< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/11/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
ذكرنا ان ما ذكره صاحب الفصول (قده) من انه لا تزاحم بين قبح التجري ومصلحة الواقع لا يمكن المساعدة عليه وكذلك ما ذكره من تداخل العقوبتين اذا كان التجري مصادفا مع الحرام الواقعي، ذكرنا اولا ان تصوير ذلك مشكل وثانيا انه لا تداخل بينهما .
وقد اجاب عن ذلك المحقق العراقي (قده) أي عن التزاحم بتقريب[1]:
ان قبح التجري حيث انه متأخر عن القطع والقطع متأخر عن الحكم الواقعي فيكون قبح التجري متأخر عن الحكم الواقعي فلا يتصور التزاحم بينهما، فإن المتزاحمين لابد ان يكونا في مرتبة واحدة ولا يمكن التزاحم بين المتقدم والمتأخر رتبة، وبما ان قبح التجري متأخر عن الحكم الواقعي فلا يعقل التزاحم بينهما فان قبح التجري في مرتبة العصيان والعصيان متأخر عن الواقع، هكذا ذكره (قده) .
وللمناقشة فيه مجال واسع .
اما اولا : فلأن القطع وان كان متأخرا عن الحكم الواقعي كما ان قبح التجري متأخر عن القطع من جهة تأخر الحكم عن الموضوع او من جهة تأخر المعلول عن العلة وكذلك القطع متأخر عن الحكم الواقعي تأخر القطع عن متعلقه رتبة الا انه لا يستلزم تأخر قبح التجري عن الحكم الواقعي لما ذكرناه غير مرة من ان تقدم شيء على شيء اخر رتبة بعد تقارنهما زمنا بحاجة الى ملاك ولا يمكن ان يكون جزافا، فالعلة متقدمة على المعلول رتبة قضاءً لحق العلية واما عدم المعلول فهو في مرتبة العلة لأن النقيضين في مرتبة واحدة مع ان عدم العلة لا يكون متقدما على المعلول رغم انه في مرتبة العلة لعدم الملاك لهذا التقدم بعدما كان عدم العلة مقارنا مع المعلول زمنا فتقدمها عليه رتبة بحاجة الى ملاك ولا ملاك لهذا التقدم، واما العلة فهي متقدمة رتبة على المعلول لأن لهذا التقدم ملاك وهو قضاء حق العليّة فالشرط متقدم على المشروط قضاءً لحق الشرطية والموضوع متقدما على الحكم قضاءً لحق الموضوعية واما عدم الشرط الذي هو في مرتبة الشرط - لأن النقيضين في مرتبة واحدة - فلا يكون متقدما على المشروط رتبة لعدم الملاك وعدم الموضوع الذي هو في مرتبة الموضوع فلا يكون متقدم رتبة على الحكم، وما نحن فيه كذلك فان قبح التجري وان كان متأخرا رتبة عن القطع من باب تأخر الحكم عن الموضوع وتأخر المعلول عن العلة والقطع متأخر عن الحكم الواقعي تأخر القطع عن المقطوع واما تأخر قبح التجري عن الحكم الواقعي فهو بلا ملاك فلا ملاك لهذا التأخر بعد ما كانا متقارنين زمنا فلا تأخر في البين .
ومن هنا قلنا ان قياس المساواة لا نتيجة له في باب الرتب العقلية، مثلا عدم العلة في مرتبة العلة والعلة متقدمة على المعلول رتبة فلا ينتج ان عدم العلة متقدم على المعلول رتبة وقياس المساواة انما ينتج في الموجودات الزمانية، فاذا قلنا ان عمرو متقدم على زيد زمانا وزيد متقدم زمنا على بكر فعندئذٍ ينتج ان عمرو متقدم زمنا على بكر فقياس المساواة انما يكون له نتيجة اذا كان في الموجودات الزمانية واما في الرتب العقلية فلا نتيجة له .
فما ذكره المحقق العراقي (قده) من ان قبح التجري متأخر عن الحكم الواقعي رتبة ليس الامر كذلك بل هو في مرتبته بعد تقارنه معه زمنا اذ لا ملاك لتأخره عنه رتبة .
هذا اولا .
وثانيا : مع الاغماض عن ذلك لا شبهة في ان التقدم والتأخر الرتبي انما هو من التحليل العقلي فلا وجود له في الخارج وانما هو موجود في عالم الذهن فقط أي في عالم الرتب وعالم الرتب عالم عقلي، فالتقديم والتأخير رتبة انما هو بتحليل من العقل ومن الواضح ان الاحكام الشرعية مجعولة للموجودات الزمانية لا للرتب العقلية .
وعلى هذا، فحيث ان قبح التجري مقارن زمنا مع مخالفة الحكم الواقعي فلا مانع من التزاحم بينهما وان فرضنا ان قبح التجري متأخر عنه رتبة ولكن حيث انه متقارن مع الحكم الواقعي زمنا فلا مانع من وقوع التزاحم بينهما، فان التعارض بين الدليلين والتزاحم بينهما انما هو بين الدليلين المتقارنين زمنا وان فرضنا ان احدهما متقدم على الاخر رتبة والاخر متأخر عنه رتبة .
فما ذكره المحقق العراقي (قده) غير تام .
هذا تمام كلامنا في التجري .
وقد تبين الى هنا ان لا شبهة في قبح التجري واستحقاق العقوبة عليه، واما حرمة الفعل المتجرى به شرعا فلا دليل عليها .

أقسام القطع
ويقع الكلام فيها في مقامين .
الاول : في اقسام القطع وانواعه .
فقد قسم القطع الى قسمين قطع طريقي وقطع موضوعي، ونقصد بالقطع الطريقي ما يكون طريقا الى الواقع من دون ان يكون للواقع دخل فيه لا جزءً ولا قيدا فان القطع طريق صرف الى الواقع، ونقصد بالثاني ما يكون مأخوذا في موضوع الحكم كسائر الموضوعات للحكم .
وقد ذكر شيخنا الانصاري (قده) ان القطع المأخوذ في الموضوع على قسمين :
الاول : ما يكون مأخوذا في الموضوع على نحو الصفتيّة أي القطع صفة للنفس كسائر الصفات النفسانية .
الثاني : ما يكون مأخوذا بنحو الطريقية والكاشفية عن الواقع [2].
وتبعه في ذلك جماعة من المحققين منهم مدرسة المحقق النائيني (قده) كالسيد الاستاذ وغيره، وقد استدل على ذلك بوجهين :
الاول : ان القطع صفة حقيقية ذات اضافة وليس كسائر الاعراض، فان العرض في وجوده في الخارج بحاجة الى وجود موضوع ولا يمكن تحقق العرض في الخارج بدون تحقق موضوعه كالسواد والبياض ونحوهما، ومن هنا يقال ان وجود العرض بنفسه عين وجود موضوعه ولا يمكن الانفكاك بينهما بين وجود العرض لنفسه ووجوده لموضوعه، وهذا بخلاف القطع فان القطع مضافا الى انه متقوم بوجود الموضوع اذ وجوده بحاجة الى وجود موضوعه وهو القاطع فهو بحاجة الى وجود المضاف اليه ايضا وهو وجود المتعلق فالقطع متقوم بأمرين :
الاول : بوجود موضوعه بالخارج .
الثاني : بوجود متعلقه .
فمن هذه الناحية القطع يختلف عن سائر الاعراض، فان العرض بحاجة الى وجود الموضوع فقط واما القطع فمضافا الى وجود الموضوع فهو بحاجة الى وجود المتعلق ايضا
الثاني : ان لللقطع حيثيتين ذاتيتين متباينتين :
الاولى : حيثية كونه صفة للنفس .
الثانية : حيثية كونه طريقا الى الواقع وكاشفا عنه .
فتارة يؤخذ القطع في موضوع الحكم من الحيثية الاولى واخرى يؤخذ في موضوع الحكم من الحيثية الثانية .
هذا ما ذكرته مدرسة المحققق النائيني في توضيح ماذكره شيخنا الانصاري (قده) [3].
وللمناقشة فيه مجال
وذلك لان العلم بسيط غاية البساطة وهو حقيقة واحدة وهي الظهور والكشف والبروز والحضور، فان حضور كل شيء بالعلم واما حضور العلم فهو بنفسه لا بشيء اخر .
فإذن حقيقته الظهور والكشف في النفس وليس له حيثيتان متباينتان، بل له حيثية واحدة وهي حيثية الكشف وحيثية الظهور وحيثية البروز وحيثية النور اذ قد يعبر عن العلم بالنور، فان ظهور كل شيء وبروز كل شيء وكشف كل شيء بالعلم، واما كشف العلم فهو بنفسه .
وعليه فليس للعلم حيثيتان متباينتان، حيثية كونه صفة للنفس وحيثية كونه طريقا الى الواقع وكاشفا عنه، فالعلم اذا اخذ في موضوع العلم وهو ظهوره فهذا الظهور هو حقيقية العلم وهذا الكشف هو حقيقة هذا العلم، وهذا الكشف اما ان يكون مأخوذا في موضوع الحكم او لا يكون مأخوذا فيه، فليس له صفتان ذاتيتان متباينتان حتى يكون مأخوذا في الموضوع تارة بلحاظ احدى صفتيه واخرى بلحاظ صفته الاخرى، ليس الامر كذلك فان ما هو في النفس هو الظهور والبروز والكشف، هذا مضافا الى ان طريقية القطع الى الواقع واضافته الى المعلوم فان اريد بإضافته الى المعلوم اضافته الى المعلوم بالذات فهي عين المعلوم لا انها غير المعلوم، فإضافة العلم الى المعلوم بالذات هو عين العلم والكشف والظهور والبروز في النفس فان هذه الاضافة اضافة اشراقية وليس اضافة محمولية حتى تكون متقومة ذاتا بشخص وجود طرفيها بل هي اضافة اشراقية أي الاضافة عين المضاف اليه والفرق بينهما بالاعتبار فقط، وان اريد بإضافته الى المعلوم الى المعلوم بالعرض فهذه الاضافة ليست مقومة للعلم ولا لازمة له، فان هذه الاضافة اذا كانت مطابقة للواقع فالإضافة موجودة وان لم تكن مطابقة للواقع فالإضافة غير موجودة فان الاضافة نسبة والنسبة متقومة ذاتا بشخص وجود طرفيها فان لم يكن احد طرفيها موجود فالإضافة غير موجودة .
فإضافة العلم الى المعلوم بالعرض ليست من مقومات العلم ولا من لوازمه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo