد التي لا تعيّن له،كما اذا فرضنا ان المكلف يعلم بوقوع قطرة دم في احد الاناءين وفرضنا ان قطرة اخرى وقعت في اناء اخر فكلا الاناءين نجس بملاقاة الدم غاية الامر احدهما معلوم بالإجمال فعندئذ فما هو المعلوم بالإجمال هل هو نجاسة الاناء الشرقي او نجاسة الاناء الغربي؟ لفرض ان كلا الاناءين متنجس بملاقاة الدم فما هو الواقع لو كان للمعلوم بالإجمال واقع ؟ والواقع هو نجاسة الاناء الشرقي او نجاسة الاناء الغربي وهذا دليل على انه ليس للمعلوم بالإجمال واقع موضوعي في الخارج[1].
والجواب عن ذلك واضح : فان منشأ العلم الاجمالي هو علم المكلف بوقوع قطرة دم في احد الاناءين هذا هو منشأ العلم الاجمالي واما وقوع قطرة اخرى في الاناء الاخر فهو ليس منشأً للعلم الاجمالي فما هو منشأٌ للعلم الاجمالي فهو معلوم في الواقع وفي علم الله والمعلوم بالإجمال ينطبق عليه ولكنه مجهول عند المكلف واما في الواقع وعلم الله فهو معلوم .
الى هنا قد تبيّن ان ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني ومنهم السيد الاستاذ(قدهما) من ان ليس للمعلوم بالإجمال في العلم الاجمالي واقع موضوعي ولا ينطبق لا على نجاسة الاناء الشرقي ولا على نجاسة الاناء الغربي لا يرجع الى معنى صحيح بل هو خلاف الضرورة والوجدان لأن العلم التصديقي عبارة عن الكشف الذاتي سواء أ كان العلم تفيصليا او العلم اجماليا فان كشفه عن الواقع ذاتي وغير قابل للانفكاك غاية الامر ان العلم التفصيلي يكشف عن واقع معين عند العالم واما العلم الاجمالي فلا يكشف عن واقع معين عند العالم لجهله بالواقع ولكن في الواقع وعلم الله معلوم فهذا هو المطابق للوجدان .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo