< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب الموافقة الالتزامية
الى هنا قد تبيّن انه على تقدير وجوب الموافقة الالتزامية كما تجب الموافقة العملية فهاهنا وجوبان.
احدهما : الوجوب المتعلق بالفعل النفسي والقلبي كالالتزام ونحوه .
الاخر : الوجوب المتعلق بالفعل الخارجي .
وعلى هذا، فكل حكم جاء من قبل الشارع فيجب الالتزام به سواء أ كان حكما ترخيصيّا او كان حكما الزاميا، فوجوب الالتزام ثابت بالنسبة الى كل حكم .
وعلى هذا، فاذا علم الانسان بإباحة شرب هذا الماء فيجب عليه الالتزام بإباحته قلبا، وهل هذا الالتزام يتطلب من المكلف ومن الملتزم العمل به خارجا على طبق التزامه او لا يتطلب ؟
والجواب : انه لا يتطلب ذلك، فإنه لا منافاة بين الالتزام بإباحة شرب هذا الماء وبين الاجتناب عنه في الخارج عملا، وكذلك الحال في الاحكام الالزامية فاذا علم الانسان بنجاسة اناء فيجب عليه الالتزام بنجاسته قلبا وهذا الالتزام لا يتطلب من الملتزم العمل به خارجا على طبق ما التزم به، لأن العمل على طبق الالتزام خارجا لا يقتضي ولا يتطلب الالتزام بنجاسته قلبا بل الملاك للعمل الخارجي هو شيء اخر وهو العلم بنجاسته خارجا وهذا هو الذي يدعو الى العمل به خارجا فيجتنب عنه لا الالتزام القلبي، مثلا اذا علم بوجوب الصلاة فيجب على المكلف الالتزام بوجوبها لأن الحكم الشرعي موضوع لوجوب الموافقة الالتزامية أي قد اخذ في وجوب الموافقة الالتزامية، وعلى هذا فيجب عليه الالتزام بوجوب الصلاة قلبا وهذا الالتزام لا يدعو المكلف والملتزم الى الاتيان بالصلاة خارجا اذ الداعي الى الاتيان بالصلاة هو وجوبها المتعلق بها خارجا وهذا الوجوب هو الذي يدعو المكلف الى الاتيان بها خارجا لا الالتزام القلبي هذا كله فيما اذا كان الالتزام بالحكم التفصيلي .
واما اذا كان الالتزام بالحكم الاجمالي في موارد العلم الاجمالي فتارة يكون المعلوم بالإجمال الاحكام الترخيصيّة،كما اذا علم الانسان بطهارة احد الانائين الاناء الشرقي والاناء الغربي، وكانا مسبوقين بالنجاسة ونشك فعلا في بقاء نجاسة كل منهما، فعندئذ لا مانع من استصحاب بقاء نجاسة كل منهما ومقتضى هذا الاستصحاب وجوب الاجتناب عن كلا الانائين في الخارج فهل هذا الاستصحاب يجري في المقام او ان وجوب الموافقة الالتزامية مانع عن جريان هذا الاستصحاب ؟
الظاهر بل المقطوع به ان وجوب الموافقة الالتزامية غير مانع عن جريان هذا الاستصحاب، لأن المعلوم بالإجمال وهو الجامع قد وصل الى المكلف بدون خصوصية هذا الاناء او ذاك الاناء أي الواصل الى المكلف هو الجامع بحده الجامعي، ومن الواضح ان الجامع بوصفه العنواني وبحده الجامعي لا ينطبق على شيء من الانائين فان المعلوم بالإجمال بوصفه العنواني وهو المعلوم بالإجمال لا ينطبق على الاناء الشرقي ولا على الاناء الغربي، لأن الاناء الشرقي او الغربي ليس مصداقا للمعلوم بالإجمال، ولهذا ليس للمعلوم بالإجمال واقع موضوعي في الخارج بوصفه العنواني، وسيأتي الكلام عن ذلك في مبحث العلم الاجمالي وان ليس للمعلوم بالإجمال واقعا موضوعيا في الخارج بوصفه العنواني، نعم الواقع المعلوم بالإجمال ينطبق اما على الاناء الشرقي او على الاناء الغربي واما المعلوم بالإجمال بوصفه العنّواني فلا ينطبق على شيء منهما، ولا يخرج من الذهن الى الخارج فهو مجرد مفهوم ذهني .
وعلى هذا، فموضوع وجوب الموافقة الالتزامية هو صورة هذا الجامع أي الجامع بوصفه العنواني الموجود في الذهن، وصورة الجامع لا تنطبق على الخارج اذ ان صورة الجامع في عالم الذهن مباينة لصورته في عالم الخارج فلا تنطبق على صورته في الخارج لأن الوجود الذهني مباين للوجود الخارجي ولا يمكن انطباق الوجود الذهني على الوجود الخارجي .
وعلى هذا فجريان استصحاب بقاء نجاسة الاناء الشرقي واستصحاب بقاء نجاسة الاناء الغربي يؤدي الى الاجتناب عن ارتكاب كلا الانائين والترخيص في ترك كلا الانائين، ولكن لا يؤدي الى ترك الجامع فان الجامع الذي هو موضوع وجوب الموافقة الالتزامية وعاؤه الذهن لأن موضوع وجوب الموافقة الالتزامية صورة الجامع ووعائها الذهن فلا تنطبق على الخارج .
فإذاً الترخيص في ترك افراد هذا الجامع ليس ترخيصا في ترك هذا الجامع او الترخيص في ارتكاب افراد هذا الجامع ليس ترخيصا في ارتكابه لأن هذا الجامع مباين لأفراده في الخارج ولا ينطبق عليها لأنه موجود بوجود ذهني والافراد موجودة بوجود خارجي، والوجود الذهني مباين للوجود الخارجي فلا ينطبق عليه، ومن هنا تختلف وجوب الموافقة الالتزامية عن وجوب الموافقة العملية، فإنَّ موضوع وجوب الموافقة القطعية واقع الجامع لا صورة الجامع في عالم الذهن، وهذا الواقع لا محالة في ضمن احد الفردين في الخارج، فالترخيص في ترك كلا الفردين ترخيص في ترك الجامع، والترخيص في ارتكاب كلا الفردين ترخيص في ارتكاب الجامع لأن الجامع وجوده بوجود احد الفردين وليس له وجود اخر غير وجود احد الفردين، فلا يمكن جريان هذا الاستصحاب فإن استصحاب بقاء نجاسة كلا الانائين يؤدي الى الترخيص في ترك كلا الفردين والترخيص في ترك كلا الفردين ترخيص في ترك الجامع فاذا كان الجامع واجبا فعندئذ تلزم المخالفة القطعية العملية وفي المقام وان لم يلزم مخالفة قطعية عملية باعتبار ان المعلوم بالإجمال حكم ترخيصي أي ليس حكما الزاميا فترك المعلوم بالإجمال ليس فيه محذور المخالفة القطعية العملية واما المخالفة القطعية الالتزامية فهي غير لازمة، فان الترخيص في ترك كلا الفردين ليس ترخيصا في ترك الجامع الذي هو موضوع لوجوب الموافقة الالتزامية، فلذلك وجوب الموافقة الالتزامية في الاحكام الترخيصية لا يكون مانعا عن جريان الاصول العملية في اطرافه لأن جريان الاصول العملية في اطرافه وان كان يؤدي الى الترخيص في ترك افراده الا انه لا يؤدي الى الترخيص في ترك الجامع فمن اجل ذلك لا تلزم المخالفة القطعية الالتزامية .
واما اذا كان المعلوم بالإجمال حكما الزاميا كما اذا علم بنجاسة احد الانائين وكانا مسبوقين بالطهارة ونشك فعلا في بقاء طهارة كل منهما، والثمرة تظهر بين وجوب الموافقة الالتزامية وبين وجوب الموافقة العملية في مثل هذه الموارد أي ما اذا كان المعلوم بالإجمال حكما الزاميا فإنه لا مانع من جريان استصحاب بقاء طهارة الاناء الشرقي واستصحاب بقاء طهارة الاناء الغربي، ولكن هذان الاستصحابان وان كانا يؤديان الى الترخيص في ترك كلا الفردين ولكن لا يؤديان الى الترخيص في ترك الجامع بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية الالتزامية اذ ان موضوع وجوب الموافقة القطعية الالتزامية هو صورة الجامع في الذهن وهي مباينة لصورة الفرد في الخارج وترك الفرد في الخارج لا يستلزم ترك صورة الجامع لأن الوجود الذهني مباين للوجود الخارجي والاصول العملية تؤدي الى الترخيص في ترك افراد هذا الجامع ولا تؤدي الى الترخيص في ترك الجامع فالجامع يبقى ثابتا فوجوب الموافقة الالتزامية لا يكون مانعا عن جريان هذه الاصول، ولكن وجوب الموافقة العملية يمنع عن ذلك لأن موضوعها واقع الجامع وهو موجود في ضمن احد الفردين أي واقع النجاسة موجود في ضمن احد الفردين اذ لا محالة ان احد الفردين نجس، فالاستصحابان يؤديان الى الترخيص في ترك كلا الفردين فهما مؤديان الى الترخيص في ترك الجامع ايضا لأن الترخيص في ترك كلا الفردين ترخيص في ترك الجامع لأن الجامع موجود بوجود احد الفردين وليس له وجود اخر، فترك كلا الفردين ترك للجامع وترك الجامع موجب للمخالفة القطعية العملية فمن اجل ذلك وجوب الموافقة العملية يمنع عن جريان استصحاب بقاء طهارة الاناء الشرقي واستصحاب بقاء طهارة الاناء الغربي .
وعلى هذا، يظهر الفرق بين وجوب الموافقة الالتزامية وبين وجوب الموافقة العملية، فوجوب الموافقة الالتزامية لا يمنع عن جريان الاصول العملية في اطرافه واما وجوب الموافقة العملية فهو يمنع عن جريان الاصول في الاطراف.
هذا كله فيما اذا كان موضوع وجوب الموافقة الالتزامية الحكم الشرعي الواصل الى المكلف .
واما اذا كان الموضوع الحكم المنجز بحيث يكون الموضوع في طول التنجز بان يكون الحكم منجزا في المرتبة السابقة وموضوع وجوب الالتزام الحكم المنجز في المرتبة السابقة فهل هو مانع عن جريان الاصول العملية او لا يكون مانعا ؟
والجواب : انه لا يكون مانعا عن جريان الاصول العملية في المقام فان الاصول اذا جرت في اطرافه فهي رافعة للتنجز وجدانا وحقيقة، فتكون الاصول العملية واردة على دليل وجوب الالتزام .
الا ان هذا مجرد افتراض لأن لازم ذلك ان يكون وجوب الموافقة الالتزامية مختص بالأحكام الالزامية المنجزة ولا يشمل الاحكام الترخيصية ولا الاحكام الالزامية غير الواصلة او الاحكام الالزامية الواصلة غير القابلة للتنجيز .
ولكن الامر ليس كذلك، اذ لا معنى لهذا التخصيص فانه لوقلنا بوجوب الموافقة الالتزامية لقلنا بها في جميع الاحكام سواء كانت من الاحكام الالزامية ام كانت من الاحكام الترخيصية وسواء كانت قابلة للتنجز ام لم تكن .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo