< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

36/01/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيام الامارات مقام القطع
الاحكام الظاهرية تختلف عن الاحكام الواقعية في نقطتين :
الاولى : أن الاحكام الظاهرية احكام طريقية محضة كالأمارات المعتبرة والاصول العملية الشرعية المعتبرة فإنها احكام ظاهرية وطريقية محضة وشأنها الحفاظ على الاحكام الواقعية التي لها ملاكات ومبادئ في الواقع، فإن اهتمام الشارع بالحفاظ على الاحكام الواقعية دعاه الى جعل الاحكام الظاهرية حتى في موارد الجهل وموارد الشك، ولهذا تكون الاحكام الظاهرية في طول الاحكام الواقعية لا في عرضها .
الثانية : ان الاحكام الظاهرية لم تنشأ عن الملاكات والمبادئ الواقعية المستقلة والا لكانت احكاما واقعية ايضا، اذ هي ناشئة من اهتمام المولى بالحفاظ على الاحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ الواقعية وحيث ان حقيقة الحكم وروحه ملاكه فلا تكون مخالفة الاحكام الظاهرية موجبة للعقوبة ولا تكون موافقتها موجبة للمثوبة، اذ إن موافقة الاحكام الظاهرية انما هي بموافقة الاحكام الواقعية واما موافقة الاحكام الظاهرية بما هي احكام ظاهرية فلا اثر لها بقطع النظر عن موافقة الاحكام الواقعية وكذلك مخالفة الاحكام الظاهرية بما هي احكام ظاهرية بقطع النظر عن مخالفة الاحكام الواقعية لا اثر لها ولا يترتب عليها استحقاق العقوبة، فإذا قام خبر الثقة على وجوب السورة في الصلاة فإن كان مطابقا للواقع وكانت السورة واجبة في الصلاة في الواقع فمخالفة هذه الامارة انما هي بمخالفة الواقع واما مع قطع النظر عن مخالفة الواقع فلا اثر لمخالفتها كما ان موافقتها انما هو بموافقة الواقع واستحقاق المثوبة انما هو على الواقع لا على موافقة الامارة، ومن هنا اذا كانت هذه الامارة مخالفة للواقع ولم تكن السورة واجبة في الواقع فلا اثر لمخالفة الامارة لأن مخالفتها ليست مخالفة للواقع كما انه لا اثر لموافقتها لأن موافقتها ليست موافقة للواقع، لأن السورة في الواقع لم تكن واجبة
وكذلك اذا فرضنا ان الامارة قامت على وجوب صلاة الجمعة في يومها وفرضنا ان صلاة الجمعة لم تكن واجبة في يومها والواجب هو صلاة الظهر فلا اثر لمخالفة هذه الامارة بما هي حكم ظاهري ولا يترتب على مخالفتها استحقاق العقوبة ولا على موافقتها استحقاق المثوبة، نعم تترتب العقوبة على التجري لا على مخالفة الامارة، اذ ان المكلف اذا ترك صلاة الجمعة رغم ان الامارة المعتبرة قائمة على وجوبها عالما ملتفتا الى وجوبها عليه فقد تجرى على المولى وتعدى عليه وهتك حرمته وفوت حقه وهو حق الطاعة وذكرنا في باب التجري انه من اظهر افراد الظلم، فإن معنى الظلم هو سلب ذي الحق عن حقه، فمن اجل ذلك يستحق العقوبة لا من اجل مخالفة الامارة بما هي حكم ظاهري، وقلنا في باب التجري ان ملاك استحقاق العقوبة في العاصي ايضا هو التعدي على المولى وانتهاك حرمته وتفويت حقه، واما ان الامارة مطابقة للواقع او لم تكن مطابقة للواقع فهذا ليس منشأ استحقاق العقوبة وانما ملاكه هو التجري على المولى والتعدي عليه بلا فرق بين ان تكون الامارة مطابقة للواقع او لم تكن، اذ ان مطابقة الواقع وعدمها امر خارج عن اختيار المكلف .
فإذن العقوبة في موارد العصيان والتجري انما هي على هتك حرمة المولى ولا فرق بين العاصي والمتجري من هذه الناحية .
ولكن هذا الوجه ايضا غير صحيح، فإن العلم باهتمام المولى بالحفاظ على الاحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ علم تعبدي اذ ان هذا العلم مدلول الامارات ومدلول الاصول العملية الشرعية التنزيلية فلا يكون رافعا لموضوع القاعدة فان موضوع القاعدة عدم البيان الوجداني.
فمن اجل ذلك هذا الوجه ايضا غير تام.
الوجه الخامس : ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني ومنهم السيد الاستاذ (قده)[1]، من ان المراد من البيان الذي يكون عدمه موضوعا للقاعدة هو الحجة لا البيان الوجداني، فإن العقل يحكم بقبح العقاب على شيء بدون حجة وهذا هو المرتكز لدى العقلاء، فإن العقلاء لا يحكمون بالعقاب بدون حجة ويرون ان العقاب على شيء من دون قيام حجة عليه قبيح بحكم العقل، فموضوع القاعدة عدم الحجة لا عدم البيان الوجداني .
وعلى هذا فحيث ان هذه الامارات حجة قطعا فحجيتها قطعية فتكون واردة على القاعدة ورافعة لموضوع القاعدة وجدانا اذ ان موضوع هذه القاعدة عدم الحجة وهذه الامارات حجة قطعا، فترتفع القاعدة في الشبهات الحكمية بارتفاع موضوعها .
وهذا الوجه هو الصحيح، اذ لا شبهة في ان موضوع القاعدة عدم الحجة لا عدم البيان الوجداني فإنه لا وجه لتخصيص البيان بالبيان الوجداني فالمراد من البيان هو الحجة اذ ان المرتكز في الاذهان والثابت في اعماق النفوس قبح العقاب على شيء بدون حجة، ومن هنا يظهر حال الاصول العملية الشرعية ايضا كاستصحاب الاحكام الالزامية، فإن محل الكلام في الامارات التي تكون متكفلة للأحكام الالزامية، فإنه لا شبهة في حجية هذه الاصول العملية فاذا كانت حجة جزما فهي واردة على القاعدة ورافعة لموضوع القاعدة وترتفع القاعدة بارتفاع موضوعها وتنتفي بانتفاء موضوعها .
والنتيجة ان هذا الوجه هو الوجه الصحيح .
وعليه فلا شبهة في تقديم الامارات والاصول العملية الشرعية على قاعدة قبح العقاب بلا بيان من باب الورود .
هذا تمام كلامنا في قيام الامارات والاصول العملية الشرعية مقام القطع الطريقي المحض
واما الكلام في المقام الثاني وهو قيام الامارات مقام القطع الطريقي المأخوذ في موضوع الحكم، كما اذا قال المولى اذا قطعت بوجوب الصلاة وجب عليك التصدق بدينار فإن القطع الطريقي الى وجوب الصلاة قد اخذ في موضوع الحكم فهل تقوم الامارات الشرعية مقام القطع او لا تقوم وكذلك الاصول العملية الشرعية

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo