< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
ذكرنا ان السيد الأستاذ (قده) قد اجاب عن المقدمة الثالثة تارة بالنقض واخرى بالحل وبيان ذلك بحاجة الى مقدمة :
وهي ان التجري قد يكون في المحرمات وقد يكون في الواجبات، اما التجري في المحرمات كما اذا اعتقد بان هذا المال ملك للغير وقام بالتصرف فيه بدون اذنه، ثم تبين انه ملكه، فانه تجري على المولى وتفويت لحقه فان قلنا بحرمة الفعل المتجرى به فهذا التصرف محكوم بالحرمة بتقدير ان الحرمة تتعلق بإرادة المكلف والارادة متعلقة بالأعم من التصرف بوجوده الواقعي والتصرف بوجوده الاعتقادي، فهذا التصرف لم يكن تصرفا في مال الغير بوجوده الواقعي ولكنه كان تصرفا فيه بوجوده الاعتقادي، وهو ايضا محرم .
فإذن خطاب (لا تغصب) او (لا تتصرف في مال الغير) يشمل الفعل المتجرى به ايضا ويدل على حرمته، ولا شبهة في استحقاق المتجري العقوبة كالعاصي ولا فرق بينهما من هذه الناحية، لا من ناحية القبح ولا من ناحية الحرمة .
واما اذا كان التجري في الواجب، فالواجب على قسمين :
فتارة يكون واجبا مضيقا واخرى يكون واجبا موسعا، اما الواجب اذا كان مضيقا كما اذا اعتقد بدخول شهر رمضان، فاذا صام يوم الغد باعتقاد انه من شهر رمضان يحكم بصحة صومه باعتبار ان الوجوب على ضوء هذه المقدمة تعلق بالإرادة، والارادة متعلقة بالصوم الاعم من وجوده الواقعي ووجوده الاعتقادي، وذكرنا انه لا يمكن تعلق الارادة بالشيء بوجوده الواقعي لان الارادة قد تتعلق بالواقع وقد لا تتعلق بالواقع فحالها حال القطع من هذه الناحية، فكما ان القطع قد يكون مطابقا للواقع وقد لا يكون مطابقا للواقع، فالإرادة ايضا كذلك تارة تكون متعلقة بالواقع واخرى لا تكون متعلقة به، فإذن ارادة المكلف متعلقة بالفعل اعم من وجوده الواقعي ووجوده الاعتقادي، فالصوم كما انه مأمور به بوجوده الواقعي فكذلك هو مأمور به بوجوده الاعتقادي، ولهذا يحكم بصحته،كما انه لو ترك الصوم عامدا ملتفتا الى انه واجب عليه، فلا شبهة في انه تجرٍ وتعدٍ على المولى وتفويت حقه وهو حق الطاعة وهو من اظهر افراد الظلم، فمن اجل ذلك يستحق العقوبة .
فاذا كان مشمولا لإطلاق دليل الصوم فهو واجب ايضا، كما ان الصوم بوجوده الواقعي أي واقعا في شهر رمضان واجب كذلك الصوم واجب في شهر رمضان اعتقادا وتركه ترك للواجب ويوجب استحقاق العقوبة .
واذا فرضنا انه قد ورد من المولى وجوب اكرام كل هاشمي او كل عالم، ففي مثل ذلك اذا اعتقد بان هذا هاشمي او عالم وترك الاكرام فلا شبهة في انه ترك الواجب، فان الوجوب متعلق بإرادة المكلف والارادة تعلقت بالأعم من اكرام الهاشمي او العالم واقعا او اكرامه اعتقادا فكلاهما واجب أي كما ان اكرام الهاشمي او العالم واقعا واجب فكذلك اكرام الهاشمي او العالم اعتقادا واجب ويصدق على تركه ترك الواجب ويستحق عليه العقوبة .
واما اذا كان الواجب موسعا كالصلاة، فانها واجب موسع بين المبدأ والمنتهى، فالواجب هو الجامع بين الافراد الموجودة بين المبدأ والمنتهى وكل صلاة بين المبدأ والمنتهى فرد من افراد الواجب وليس بواجب لان الواجب هو الجامع بين الافراد الموجودة بين المبدأ والمنتهى أي بين زوال الشمس وغروبها وبين غروب الشمس الى طلوع الفجر او نصف الليل على الخلاف في ان منتهى المغرب هو نصف الليل او طلوع الفجر، فاذا اعتقد المكلف بان الوقت قد دخل وزالت الشمس واعتقد ان الصلاة واجبة عليه وصلى قبل الوقت ثم تبين عدم دخول الوقت، ففي مثل ذلك لا يحكم بصحة الصلاة، لان الواجب هو الجامع والجامع لا ينطبق على هذا الفرد، والصحة انما تنتزع من انطباق الواجب على الفرد المأتي به في الخارج والمفروض ان الصلاة الواجبة بين المبدأ والمنتهى لا تنطبق على هذا الفرد وانما تنطبق على افرادها التي هي بين المبدأ والمنتهى .
فإذن لا يمكن الحكم بصحة هذا الفرد، ولا يمكن الحكم بان دليل وجوب الصلاة يشمل هذا الفرد، فان اطلاق الخطاب انما يشمل التجري فيما اذا كانت الارادة متعلقة بنفس الواجب او الحرام كما اذا تعلقت بصوم شهر رمضان اعتقادا وحيث انه لا يمكن تعلق الارادة بالصوم بوجوده الواقعي او بصوم شهر رمضان واقعا، فلا محالة تكون متعلقة بالأعم من الصوم بوجوده الواقعي أي بصوم شهر رمضان واقعا والصوم بوجوده الاعتقادي بان يكون المكلف معتقدا بدخول شهر رمضان وهو غير داخل، ففي مثل ذلك نقول بعموم الخطاب باعتبار ان تخصيص الخطاب بالواجب الواقعي او الحرام الواقعي تكليف بغير المقدور، فمن اجل ذلك نقول ان متعلق الارادة اعم من الوجود الواقعي للواجب والوجود الاعتقادي او الوجود الواقعي للحرام والوجود الاعتقادي للحرام، فاذا كان الواجب موسعا فاعتقد المكلف بدخول الوقت وصلى قبل دخول الوقت ثم تبين ان الوقت غير داخل، فلا يمكن انطباق الواجب عليه، فانه لا يلزم من عدم انطباق الواجب عليه التكليف بغير المقدور لان الواجب موسع وقابل للانطباق على كل فرد من افرادها من البداية الى النهاية فلا يلزم التكليف بغير المقدور نتيجة عدم انطباق الواجب على الفرد الاعتقادي الذي اتى به، هذا هو الفرق بين ما اذا كان الواجب مضيقا او كان التجري في الحرام وبين ما اذا كان الواجب موسعا، فعندئذٍ لا يلزم من عدم انطباق الواجب الموسع على الفرد الاعتقادي تكليف بغير المقدور، بينما اذا كان الواجب مضيقا فلا يمكن ان يراد من الواجب خصوص الواجب الواقعي والا لزم التكليف بغير المقدور فلا بد ان يراد من الواجب الاعم من الواجب بوجوده الواقعي ومن وجوده الاعتقادي حتى لا يلزم محذور التكليف بغير المقدور .
فالنتيجة ان ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من النقض غير تام.
فان السيد الاستاذ (قده) قد اورد عليه بالنقض في الواجب الموسع، وهذا النقض في الواجب الموسع غير تام .
واما الجواب الحلي، فقد تقدم هذا الجواب وهو ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيتين اذ لا شبهة في ان المصالح والمفاسد الواقعيتين قائمتان في الواجبات والمحرمات بوجوداتها الواقعية، فلا شبهة في ان المفسدة قائمة في شرب الخمر واقعا ولا تكون المفسدة في شرب الماء المباح باعتقاد انه خمر، وكذلك المصلحة قائمة في الواجب واقعا ولا تكون قائمة في الواجب اعتقادا .
فإذن الاحكام الشرعية الواقعية تابعة للملاكات الواقعية، وهذه الملاكات قائمة في الوجبات والمحرمات الواقعية لا بوجوداتها الاعتقادية .
فإذن لا يمكن القول بحرمة الفعل المتجرى به، فان الفعل المتجرى به كشرب الماء المباح او شرب الخل كما اذا قطع بان هذا المائع خمر فشرب ثم بان انه خل او ماء مباح لا مفسدة فيه، فلا حرمة فيه .
وقد تقدم اشكال بعض المحققين على هذا وقد اجبنا عن هذا الاشكال، نعم يرد على هذا الجواب ما ذكرناه سابقا من ان الخطابات الشرعية اذا شملت الواجبات او المحرمات بالأعم من وجودها الواقعي ووجودها الاعتقادي فهو كاشف عن ان فيه مفسدة او مصلحة، فكما ان في شرب الخمر الواقعي مفسدة فكذلك تكشف ان في شرب الماء في هذه الحالة مفسدة، اذ لا طريق لنا الى ملاكات الاحكام الا من طريق نفس الاحكام، فاذ حكم المولى بوجوب شيء كشف عن وجود مصلحة فيه واذا حكم بحرمة شيء كشف عن وجود مفسدة فيه، فاذا فرضنا ان دليل ( لا تشرب الخمر ) يشمل شرب الخمر الواقعي ويشمل شرب الخمر الاعتقادي كشرب الماء المباح باعتقاد انه خمر فهو يكشف عن وجود المفسدة فيه كما يكشف عن وجود مفسدة في شرب الخمر الواقعي، فهذا الاشكال على هذا الجواب قد تقدم منا .
هذا تمام كلامنا في الوجه الاول وهو التمسك بإطلاقات الادلة لإثبات حرمة الفعل المتجرى به .
وقد ظهر مما ذكرنا جميعا انه لا يمكن التمسك بإطلاقات الادلة لإثبات حرمة الفعل المتجرى به، نعم التجري قبيح باعتبار انه ظلم للمولى ولكن الفعل المتجرى به ليس بحرام شرعا .



BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo