< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/10/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
الثاني : ان المؤمن من العقاب لا فرق بين كونه قطعا وجدانيا او امارة معتبرة كالبينة ونحوها او اصلا عمليا، فان المكلف اذا قطع بان هذا المائع خل فشربه ثم بان انه خمر فلا يعاقب عليه، لأنه معذور والقطع بانه خل مؤمن ومانع عن تنجيز حرمة شرب الخمر، وكذلك اذا قامت امارة معتبرة على ان هذا المائع خل كما اذا قامت البينة على خلية مائع فشرب ثم بان انه خمر في الواقع فلا يعاقب عليه لأنه معذور، لان البينة مؤمنة من العقاب ومانعة عن تنجيز حرمة شرب الخمر، فشرب الخمر في الواقع اذا لم تكن حرمته منجزة فلا اثر له ولا يوجب استحقاق العقوبة، وكذلك الحال فيما اذا ثبتت خليته بالاستصحاب كما اذا كان هذا المائع خلا سابقا وشككنا في انه انقلب خمرا او بقي خلا فلا مانع من استصحاب بقائه خلا فيستصحب بقاؤه خلا ثم يشرب وبعد ذلك تبين انه خمر في الواقع فلا يعاقب عليه لان الاستصحاب مؤمن من العقاب ومانع عن تنجيز حرمة شرب الخمر، وكذلك اذا شككنا في نجاسة شيء وطهارته وتمسكنا بأصالة الطهارة فشرب ثم بان انه نجس فلا يعاقب عليه لان اصالة الطهارة معذرة ومؤمنة من العقاب ومانعة عن تنجيز حرمة شرب النجس .
فإذن لا فرق في المؤمن بين ان يكون قطعا وجدانيا ام امارة معتبرة ام اصلا عمليا ولا كلام في ذلك، وانما الكلام فيما اذا شرب هذا المائع برجاء انه خمر فهل هذا تجرٍ ام لا ؟
فان هذا المائع شربه حلال له اما بالقطع الوجداني او بالأمارة المعتبرة او بالأصل العملي ولكنه شرب برجاء انه خمر في الواقع فهل يعد هذا تجرٍ ام لا ؟
ذهب المحقق النائيني الى انه تجرٍ، فان من ارتكب هذا العمل برجاء انه حرام في الواقع او شرب هذا المائع برجاء انه خمر في الواقع فهذا تجرٍ على المولى[1].
ولكن غير خفي ان ما ذكره المحقق النائيني مبني على مسلكه (قده) في باب التجري وقد تقدم ان قبح التجري على مسلكه (قده) فاعلي لا فعلي، فان الفعل المتجرى به مباح ولا يكون قبيحا ولا حراما وانما يكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث باطنه وعدم مبالاته بالدين.
واما بناءً على ما هو الصحيح من ان قبح التجري فعلي وان فعل المتجرى به قبيح فان عنوان الهتك مترتب على هذا الفعل فالفعل المتجرى به وان كان مباحا بعنوانه الاولي الا انه بعنوان ثانوي قبيح لأنه مصداق لهتك حرمة المولى وتفويت حقه والظلم فلا شبهة في قبحه .
واما في المقام فلا يكون تجريا فاذا شرب هذا المائع برجاء انه حرام في الواقع فهو وان كان كاشفا عن سوء سريرته وعدم مبالاته بالدين الا ان الفعل الصادر منه ليس بقبيح اذ لا يترتب عليه عنوان هتك المولى، والرجاء فعل نفساني وهو لا يتصف بالحرمة فان حق الطاعة لم يثبت في الافعال النفسانية ولا في الصفات النفسانية كالصفات الخبيثة فان صفة الحسد صفة خبيثة لكن طالما لم يتلبس الشخص بإظهار اثارها في الخارج واعمالها خارجا فهو لا يستحق العقوبة على هذه الصفة .
فإذن الانسان لا يستحق العقوبة على الصفات الرذيلة مالم يستعملها خارجا، وكذلك الافعال النفسانية كإرادة هذا الشيء وعدم ارادته او قصد هذا العمل وعدم قصده فان هذه الافعال لا تتصف بالقبح، ولا يعاقب الانسان على قصد المعصية او ارادتها طالما لم يتلبس بالمعصية في الخارج .
فإذن الرجاء لا اثر له ولا يستحق العقوبة على الرجاء غاية الامر انه يكشف عن عدم مبالاته بالدين وسوء سريرته وخبث باطنه .
فما ذكره المحقق النائيني في المقام غير تام .
الامر الثالث : ما ذكره صاحب الفصول (قده) من ان الحسن والقبح يختلفان بالوجوه والاعتبارات ويقع الكسر والانكسار بين قبح شيء وبين المصالح والمفاسد، فاذا كانت في الفعل المتجرى به مصلحة ملزمة اهم من قبح التجري كما اذا فرضنا ان المكلف اعتقد بان الغريق عدو المولى وانقذه من الغرق ثم بان انه ابن المولى، فالمصلحة هنا اقوى من قبح التجري وهذه المصلحة توجب ارتفاع قبح التجري فلا يكون التجري في مثل هذه الموارد قبيحا، فاذا كانت مصلحة الواقع اقوى من قبح التجري فلا يكون الفعل المتجرى به قبيحا لان القبح يرتفع بالمصلحة التي هي اقوى منه .
واما اذا كان الامر بالعكس بان يكون قبح التجري اقوى من المصلحة فالمصلحة عندئذٍ مندكة فالتجري حينئذ قبيح فلا شبهة حينئذ من قبح الفعل المتجرى به .
وقد لا يكون لقبح التجري مزاحم في الواقع كما اذا كان الفعل المتجرى به مباحا في الواقع فيبقى قبح التجري على حده بدون الكسر والانكسار .
وقد يشتد قبحه كما اذا كان الفعل المتجرى به مكروها، وقد يتعدد قبحه كما اذا كان الفعل المتجرى به محرما في الواقع بعنوان اولي فيوجد هنا قبحان قبح من ناحية حرمته الواقعية بعنوانه الاولي وقبح من ناحية التجري .
وقد لا يشتد كما اذا كان الفعل المتجرى به مباحا .
هكذا ذكره صاحب الفصول (قده) [2].
والجواب عن ذلك واضح، فان ماذكره (قده) مبنيا على نقطة خاطئة لا واقع موضوعي لها، وهي ان الحسن والقبح حكمان مجعولان من قبل العقلاء تبعا لما يدركونه من المصالح والمفاسد، فالعقلاء يجعلون الحسن لشيء اذا ادركوا ان فيه مصلحة ويجعلون القبح لشيء اذا ادركوا ان فيه مفسدة، ونكتة هذا الجعل الحفاظ على النظام العام للبشر وإبقاءً لنوعه، وهي خاطئة وجدانا وبرهانا .
اما وجدانا، فلا شبهة في ان العقل يدرك قبح الظلم من دون أي منبه في الخارج وبقطع النظر عن جعل أي جاعل في الخارج أي ان العقل يدرك بالفطرة قبح الظلم وسلب ذي الحق عن حقه وبقطع النظر عن وجود عقلاء في سطح هذه الكرة، اذ لو كان الحسن والقبح امران مجعولان من قبل العقلاء تبعا لما يدركونه من المصالح والمفاسد فمعنى ذلك ان قبل وجود العقلاء في سطح هذه الكرة لا حسن للأشياء ولا قبح مع ان الامر ليس كذلك، فان العقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم بقطع النظر عن وجود العقلاء وجعل أي جاعل، ومن هنا ذكر السيد الاستاذ (قده) انه لو كان فرد واحد في سطح هذه الكرة فان عقله يدرك بالفطرة حسن العدل وقبح الظلم لأنه امر فطري ولا يتغير بتغير الزمان والمكان وبتغير الاشخاص .
فدعوى ان الحسن والقبح امران مجعولان من قبل العقلاء -كالأحكام الشرعية التي هي مجعولة من قبل الشارع - تبعا لما يدركونه من المصالح والمفاسد خلاف الوجدان والضرورة
واما برهانا، فان من المحسوس والمشاهد في الخارج ان قبح شيء لا يكون تابعا لوجود مفسدة فيه، فالعقل يحكم بقبح شيء بدون ان يكون في هذا الشيء مفسدة كحكمه بقبح الفعل المتجرى به مع انه لا مفسدة فيه اذ هو فعل مباح وكحكمه بحسن الانقياد مع ان لا مصلحة فيه، فكيف يمكن ان يكون حكم العقل بالحسن والقبح تابع للمصلحة والمفسدة .
فإذن هنا مسألتان، مسألة المفسدة والمصلحة ومسألة الحسن والقبح وهما مختلفتان في عدة امور .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo