< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/11/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أقسام القطع
ذكرنا ان ما ذهب اليه السيد الاستاذ (قده) من الاندكاك بين الحكمين المتماثلين لا يمكن المساعدة عليه وذكر مضافا الى ذلك ان الامر الثاني في المقام لغو فاذا قال المولى اذا قطعت بوجوب الصلاة وجبت عليك الصلاة فجعل الوجوب الثاني للصلاة المقطوع وجوبها يكون لغوا، لأن عنوان القطع ليس عنوانا ذا مصلحة بل هو طريق الى الصلاة فيكون الوجوب الثاني بلا ملاك اذا كان الغرض منه ايجاد الداعي في نفس المكلف والمفروض ان الداعي موجود في نفس المكلف بواسطة الوجوب الاول فيكون جعل الوجوب الثاني لغوا فلا يمكن صدوره من المولى الحكيم .
هكذا ذكره (قده) .
وللمناقشة فيه مجال ..
فإن عنوان القطع وان لم يكن من العناوين ذا ملاك اذ هو ليس كعنوان الصلاة المنظور او الصلاة في الجماعة او الصلاة في المسجد وما شاكل ذلك حتى يكون منشأ للوجوب بل هو طريق الى متعلقه الا ان الامر الثاني لا يكون لغوا لأن جعل الوجوب الثاني كاشف عن اهتمام المولى بالملاك الاول وهو المصلحة الملزمة القائمة بالصلاة فإن جعل الوجوب الثاني للصلاة المقطوع وجوبها كاشف عن عدم رضا المولى بتفويت هذا الملاك فيكون الوجوب الثاني مؤكدا لداعوية الوجوب الاول وهذا المقدار يكفي في عدم كونه لغوا، فإن الوجوب الثاني ناشئ من اهمية الملاك الاول وهذه الاهمية صارت سبب للوجوب الثاني .
فإذن يكون الوجوب الثاني مؤكدا لداعوية الوجوب الاول، ومن هنا قلنا ان الامر بالإطاعة يمكن ان يكون امرا مولويا كاشفا عن اهتمامه بالملاك الواقعي وعدم رضائه بتفويته، فيكون وجوب الطاعة كاشفا عن اهتمام المولى بالملاك الاول ويكون الوجوب الثاني حينئذ مؤكدا لداعوية الوجوب الاول وهذا المقدار يكفي في عدم كونه لغوا وحينئذ لا مانع من كون الامر بالإطاعة امرا مولويا .
بقي هنا امران :
الاول : وهو مربوط بالبحث السابق فلقد ذكرنا سابقا ان ما ذكره شيخنا الانصاري (قده) من تقسيم القطع الى الطريقية والصفتية لا يمكن المساعدة عليه فإن ليس للقطع صفتان حيثيتان ذاتيتان مقومتان متباينتان احداهما حيثية الصفتية والاخرى حيثية الطريقية بل القطع امر بسيط وهو عين الكشف والحضور في النفس فإن حقيقة العلم هو صورة الشيء في النفس، وهذه الصورة مرآة للواقع ومرآتيتها ذاتية فإنه اذا دخلت صورة الشيء في النفس فلا محالة تكون مرآة للواقع .
وعلى هذا، فقد يعبر عن هذه الصورة بالطريقية للمرأتية أي مرآتية نفس هذه الصورة وطريقية نفس هذه الصورة، وقد يعبر عنها بانها صفة للنفس باعتبار انها قائمة بالنفس وكلا الاطلاقين اعتباري وليس من مقومات هذه الصورة، وعلى هذا فاذا اخذ القطع في موضوع الحكم فلا محالة يكون المأخوذ هذه الصورة، فيصح ان تكون الصورة تمام الموضوع، وما ذكرته مدرسة المحقق النائيني (قده) من انه لا يمكن اخذ القطع في موضوع الحكم على نحو الطريقية الى الواقع بنحو يكون تمام الموضوع، لأن الطريقية متقومة ذاتا بوجود ذي الطريق، فاذا لم يوجد ذي الطريق فلا طريق في البين .
فمن أجل ذلك القطع اذا كان مأخوذا على نحو الطريقية الى الواقع فلا بد ان يكون جزء الموضوع وجزؤه الاخر هو الواقع، فيكون الموضوع مركبا .
وهذا بالتحليل غير معقول، لأن طريقية القطع الى الواقع غير معقولة، فإن القطع امر ذهني فكيف يمكن ان يكون طريق الى الواقع في الخارج، فما هو المعروف في الالسنة إضافة القطع الى المقطوع بالذات في عالم النفس، وإضافة القطع الى المقطوع بالعرض وهو الواقع الخارجي، فكيف يمكن إضافة العلم الى المقطوع بالعرض وهو الامر الخارجي، فإن القطع من الامور النفسانية ويستحيل وجوده في الخارج .
فتقسيم القطع الى انه مأخوذ على نحو الصفتية تارة ومأخوذ على نحو الطريقية الى الواقع تارة اخرى لا يرجع الى معنى معقول، فإن القطع لا يمكن ان يكون طريقا الى الواقع في الخارج حتى يقال ان اخذه تمام الموضوع لا يمكن بل لا بد ان يكون جزء الموضوع، فإن حقيقة القطع هي الصورة في الذهن ومرآتية هذه الصورة وطريقية هذه الصورة ذاتية ولا مانع من اخذ هذه الصورة تمام الموضوع للحكم فإن هذه الصورة لا تتوقف على وجود الواقع في الخارج أي سواء أ كان الواقع موجودا ام لم يكن موجودا فهذه الصورة موجودة في النفس .
الثاني : قد يقال كما قيل ان البحث في المقام يرجع الى البحث المتقدم وهو بحث التجري، وان الخطاب الاولي هل يشمل المتجري او لا يشمله ؟ فليس هذا البحث بحثا مستقلا[1].
ولكن هذا القيل غير صحيح، اذ هذا البحث يختلف عن البحث المتقدم في عدة نقاط :
الاولى : ان الخطاب في المقام متعدد وتعدده بالإطلاق والتقيد وان كان في الواقع واحدا فإن الخطاب الاولي مطلق وهو تعلق الوجوب بطبيعي الصلاة المطلق والخطاب الثاني مقيد تعلق بالصلاة المقطوع وجوبها وان كان كلا الوجوبين يرجع الى تعلقهما بذات الصلاة لان القطع ليس عنوانا ذا ملاك ففي الحقيقة الوجوب الثاني تعلق بذات الصلاة كالوجوب الاول، ولكن في مقام الاثبات مختلف اذ احد الخطابين مطلق والخطاب الثاني مقيد، وكذا اذا قال المولى تحرم شرب الخمر فإن الحرمة تعلقت بطبيعي شرب الخمر بنحو الاطلاق والخطاب الثاني تعلق بالمقيد وهو الخمر المقطوع حرمتها لا بالخمر مطلقا، واما في السابق فخطاب المتجري غير خطاب العاصي فإن خطاب العاصي هو الخطاب الاولي المطابق للواقع وخطاب المتجر هو الخطاب الثانوي غير المطابق للواقع، فهنا خطابان مختلفان ولأجل هذا يختلف البحث في المقام عن البحث في المقام السابق .
الثانية : أن القطع بالوجوب في هذه المسألة مأخوذ في موضوع الحكم المماثل للحكم الاول فاذا قال المولى اذا قطعت بوجوب الصلاة وجبت عليك الصلاة، فالمولى اخذ القطع بوجوب الصلاة في موضوع الوجوب الثاني، فيكون القطع بوجوب الصلاة جزء الموضوع وجزؤه الاخر هو الوجوب، واما في البحث السابق فالقطع بالوجوب او القطع بالحرمة تمام الموضوع فان التجري مبني على مخالفة القطع للواقع، فالقطع يكون تمام الموضوع لاستحقاق العقوبة، فيختلف هذا البحث عن البحث السابق من هذه الناحية ايضا .
الثالثة : قلنا ان الخطاب هنا متعدد بالإطلاق والتقيد، فالخطاب الاول مطلق والثاني مقيد وان كان في الواقع يرجع الى الخطاب الاول، لكنهما متعدد أطلاقا وتقيدا من هذه الناحية واما في البحث السابق الكلام في ان الخطاب الاولي الذي هو خطاب واحد هل يشمل العاصي والمتجري معا او لا يشمل الا العاصي فقط ؟
الى هنا قد تبين انه لا صلة لهذا البحث بالبحث السابق وليس هو من فروعه .
والحاصل من جميع ما تقدم انه لا مانع من اخذ القطع بالحكم في موضوع حكم مخالف له لا ثبوتا ولا اثباتا، واما اخذ القطع بالحكم في موضوع حكم مضاد له لا يمكن لا ثبوتا ولا اثباتا، فإنه لا يمكن لا في مرحلة المبادي لأن الوجوب تابع للمصلحة والحرمة تابعة للمفسدة ولا يمكن اجتماع لمصلحة الملزمة مع المفسدة الملزمة في شيء واحد بحيث تكون النسبة بينهما عموما من وجه، واما اخذ القطع بحكم في موضوع حكم مماثل فلا مانع منه لا ثبوتا ولا اثباتا لا في مرحلة المبادي ولا في مرحلة الفعلية ولا في مرحلة الجعل، اما في مرحلة المبادي فإن اجتماع المصلحتين في شيء واحد يلزم منه اندكاك احدهما في الاخرى وتصبحان مصلحة واحدة أقوى وأكد من كل واحدة منهما اذ الوجوب الاول تابع لمصلحة والوجوب الثاني تابع لمصلحة اخرى فاذا اجتمع الوجوبان في شيء واحد يكشف عن اجتماع المصلحتين في ذلك الشيء ولا بد من الالتزام بالاندكاك حينئذ لان المصلحة امر تكويني، واما في مرحلة الفعلية فقد ذكرنا ان الحكم لا يمكن ان يكون فعليا وموجودا في الخارج والا كان امرا خارجيا والمفروض انه امر اعتباري لا وجود له الا في عالم الاعتبار والذهن، والموجود في مرحلة الفعلية فعلية فاعلية الوجوب والفاعلية امر تكويني، فاذا كانت فاعلية كل من الوجوبين فعلية فبطبيعة الحال تندك احداهما في الاخرى فتصبحان فعلية واحدة أقوى وأكد من كل واحدة منهما، واما في مرحلة الاعتبار والجعل فقد ذكرنا انه لا يمكن الاندكاك فان الجعل امر اعتباري ولا يعقل التسبيب والتوليد والعلية والتأثير والتأثر والفعل والانفعال في الامور الاعتبارية لأنها ليست موجودة في الخارج، هذا مضافا الى ان الجعل فعل اختياري للمولى مباشرة ولا يمكن اندكاك جعل مع جعل اخر فيصبحان جعل واحد أقوى وأكد من كل واحد منهما قهرا وبدون علة والا لزم وجود المعلول بدون علة، فالاندكاك في مرحلة الجعل والاعتبار غير معقول، واما في مرحلة المبادي فلا مانع من الالتزام بالاندكاك بين المصلحتين وكذا في مرحلة الفعلية .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo