< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الاصول الشرعية مقام القطع الموضوعي.
اما الاصول المحرزة كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز، فقد ذكر السيد الاستاذ (قده) ان الاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقي المحض ومقام القطع الموضوعي الطريقي، وقد افاد في وجه ذلك :
أن المجعول في باب الاستصحاب هو الطريقية والكاشفية كما هو الحال في الامارة ولهذا بنى (قده) على ان الاستصحاب من الامارات وناظر الى الواقع غاية الامر انه من ادنى مراتب الامارات وتتقدم عليه جميع الامارات، وعلى هذا فهو يقوم مقام القطع الطريقي المحض في اثبات الواقع تنجيزا وتعذيرا ويقوم مقام القطع الموضوعي الطريقي في طريقيته فان دليل حجية الاستصحاب قد اوجد في الاستصحاب صفتين :
احداهما : صفة المنجزية والمعذرية، اذ انه اذا اتصف بالحجية فانه يكون واجدا للمنجزية والمعذرية .
الاخرى : صفة الكاشفية والطريقية .
فمن جهة اتصافه بالصفة الاولى يقوم مقام القطع الطريقي المحض في اثبات الواقع تنجيزا اوتعذيرا بالورود، اذ ان دليل حجية الاستصحاب يوسع دائرة المنجزية واقعا فكما ان القطع منجز للواقع فالاستصحاب كذلك اذا كان مطابقا للواقع، ومن جهة اتصافه بالصفة الثانية وهي الطريقية والكاشفية يقوم مقام القطع الموضوعي الطريقي بالحكومة، فان دليل حجيته يوسع دائرة الطريقية ويجعلها اعم من الطريقية الحقيقية والطريقية التعبدية .
فلا مانع من قيام الاستصحاب بدليل حجيته مقام القطع الطريقي المحض في المنجزية والمعذرية، وقيامه مقام القطع الموضوعي الطريقي بالحكومة، فمن هذه الناحية حال الاستصحاب حال سائر الامارات .
هكذا ذكره السيد الاستاذ(قده) [1].
وللمناقشة فيه مجال .
فانه مضافا الى ما ذكرناه- من ان الامارات بدليل حجيتها لا تقوم الا مقام القطع الطريقي المحض، وان قلنا ان المجعول في باب الامارات هو الطريقية والكاشفية، فان الحكومة بحاجة الى النظر، والنظر لا يمكن الا ان يكون مفاد دليل الحجية التنزيل، ومن يقول ان المجعول في باب الامارات هو الطريقية والكاشفية لا يقول بالتنزيل، والاستصحاب ايضا كذلك – انه لا يمكن ان يكون المجعول في باب الاستصحاب الطريقية والكاشفية ثبوتا واثباتا .
اما ثبوتا، فلو سلمنا ان المجعول في باب الامارات هو الطريقية والكاشفية ولكن لا نسلم ان المجعول في باب الاستصحاب هو الطريقية والكاشفية، لأن جعل الطريقية والكاشفية في باب الامارات انما هو بملاك انها في نفسها طريق ذاتا غاية الامر بالطريقية الناقصة وكاشفة عن الواقع بالكاشفية الناقصة والشارع بجعل الطريقية والكاشفية اراد تتميم هذه الطريقية الناقصة وجعلها تامة حكما لا واقعا، ولكن في باب الاستصحاب لا يمكن ذلك، فان الاستصحاب يتضمن عنصرين :
الاول : اليقين بالحالة السابقة .
الثاني : حدوث الحالة السابقة .
وكلا العنصرين لا يصلح ان يكون ملاكا لطريقية الاستصحاب، اما اليقين فشأنه الكشف عن الواقع وهو لا يقتضي ان يكون متعلقه باقيا بعد زوال اليقين، اذ ان بقاء متعلقه مستند الى بقاء علته واليقين ليس علة له بل هو كاشف عنه، فاليقين لا يصلح ان يكون ملاكا لطريقية الاستصحاب، واما حدوث الحالة السابقة فهو ايضا لا يصلح ان يكون ملاكا للبقاء فان الحدوث عبارة عن الوجود الاول للشيء والبقاء عبارة عن الوجود الثاني فكلا الوجودين بحاجة الى العلة، ولا يمكن ان يكون الوجود الاول علة للوجود الثاني والا لزم استغناء الممكن عن العلة بقاء وهو خلف، لأنه يستلزم ان يكون الممكن بقاء واجب، فان المعلول عين الربط بالعلة لا انه شيء له الربط لهذا يكون المعلول في حدوثه وبقائه بحاجة الى العلة .
ومن هنا يكون البقاء الذي هو الوجود الثاني لا يصلح ان يكون علة، واما الوجود الاول فهو لا يصلح ان يكون علة للوجود الثاني، فحدوث الشيء ايضا لا يصلح ان يكون ملاكا لطريقية الاستصحاب وكاشفيته .
وعليه، فلا يوجد في مورد الاستصحاب ما يقتضي الكاشفية والطريقية لا اليقين بالحلة السابقة ولا حدوث الحالة السابقة، ومن هنا قلنا ان الاستصحاب ليس من الاصل المحرز، بل هو داخل في الاصل غير المحرز كالبراءة ونحوها .
وعلى هذا، فجعل الطريقية والكاشفية للاستصحاب مجرد لقلقة لسان اذ هو بنفسه ليس طريقا ولو بطريقية ناقصة، لأن الجعل التشريعي لا يمكن ان يؤثر في الشيء اذ الجعل التشريعي لا وجود له في الخارج، ولو كان مؤثرا في تكوين الشيء لا بد ان يكون موجودا في الخارج وهو خلف، لأن الجعل التشريعي لا وجود له الا في عالم الاعتبار فقط فيستحيل ان يؤثر في تكوين الشيء في الخارج، فمن اجل ذلك يكون جعل الطريقية والكاشفية للاستصحاب مجرد لقلقة لسان ولغو .
هذا في مقام الثبوت .
واما في مقام الاثبات، فان ادلة الاستصحاب ليس مفادها النظر الى الواقع وليس مفادها نفي الشك عن الحالة السابقة بل مفادها ابقاء الحالة السابقة في ظرف الشك أي في ظرف كون المكلف شاكا، فمفاده الحكم ببقاء الحالة السابقة عملا أي الجري العملي على طبق الحالة السابقة، وليس مفاد الاستصحاب نفي الشك حتى يكون مفاده النظر الى الواقع، ولهذا لا يكون لسان ادلة الاستصحاب لسان الكشف والنظر، فما ذكره السيد الاستاذ لا يمكن المساعدة عليه .
واما قاعدة الفراغ والتجاوز فلا شبهة في انهما من القواعد العقلائية وحجية قاعدة الفراغ مبنية على الطريقية والكاشفية وعلى اصالة عدم الغفلة ولهذا تكون من القواعد العقلائية فقد جرت سيرة العقلاء على العمل بها، والروايات الواردة في قاعدة الفراغ والتجاوز مفادها امضاء ما بنى عليه العقلاء وليس مفادها التأسيس، فالعقلاء انما بنوا على حجية القاعدتين من جهة انهما كاشفان عن الواقع وطريق له، والنكتة في ذلك واضحة فان الانسان اذا شك بعد الفراغ من الصلاة ان صلاته صحيحة او ليس بصحيحة، ومنشأ هذا الشك هو انه ترك جزء في اثناء الصلاة او ترك شرطا او اخل بجزء او شرط او اوجد مانعا، واما احتمال انه ترك جزءا او شرطا عمدا فهو غير محتمل لأنه في مقام الامتثال واحتمال انه ترك جزءا او شرطا عامدا ملتفتا فهو غير محتمل واحتمال انه تركه غفلة فهو خلاف الاصل العقلائي، فان كل فعل صدر من الانسان احتمال انه صدر منه غفلة مدفوع بأصالة عدم الغفلة وهو من الاصول العقلائية، بل يحمل ما صدر منه على انه صدر منه باختياره لا غفلة، فمن اجل ذلك تكون قاعدتي الفراغ والتجاوز من القواعد العقلائية وحجيتهما ثابتة ببناء العقلاء، وليس الروايات الواردة في بابهما الا ممضية لما عليه العقلاء من شأنهما .
هذا تمام كلامنا في قيام الامارات والاصول مقام القطع .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo