< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حجية الدليل العقلي
تحصّل مما ذكرنا انه على القول بان الحسن والقبح امران واقعيان وثابتان في لوح الواقع ويدركهما العقل كما يدرك سائر الامور الواقعية، لا معنى للنزاع الواقع بين الاعلام في الملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشارع فكما ان العقلاء يدركون حسن الاشياء وقبحها فكذلك الشارع وهو امر طبيعي وليس مبنيا على الملازمة، فان الشارع رئيس العقلاء وفي طليعتهم فاذا ادرك العقلاء الحسن والقبح فالشارع من جملتهم فلا معنى للملازمة على هذا القول فلا موضوع لهذا النزاع .
فالنزاع انما هو على القول المشهور من ان الحسن والقبح حكمان عقلائيان مجعولان من قبل العقلاء تبعا لما يدركونه من المصالح والمفاسد العامة النوعية الحافظة لكيانهم الاجتماعية والثقافية والدينية والاخلاقية، فاذا حكم العقلاء بحسن شيء تبعا لما يدركونه من المصلحة فيه فهل يحكم الشارع بوجوبه او لا يحكم ؟ واذا حكم العقلاء بقبح شيء تبعا لما يدركونه من المفسدة فيه فهل يحكم الشارع بحرمته او لا يحكم ؟
الظاهر بل المقطوع به ان هذه الملازمة غير ثابتة، فان هذه المصلحة ان كانت تامة ولا مزاحم لها فهي تكشف عن وجوب ذلك الشيء وهذا الكشف من العقل النظري وليس من العقل العملي، واذا كانت المفسدة في هذا الشيء تامة في الواقع فهي تكشف عن حرمته وهذا الكشف من العقل النظري فعندئذ الملازمة بين العقل النظري وبين حكم الشارع بالوجوب او الحرمة، فاذا ادرك العقل مصلحة تامة في شيء فبطبيعة الحال يكشف عن وجوبه من جهة تطبيق كبرى كلية على هذه الصغرى وهي ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيتين، واذا ادرك العقل مفسدة تامة في شيء يكشف عن حرمته بواسطة تطبيق هذه القاعدة، فهذه الملازمة لا ترتبط بالعقل العملي. وان كانت هذه المصلحة غير تامة فهي لا تكشف عن الوجوب وانما تكون ملاكا للحسن وان كانت المفسدة غير تامة فلا تكشف عن الحرمة وانما تكون ملاكا للقبح فقط .
فالنتيجة انه لا ملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع .
قد يقال كما قيل : ان هذه الملازمة غير ثابتة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع في مرحلة المبادي، فان كانت المصلحة تامة فهي تكشف عن الوجوب والكشف عن الوجوب انما هو من العقل النظري لا العقل العملي وان كانت غير تامة فهي لا تكشف عن الوجوب وان كانت تصلح ان تكون ملاكا للحسن، واما الملازمة بينهما في مرحلة الجعل فلا مانع منها، فان الشارع يجعل الحكم تبعا لما يجعله العقلاء فاذا جعلوا الحسن لشيء لا مانع من ان يجعل الشارع الوجوب له، واذا جعلوا القبح لشيء فلا مانع من ان يجعل الشارع الحرمة له، فالملازمة بينهما في مرحلة الجعل لا في مرحلة المبادي .
ولكن هذا ايضا غير تام .
فان العقلاء انما يجعلون الحسن للعدل والقبح للظلم من جهة مصلحة عامة نوعية حافظة لتقاليدهم وثقافتهم، واما الشارع ففيه جهتان :
الاولى : ان الشارع بما انه رئيس العقلاء فهو لا يتخلف عن حكم العقلاء .
الثانية : ان الشارع بما انه رسول من الله تعالى فهو يتبع الوحي من الله تعالى حرفيا بمقتضى قوله تعالى ﴿ وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى[1].
اما من الجهة الاولى فلا موضوع للملازمة، فان الشارع احد العقلاء وفي طليعتهم فاذا جعل العقلاء الحسن العام فالشارع احدهم فلا ملازمة في البين فإنها انما تتصور بين شيئين لا في شيء واحد، واما من الجهة الثانية فان الشارع تابع لوحي الله تعالى حرفيا سواء أ كان موافقا لحكم العقلاء ام كان مخالفا لحكمهم، ولا شبهة في ان الشارع لا يتبع العقلاء من هذه الجهة بل يستحيل ان يتبع العقلاء وانما يتبع الوحي من الله تعالى وتقدس وهو مأمور بتبليغ الاحكام الشرعية لجميع افراد البشر على طبق ما هو موجود من المصالح والمفاسد الشخصية فان الوحي يأمر الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) بتبيلغ الاحكام الشرعية بعد جعلها، فبطبيعة الحال وجوب الصلاة لكل فرد فيه مصلحة ملزمة وكذلك وجوب الصوم وما شاكل ذلك، وفي شرب الخمر لكل فرد مفسدة ملزمة ومعاقب عند الله تعالى ومستحق الدخول في النار، فالوحي من الله تعالى ليس جزافا وانما هو بملاك وجود مصلحة او مفسدة شخصية في كل حكم ثابت لكل فرد، ومن الواضح انه ليس للعقلاء طريق الى تلك المصالح والمفاسد الشخصية لأن الطريق اليها بحاجة الى علم الغيب وليس بإمكان العقلاء احراز ذلك، فان العقلاء انما يحكمون بحسن العدل وقبح الظلم من جهة مصلحة عامة لحفظ نظامهم الاجتماعي والديني والثقافي ولكن لا طريق لهم الى المصالح والمفاسد الشخصية في الافعال الواجبة والمحرمة حتى يحكموا بالحسن او القبح، فان هذه المصالح والمفاسد انما هي من جهة وحي الله تعالى علمّها لنبيه الاكرم، فلا ملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشرع من جهة ان الشارع تابع لوحي الله تعالى وليس تابعا لحكم العقلاء، فالملازمة بينهما غير معقولة .
الى هنا قد ثبت انه لا ملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع والصغرى وان كانت ثابتة في بعض الموارد كحسن العدل وقبح الظلم الا ان الكبرى وهي الملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع غير ثابتة واما في العقل النظري فالكبرى ثابتة وهي ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيتين ولكن الصغرى غير ثابتة ولا يمكن للعقل احراز الصغرى اذ لا طريق له لملاكات الاحكام الشرعية والى المصالح والمفاسد، فليس للعقل ادراك مصلحة ملزمة في فعل ولو فرض انه يمكنه ادراك هذه المصلحة الملزمة الا انه ليس بإمكانه احراز انه لا مزاحم لها، فالصغرى غير ثابتة والكبرى ثابتة ومن هنا لم يستدل فقيه بالعقل النظري في شيء من المسائل الفقهية من جهة ان لا طريق للعقل الى احراز مصلحة تامة وغير مزاحمة حتى نقول ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد من جهة تطبيق هذه الكبرى على الصغرى لتكون نتيجتها وجوب ذلك الشيء .
وعلى هذا فمراد الاخباري من عدم حجية العقل العملي التشكيك في اصل وجوده، فان حسن الشيء يختلف باختلاف تقاليد الناس من طائفة الى طائفة اخرى ومن بلد الى بلد اخر، فان الفعل حسن عند قبيلة بحسب تقاليدهم واعرافهم وثقافتهم وهو ليس بحسن عند قبيلة اخرى بحسب تقاليدهم واعرافهم وثقافتهم وهكذا الحال بالنسبة الى بلد وبلد اخر .
فإذن حسن الاشياء وقبحها يختلفان باختلاف الازمنة والامكنة وباختلاف تقاليد الناس واعرافهم وثقافتهم، ان اراد الاخباري ذلك .
فيرد عليه انه مبني على الخلط بين الصغرى والكبرى والاختلاف انما هو في الصغرى في حسن فعل عند قبيلة بحسب تقاليدهم وليس بحسن عند قبيلة اخرى أي ان النزاع انما هو في الصغرى، واما الكبرى وهي حسن العدل وقبح الظلم فلا خلاف فيه فان العدل حسن عند كل طائفة وعند كل قبيلة وفي كل زمان وفي كل مكان اذ ان ادراك حسن العدل وقبح الظلم امر فطري ووجداني، فما ذكره الاخباريون من ان الحسن والقبح يختلفان باختلاف الازمنة والامكنة وباختلاف تقاليد الناس واعرافهم وثقافتهم مبني على الخلط بين الكبرى والصغرى .
هذا كله في ثبوت الملازمة بين حكم العقل العملي وبين حكم الشارع .
وقد ثبت انه لا ملازمة بينهما .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo