< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع الموضوعي الصفتي
تحصّل ممل ذكرنا، انه لو كان دليل حجية الامارات دليلا لفظيا وكان مدلوله التنزيل فهو لا يدل الا على حجية الامارات التي يترتب الاثر الشرعي على مؤدياتها في الواقع، واما اذا لم يترتب اثر شرعي على مؤدى الامارة فهي غير مشمولة لدليل الحجية كما اذا اخبر ان ماء دجلة احلى من ماء الفرات فهو وان كان من الثقة الا انه لا يكون مشمولا لدليل الحجية، اذ ان مفاد دليل الحجية التنزيل والتنزيل ناظر الى المنزل عليه ويدل على اسراء حكمه الى المنزل فاذا لم يكن المنزل موضوعا للحكم فلا موضوع للتنزيل ولا يمكن التنزيل لأنه ينتفي بانتفاء احد اركانه ومن هنا يظهر ان الامارات القائمة على الاحكام المختصة بالنساء كأحكام الحيض والنفاس والاستحاضة والطلاق والعدة وما شكل ذلك هذه الامارات مختصة بالنساء ولا تعم الرجال .
فأخبار الثقة والامارات القائمة على ثبوت هذه الاحكام سواء كان مؤدياتها نفس تلك الاحكام او موضوعها لا تكون مشمولة لدليل الحجية بالنسبة الى المجتهد، اذ لا يترتب على مؤديات تلك الامارات اثر شرعي بالنسبة الى المجتهد فلا يجوز له الافتاء بتلك الاحكام اذ الفتوى انما تكون بالعلم بالأحكام الشرعية اما وجدانا او تعبدا ولا علم للمجتهد بتلك الاحكام لا وجدانا كما هو ظاهر ولا تعبدا .
ولكن ذلك مجرد افتراض، لأن الدليل على حجية الامارات ليس دليلا لفظيا وعلى تقدير كونه دليلا لفظيا فليس مدلوله التنزيل كما تقدم بل مدلوله جعل الطريقية والكاشفية كما تبنت عليه مدرسة المحقق النائيني (قده)، وعلى هذا فلا فرق بين الامارات التي تترتب على مؤدياتها احكام شرعية والامارات التي لا تترتب عليها احكام شرعية، فالأمارة اذا كانت من الثقة فهي حجة مطلقا، فاذا اخبر الثقة ان ماء دجلة احلى من ماء الفرات فخبره حجة، ومعنى ان حجيته انه يثبت مدلوله ويترتب على ثبوت مدلوله جواز الاخبار به، فيجوز لشخص اخر ان يخبر بمدلول هذا الخبر، وكذلك الحال في اخبار الثقة القائمة على احكام الحيض والنفاس والاستحاضة فإنها تثبت تلك الاحكام وان لم يترتب عليها اثر شرعي بالنسبة الى المجتهد الا انها ثبتت عند المجتهد بالعلم التعبدي فاذ ثبتت عنده جاز له الافتاء بها فلا يعتبر في حجية خبر الثقة ان يكون مؤداه حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي، فالثقة اذا اخبر عن أي شيء فخبره حجة ويثبت ذلك الشيء ويترتب على ذلك جواز الاخبار بهذا الشيء لكل من سمع ذلك، ومن هنا يظهر ان عمدة الدليل على حجية اخبار الثقة سيرة العقلاء الممضاة شرعا وبإمضاء الشارع لهذه السيرة ينتزع العقل الحجية لأخبار الثقة وحجيتها انما هي بملاك انها طريق الى الواقع ذاتا بطريقية ناقصة تنجيزا او تعذيرا، ومع اثباته الواقع يجوز الاخبار والافتاء به .
فلا فرق في حجية اخبار الثقة وظواهر الالفاظ بين الاحكام المشتركة بين الرجال والنساء وبين الاحكام المختصة بالنساء من هذه الناحية .
هذا تمام كلامنا في قيام الامارات مقام القطع، وقد تبين ان الامارات بدليل حجيتها انما تقوم مقام الطع الطريقي المحض ولا تقوم مقام القطع الموضوعي لا الطريقي ولا الصفتي .
واما الكلام في قيام الاصول العملية الشرعية مقام القطع فيقع في مقامين :
الاول : في الاصول غير المحرزة، كأصالة البراءة واصالة الاحتياط .
الثاني : الاصول العملية المحرزة كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز وما شاكلها .
اما الكلام في الاول، فقد ذكر السيد الاستاذ(قده) ان قيام شيء مقام شيء اخر بحاجة الى ثلاثة عناصر[1] :
الاول : المقيم .
الثاني : المقام .
الثالث : الاثر الشرعي المترتب على المقام .
اما اصالة البراءة واصالة الاحتياط فلا تكون واجدة لهذه العناصر الثلاثة، فالبراءة عبارة عن حكم الشارع بالتعذير والاحتياط عبارة عن حكمه بالتنجيز، فليس هنا مقيم كي يقوم مقام القطع في التنجيز والتعذير، فان اصالة البراءة عبارة عن التعذير لا انه عبارة عن شيء يترتب عليه التعذير حتى يقوم ذلك الشيء مقام القطع في هذا الاثر، واصالة الاحتياط عبارة عن التنجيز لا انه عبارة عن شيء يترتب عليه التنجيز حتى يقوم ذلك الشي مقام القطع في هذا الاثر، وعليه فلا تقوم اصالة البراءة واصالة الاحتياط مقام القطع، لعدم توفر عناصر القيام .
ولكن لا يمكن المساعدة على ما افاده (قده) .
اذ لا شبهة في ان اصالة البراءة ليست عبارة عن التعذير لأنها عبارة عن رفع الحكم الواقعي ظاهرا كما هو مدلول قوله (ع) ((رفع ما لا يعلمون))[2] [3] فان المراد من الموصول هو الحكم الواقعي أي ان الحكم الواقعي عند عدم العلم به مرفوع ظاهرا، فرفع الحكم الواقعي عند عدم العلم به ظاهرا هو اصالة البراءة ويترتب على هذا الرفع التعذير او ان مفاد اصالة البراءة التر خيص كما هو مقتضى بعض الروايات كقوله (ع) ((كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي ))[4] فان مفاده الاطلاق والترخيص، وعلى كلا التقدرين يترتب عليه التعذير، فالتعذير اثر اصالة البراءة لا انه نفس اصالة البراءة بل لا يمكن ان تكون اصالة البراءة والاحتياط نفس التعذير والتنجيز فان التعذير والتنجيز انما هما اثران عقليان والحاكم بهما العقل لا الشرع فكيف يمكن تفسير اصالة البراءة بالتعذير والحال انها من الاصول الشرعية المجعولة من الشرع وكذلك اصالة الاحتياط لا يمكن تفسيرها بالتنجيز لأنها عبارة عن جعل الوجوب الطريقي للحفاظ على الواقع بما له من المصالح والملاكات ويترتب عليه تنجيز الواقع فتنجيز الواقع اثر مترتب على اصالة الاحتياط .
فإذن لا مانع من قيام اصالة البراءة والاحتياط مقام القطع الطريقي المحض .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo