< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/11/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أقسام القطع
ذكرنا ان تأكد احد الحكمين بالحكم الاخر في مقام الجعل غير متصور اذ لا يعقل اتحاد جعل مع جعل اخر وصيرورتهما جعلا واحد أقوى وأكد من كل منهما، فان الجعل فعل اختياري للمولى مباشرة فلا يعقل فيه التسبيب والعلية والتوليد الا ان يكون المراد من تأكد احد الحكمين مع الحكم الاخر في مورد الجعل والالتزام في مقام الثبوت بثلاثة جعول، جعل في مورد الافتراق لاحد الدليلين وجعل في مورد الافتراق للدليل الثاني وجعل ثالث للمجمع بين الدليلين، مثلا اذا فرضنا ان المولى قال أكرم العالم وأكرم الهاشمي فيكون اوجب اكرام شخصا متصفا بالعلم وأوجب اكرام شخصا متصفا بالهاشمية وأوجب اكرام شخصا يكون واجدا لكلتا الصفتين معا ويكون هذا الوجوب أقوى من كل منهما، وهذا ممكن في مقام الثبوت بتقييد اطلاق كل من الدليلين في مورد افتراقه في هذا المثال وأمثاله، واما في المقام فهذا التقييد غير ممكن فان في المقام دليلين، أحدهما ما دل على حرمة شرب الخمر والاخر يدل على حرمة شرب الخمر المقطوع حرمتها، والدليل الاول مطلق من حيث كون المكلف قاطعا بحرمة الخمر او لا يكون قاطعا كما لو كان جاهلا، والدليل الثاني مطلق من حيث كون القطع بالحرمة مطابقا للواقع او لا يكون مطابقا للواقع، فلا يمكن تقييد اطلاق كل منهما بمورد الافتراق، بأن يقيد اطلاق الدليل الاول بعدم كون المكلف قاطعا بحرمة شرب الخمر فأن مورد الاجتماع بينهما القطع بالحرمة المطابق للواقع، ومورد افتراق الاول عدم القطع بحرمة شرب الخمر ومورد افتراق الثاني عدم مطابقة القطع للواقع ولا يمكن تقييد اطلاق كل منهما بمورد الافتراق بان يقيد اطلاق الدليل الاول بان لا يكون المكلف قاطعا بحرمة شرب الخمر لأنه يعني ان الحرمة مجعولة لحصة خاصة من الخمر وهي الحصة المقيدة بعدم كون المكلف قاطعا بحرمتها، ويقيد اطلاق الدليل الثاني بعدم مطابقة القطع بالحرمة للواقع وهذا يعني جعل الحرمة لحصة خاصة من الخمر المقطوع حرمتها بالقطع غير المطابق للواقع، وكلا التقيدين مستحيل وغير ممكن .
أما التقييد الاول، فإنه لا يمكن أخذ الحكم في موضوع نفسه وهو مستحيل، فان جعل الحكم لحصة خاصة من الخمر وهي الحصة التي لا يكون المكلف قاطعا بحرمتها فتكون الحرمة مأخوذة في موضوع نفسها وهو مستحيل لاستلزامه الدور او تقدم الشيء على نفسه او تأخر الشيء عن نفسه وسيأتي توضيح ذلك بصورة اكثر .
واما التقييد الثاني، فلأن لازم ذلك ان الموضوع مقيد بعدم كون القطع مطابقا للواقع وهذا الموضوع لا يمكن وصوله الى المكلف القاطع، فأن القاطع لا يحتمل ان قطعه غير مطابق للواقع بل هو يرى الواقع بنظره بل اذا احتمل ان قطعه غير مطابق للواقع انتفى قطعه فضلا عن احراز ان قطعه غير مطابق للواقع والمفروض ان المأخوذ في الموضوع هو عدم مطابقة قطعه للواقع ولا يمكن وصول هذا القيد الى المكلف .
فإذن جعل الحكم لموضوع يستحيل وصوله يعني استحالة وصول الحكم ايضا وجعل حكم كذلك لغو، فإن هذا الحكم غير قابل للوصول الى المكلف والتنجز لأن وصول الحكم يتوقف على وصول موضوعه فاذا لم يتمكن المكلف من احراز موضوعه ولا يمكن وصول موضوعه اليه فالحكم ايضا غير واصل اليه وغير منجز .
وعليه فكلا التقيدين مستحيل في المقام، فلا يمكن تأكد احد الحكمين بالحكم الاخر بهذا المعنى في المقام أي بان يقيد اطلاق كل من الدليلين بمورد الافتراق ويجعل حكما ثالثا مؤكدا في مورد الاجتماع هذا ايضا غير معقول في المقام وان كان ممكنا في غير المقام .
والى هنا قد تبين ان ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من اندكاك احد الحكمين المتماثلين في الحكم الاخر لا يمكن اتمامه ولا يمكن المساعدة عليه، فإنه لا يمكن :
اما في مرحلة الفعلية فالحكم لا يكون فعليا ولا يوجد في هذه المرحلة حتى يندك احدهما في الاخر بل الموجود في هذه المرحلة فعلية فاعليته، وفاعلية الحكم امر تكويني ولا مانع من الالتزام من تأكد فعلية احدهما بفعلية الاخر، فتصبحان فعلية واحدة أقوى وأكد من فعلية كل واحد منهما الا ان يكون غرض السيد الاستاذ (قده) من تأكد احد الحكمين بالأخر في مرحلة الفعلية تأكد فاعلية كل منهما بفاعلية الاخر ولكن كلماته خالية عن ذلك .
واما في مرحلة الجعل فالاندكاك غير متصور.
هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى قد ذكر (قده) في صدر كلامه ان النسبة بين ما دل على حرمة شرب الخمر وما دل على حرمة شرب الخمر المقطوع حرمتها عموم مطلقا ثم عدل عن ذلك وذكر ان النسبة بينهما عموم من وجه، فان مادة الافتراق في الاول عدم قطع المكلف بحرمة شرب الخمر ومورد الافتراق في الثاني عدم مطابقة القطع بالحرمة للواقع ومورد الالتقاء والاجتماع مطابقة القطع بالحرمة للواقع، فتكون النسبة بينهما عموم من وجه هكذا ذكره (قده)[1].
وللمناقشة فيه مجال .
فإنه لا ينسجم مع مسلكه (قده) أي مسلك مدرسة المحقق النائيني (قده) حيث انهم ذكروا ان القطع اذا كان طريقيا ومأخوذا في الموضوع لا يمكن ان يكون تمام الموضوع فان القطع الطريقي طريق الى المقطوع بالعرض -كما صرح بذلك - لا إضافة القطع الى المقطوع بالذات فإنه قطع صفتي واما القطع الطريقي فهو اضافته الى المقطوع بالعرض، وذكر ان هذا القطع لا يمكن ان يكون تمام الموضوع بل لا بد ان يكون جزء الموضوع وجزؤه الاخر الواقع، وقد علل ذلك بأن طريقيته متقومة وجودا وذاتا بوجود ذي الطريق ومع انتفاء وجود ذي الطريق لا وجد للطريق، واذا لم يكن الواقع موجودا فلا طريق للقطع، فالطريقية ايضا تنتفي بانتفاء الواقع أي ذي الطريق، فمن اجل ذلك لا يمكن ان تكون طريقيته تمام الموضوع بل لا بد ان تكون جزء الموضوع وجزؤه الاخر الواقع .
وعلى هذا لا يعقل ان تكون النسبة بينهما عموم من وجه، بل لا بد ان تكون النسبة بينهما عموم مطلق، فإن الدليل الثاني اخص من الدليل الاول من حيث القطع بحرمة الخمر المطابق للواقع، واما الدليل الاول فهو اعم من حيث كون المكلف قاطعا بحرمة شرب الخمر ام لم يكن قاطعا .
فإذن النسبة بينهما عموم مطلق لا عموم من وجه لأن العموم من وجه مبني على ان القطع الطريقي هو تمام الموضوع .
فما ذكره السيد الاستاذ (قده) لا يمكن اتمامه بل هو مناقض لما ذكره سابقا من ان القطع الطريقي طريقيته بالنسبة الى المقطوع بالعرض لا يمكن ان تكون تمام الموضوع بل لا بد ان يكون جزء الموضوع .
ومن ناحية ثالثة انه (قده) قد ذكر ان جعل الحكم الثاني يكون لغوا، فلو فرضنا ان المولى قال (( اذا قطعت بوجوب الصلاة تجب عليك الصلاة )) فجعل الوجوب الثاني يكون لغوا، فان الوجوب الاول ناشئ من وجود مصلحة ملزمة في الصلاة وهو المحرك للمكلف نحو الاتيان بالصلاة واما الوجوب الثاني فقد تعلق بعنوان القطع بالصلاة والقطع ليس عنوانا ذي مصلحة للصلاة حتى تكون تلك المصلحة ملاك للحكم الثاني بل القطع طريق الى الصلاة، نعم اذا كان هناك عنوان ثانوي كما اذا نذر المكلف اتيان الصلاة في المسجد او نذر الاتيان بها جماعة او في الحرم الشريف فعندئذ لا مانع من جعل وجوب اخر بعنوان ثانوي ذي مصلحة لأنه يؤكد الوجوب الاول اذ الوجوب الاول ناشئ من وجود المصلحة في الصلاة بعنوانها الاولي والوجوب الثاني ناشئ من المصلحة القائمة بالصلاة بعنوانها الثانوي وهو الصلاة المنذورة وحينئذ يصبحان حكما واحدا أقوى وأكد من كل منهما، واما القطع فهو ليس عنوانا للصلاة بل هو طريق اليها، فمن اجل ذلك يكون الوجوب لثاني لغوا ولا يترتب عليه اثر .
هكذا ذكره (قده) .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo