< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/11/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
ذكرنا ان هنا مسألتين :
الاولى : مسألة المصلحة والمفسدة .
الثانية : مسألة الحسن والقبح
وهاتان المسألتان مختلفتان في مجموعة من النقاط .
الاولى : ان المصلحة والمفسدة من الامور الواقعية الخارجية، بينما الحسن والقبح وان كانا من الامور الواقعية ولكنهما ثابتان في لوح الواقع لا في لوح الوجود، فان لوح الواقع اعم من لوح الوجود ويتصف الفعل بالحسن او بالقبح قبل وجوده في الخارج اذ لو كان موجودا فيه لكان بحاجة الى موضوع محقق فيه، كالبياض والسواد مع ان الامر ليس كذلك، فان الحسن والقبح من الامور الواقعية الثابتة في لوح الواقع لا في لوح الوجود .
الثانية : ان المصلحة والمفسدة قائمتان بطبيعي الفعل الجامع بين الحصة الاختيارية والحصة غير الاختيارية، فكما ان الحصة الاختيارية مشتملة على مصلحة او مفسدة كذلك الحصة غير الاختيارية، بينما الحسن والقبح لا يقومان بطبيعي الفعل الجامع بين الحصة الاختيارية وغير الاختيارية بل هما قائمان في خصوص الحصة الاختيارية منه فان الفعل الاختياري يتصف تارة بالحسن وتارة اخرى بالقبح، واما الفعل غير الاختياري لا يتصف بالحسن ولا بالقبح، فانه اذا صدر من الانسان فعل غير اختياري فلا يتصف بالحسن ولا بالقبح .
الثالثة : ان المصلحة والمفسدة قائمتان بطبيعي الفعل في الواقع سواء أ كان الانسان ملتفتا الى ذلك ام لم يكن ملتفتا، عالما بذلك او جاهلا، فاشتمال الفعل على المصلحة لا يتوقف على الالتفات والعلم أي سواء أ كان الانسان عالما على اشتماله على المصلحة والمفسدة ام كان جاهلا، بينما الحسن والقبح مشروط بالالتفات والعلم فاذا كان الانسان ملتفتا الى ان ضرب اليتيم للتأديب فهو حسن واذا كان غير ملتفت الى ذلك فلا يتصف بالحسن وكذلك الحال في سائر الافعال.
فإذن اتصاف الفعل بالحسن تارة وبالقبح تارة اخرى منوط بالالتفات والعلم .
وبتعبير اخر ان الاشياء على ثلاثة انواع :
النوع الاول : ما يقتضي ذاتا الحسن والقبح بنحو العلة التامة كالظلم والعدل، فان عنوان الظلم طالما ينطبق على فعل فهو قبيح ولا يمكن التفكيك بين الظلم وبين قبحه فالظلم بمثابة العلة التامة للقبح ولا يمكن التفكيك بينهما ولا يمكن ارتفاع القبح عن الظلم الا بارتفاع الظلم، وكذلك العدل فالفعل طالما ينطبق عليه العدل فهو حسن ولا يمكن التفكيك بينهما باي يكون عدلا ولا يكون حسنا فهو غير معقول .
فإذن لا يمكن ارتفاع الحسن عن العدل الا بارتفاع موضوعه ولا يمكن ارتفاع القبح عن الظلم الا بارتفاع موضوعه،اذ طالما يكون العدل موجود فالحسن موجود وطالما يكون الظلم موجود فالقبح موجود .
الثاني : ما يقتضي الحسن والقبح بنحو الاقتضاء، والمانع يمنع عن هذا الاقتضاء كالكذب فانه يقتضي القبح اذ هو في نفسه قبيح والصدق في نفسه حسن ولكن قد يمنع عن اتصافه بالحسن مانع وقد يمنع عن اتصاف الكذب بالقبح مانع كما لو كان الكذب لانقاذ مؤمن او عرضه او ماله فان هذا الكذب حسن وليس بقبيح، وكذلك الحال في الصدق فان الصدق في نفسه يقتضي الحسن ولكن قد يمنع مانع عن اتصافه بالحسن كما لو كان الصدق يقتضي ايذاء مؤمن، فهذا النوع من الاشياء يقتضي الحسن او القبح في نفسه طالما لم يكن هنا مانع عن الاقتضاء .
الثالث : لا يقتضي في نفسه الحسن ولا القبح بل يختلف اتصافه بالحسن او القبح باختلاف الوجوه والاعتبارات وهو حاصل في كثير من الافعال، فان القيام في نفسه لا يكون حسنا ولا قبيحا، لكنه اذا كان لاحترام مؤمن فهو حسن واذا كان لإيذاء مؤمن او هتك مؤمن فهو قبيح .
فاتصافه بالحسن تارة وبالقبح تارة اخرى انما هو بالوجوه والاعتبارات لا في نفسه .
ومن هنا يظهر، ان المصلحة والمفسدة تختلف عن الحسن والقبح ذاتا وموضوعا واثرا، اما ذاتا فان المصلحة والمفسدة من الامور الواقعية الخارجية بينما الحسن والقبح من الامور الواقعية الثابتة في لوح الواقع لا في الخارج .
واما موضوعا، فلأن موضوع المصلحة والمفسدة طبيعي الفعل اذ هما قائمتان بطبيعي الفعل الجامع بين الحصة الاختيارية والحصة غير الاختيارية، واما موضوع الحسن والقبح فخصوص الحصة الاختيارية .
واما في الملاك، فان المصلحة والمفسدة في انفسهما ملاك لجعل الوجوب والحرمة، فان المصلحة تقتضي جعل الوجوب من المولى والمفسدة ملاك بنفسها يقتضي جعل الحرمة من المولى، بينما الحسن والقبح هما بحاجة الى ملاك فان ملاك الحسن العدل وملاك القبح الظلم .
فإذن الحسن والقبح يختلفان عن المصلحة والمفسدة، فالمفسدة بنفسها ملاك للحكم والمصلحة بنفسها ملاك للحكم، واتصاف الفعل بالحسن او القبح بحاجة الى ملاك وهو العدل والظلم .
واما اثرا، فان المصلحة بنفسها تقتضي جعل الوجوب واثرها جعل الوجوب والمفسدة بنفسها تقتضي جعل الحرمة واثرها جعل الحرمة، واما الحسن فهو بنفسه مما ينبغي صدوره من الفاعل والقبح ما لا ينبغي صدوره من الفاعل، ولأجل ذلك تكون المصلحة والمفسدة من العقل النظري والحسن والقبح من العقل العملي .
هذا هو الفارق بين الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة .
ومن هنا يظهر ان ما ذكره صاحب الفصول (قده) من ان المصلحة الواقعية قد تزاحم قبح التجري ويقع الكسر والانكسار بينهما لا يرجع الى معنى صحيح، فان المصلحة الواقعية لا يمكن ان تزاحم قبح التجري ولا يمكن وقوع الكسر والانكسار بينهما لعدم السنخيّة بينهما اذ قبح التجري ليس من سنخ المصلحة والمصلحة ليس من سنخ قبح التجري حتى يقع الكسر والانكسار بينهما فان التجري طالما يكون ظلما على المولى وتفويتا لحقه فهو قبيح كانت هناك مصلح ام لم تكن، فلا اثر لوجودها ولا تمنع عن اتصاف التجري بالقبح .
فما ذكره صاحب الفصول لا يرجع الى معنى محصل .
ثم ان ما ذكره من ان التجري اذا صادف الحرمة الواقعية يتداخل عقابهما، ايضا لا يرجع الى معنى محصل، اذ كيف يتصور تداخل التجري مع الحرمة الواقعية، لان التجري اذا كان مطابقا للحرمة الواقعية فهو ليس بتجري بل هو عصيان وليس الفاعل متجر بل هو عاص الا اذا فرض حرمة اخرى غير الحرمة التي علم بها واما حرمة اخرى فحيث انها مجهولة فلا يستحق العقوبة عليها حتى يتداخل، فان التجري ان كان مطابقا للواقع أي الفعل في الواقع حراما فهو عصيان وليس بتجر واما ان كان الواقع غير ما يعتقد به المتجري كما اذا اعتقد المتجري ان هذا الاناء خمر وشرب ثم بان انه خل مغصوب وملك للغير فعندئذٍ لا يعاقب على ارتكابه لأنه غافل عن كونه مغصوبا وجاهل به فلا يعاقب عليه كي يتداخل، هذا مضافا الى ما ذكرناه سابقا من ان موضوع حق الطاعة هو احراز التكليف لا وجوده في الواقع فاذا علم المكلف بحرمة شرب هذا المائع اما من جهة انه غصب او من جهة انه خمر ومع ذلك شرب وتجرأ على المولى وهتك حرمته وفوت حق طاعة المولى وهو من اظهر افراد الظلم فلا شبهة في استحقاق العقاب سواء كان مطابقا للواقع ام لا وان كان في الواقع ليس ملكا للغير ولا خمرا بل هو خل مباح او ماء مباح، ومن هنا قلنا ان العقاب ليس على مخالفة الواقع وانما هو على مخالفة التكليف المعلوم المنجز سواء أ كان مطابقا للواقع ام لم يكن مطابقا للواقع .
فالنتيجة ان ما ذكره صاحب الفصول (قده) غير تام .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo