< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
الى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة وهي انه لا فرق بين العاصي والمتجري فكما ان العاصي يستحق العقوبة كذلك المتجري، أي ان ملاك استحقاق العقوبة في كليهما واحد، وهو ثبوت حق الطاعة للمولى، فكما ان العاصي يفوت هذا الحق فكذلك المتجري، وفوت الحق ظلم واذا كان كذلك استقل العقل باستحقاق الادانة والعقوبة، وذكرنا ان العاصي والمتجري شريك في ان احراز التكليف بمنجز شرعي او عقلي هو تمام الموضوع لحق الطاعة، واما الفرق بينها في نقاط اخرى فقد ذكرنا انه لا صلة لها في ملاك استحقاق العقوبة، فمن اجل ذلك هذا القول هو الصحيح دون القول الاول الذي يقول ان موضوع حق الطاعة هو التكليف الواقعي بوجوده الواقعي ودون القول الثالث الذي يرى ان موضوع حق الطاعة مركب من الواقع واحرازه، فكلا القولين لا واقع موضوعي لهما .
ومن هنا يظهر ان ما ذكره شيخنا الانصاري (قده) من ان التجري لا يكون قبيحا غاية الامر انه يكشف عن سوء سريرة الفاعل وعدم مبالاته بالدين وخبث باطنه ومن الواضح انه لا عقاب على سوء السريرة وخبث الباطن مالم يظهر في الخارج، فان الله تعالى لا يعاقب على الصفات النفسانية كسوء السريرة وخبث الباطن طالما لم يصدر منه اثرها في الخارج، فان العقاب انما هو على العمل الخارجي لا على الصفات النفسانية، فإذن لا يستحق المتجري العقوبة ولا قبح للفعل المتجرى به .
ولكن ظهر مما ذكرنا، ان الامر ليس كذلك حيث لا شبهة في قبح التجري وانه امر وجداني وضروري .
واما ما ذكره المحقق النائيني (قده) من ان التجري قبيح لكن قبحه فاعلي وليس بفعلي فان اراد بالقبح الفاعلي ان التجري يكشف عن ان الفاعل مذموم ويكشف عن سوء سريرته وعدم مبالاته بالدين، فهو عين ما ذكره شيخنا الانصاري (قده) وليس شيئا اخر ويرد عليه ما يرد على الشيخ (قده)، وان اراد من ذلك ان الفعل المتجرى به قبيح لا بنفسه بل هو قبيح من جهة اضافته الى الفاعل، ومع قطع النظر عن اضافته الى الفاعل فلا يكون الفعل المتجرى به قبيحا لان شرب الماء المباح ليس قبيحا في نفسه وانما هو قبيح من جهة اضافته الى الفاعل فان الفاعل يشربه بعنوان انه خمر حرام، فإذن قبح الفعل المتجرى به ليس بنفسه وانما هو جهة اضافته الى الفاعل، فمن اجل ذلك سمي قبح التجري بالقبح الفاعلي لا بالقبح الفعلي، ان اراد ذلك فيرد عليه :
اولا : ان اتصاف الفعل بالحسن والقبح ليس على منوال واحد، فتارة يكون اتصاف الفعل بالحسن والقبح ذاتيا، فالظلم يتصف بالقبح مطلقا وبالذات ومن أي شخص صدر والعدل يتصف بالحسن متى تحقق و يستحيل انفكاك الحسن عن العدل فطالما يصدق عنوان العدل فهو حسن الا ان يزول هذا العنوان وكذلك الظلم فانه يستحيل انفكاك القبح عنه لان ثبوت القبح له ذاتي الا ان يزول هذا العنوان، فانه يزول بزوال موضوعه فطالما يصدق عليه عنوان الظلم يصدق القبح، فلا يمكن انفكاك الحسن عن العدل وانفكاك القبح عن الظلم لانهما ذاتيان لهما، ولهذا يعبر عن ذلك بان الظلم علة تامة لاتصاف الفعل بالقبح، والعدل علة تامة لاتصاف الفعل بالحسن .
واخرى يكون الفعل مقتضيا للحسن والقبح لا علة تامة لهما كالصدق والكذب، فان الصدق قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا وكذلك الكذب قد يكون حسنا بعنوان ثانوي كما اذا كان الكذب لإنقاذ مؤمن او لإنقاذ عرضه او ماله، فان هذا الكذب حسن وليس بقبيح، وقد يكون الصدق قبيحا كما اذا كان الصدق موجبا لهلاك شخص او لإتلاف ماله او ما شاكل ذلك .
فإذن يتغير الحسن والقبح بعروض عنوان ثانوي على الفعل، واما الصدق في نفسه فهو حسن والكذب في نفسه قبيح .
وثالثة الفعل في نفسه وعنوانه لا يقتضي الحسن ولا يقتضي القبح كشرب الماء المباح او الماء المملوك له، فانه في نفسه لا يقتضي ان يكون حسنا ولا يقتضي ان يكون قبيحا فالمقتضي للحسن والقبح غير موجود فيه، ولكن قد يكون حسنا بواسطة عنوان اخر كضرب اليتيم اذا كان بعنوان التأديب فهو حسن، واما اذا كان بعنوان _____ فهو قبيح، وكذا شرب الماء فانه حسن اذا كان بعنوان امداد قوته واستعداده لعمل الخير واما اذا كان بعنوان استعداده لعمل الشر فهو قبيح، فالفعل في نفسه لا يقتضي الحسن ولا يقتضي القبح، فاتصافه بالحسن انما هو بعنوان اخر فاذا صدر من الفاعل بداعي حسن فهو يتصف بالحسن واذا صدر من الفاعل بداعي قبيح فهو يتصف بالقبح، وقد تقدم ان الحسن والقبح امران واقعيان وثابتان في لوح الواقع ويدركهما العقل كالمصلحة والمفسدة غاية الامر ان موضوع المصلحة والمفسدة ذات الفعل، واما الحسن فهو صفة للفعل من جهة اضافته الى الفاعل لا في نفسه، والقبح صفة للفعل من جهة اضافته الى الفاعل، فالفعل المتجرى به بعنوانه ليس بحسن ولا قبيح ولكن اذا صدر من المتجري يتصف بالقبح، فاتصافه بالقبح من جهة صدوره من الفاعل، ولكن مع ذلك الحسن صفة للفعل وليس صفة للفاعل والقبح صفة للفعل وليس صفة للفاعل، وصدوره من الفاعل جهة تعليلية وليس جهة تقييدية أي سبب لاتصاف الفعل بالقبح او الحسن .
فإذن الحسن والقبح من هذه الناحية ليس كالمصلحة والمفسدة، فان الموضوع للمصلحة والمفسدة ذات الفعل بقطع النظر عن صدوره من الفاعل، بخلاف الحسن والقبح فان موضوعهما الفعل الصادر من الفاعل، فاذا صدر من الفاعل بداعي حسن فهو يتصف بالحسن واذا صدر من الفاعل بداعي قبيح فهو يتصف بالقبح، فصدوره من الفاعل يختلف باختلاف الموارد فتارة يصدر بعنوان حسن واخرى يصدر بعنوان قبيح، فاتصاف الفعل بالحسن والقبح من هذه الناحية، ولكن الحسن صفة للفعل وليس صفة للفاعل وكذلك القبح، غاية الامر صدوره من الفاعل جهة تعليلية وليس جهة تقييدية، وايضا الحسن والقبح يختلفان عن المصلحة والمفسدة فان الحسن بنفسه يقتضي الجري العملي على طبقه، والقبح بنفسه يقتضي عدم الجري العملي على طبقه، فان الحسن ما ينبغي ان يقع في الخارج والقبح ما لا ينبغي ان يقع في الخارج، واما المصلحة والمفسدة فهما ليستا كذلك، فان المصلحة بنفسها لا تقتضي الجري العملي على طبقها الا اذا جعل الوجوب على طبقها، والمفسدة بنفسها لا تقتضي الجري العملي على عدمها في الخارج الا اذا جعل الحرمة على طبقها .
فمن اجل ذلك يكون ادراك العقل الحسن والقبح من العقل العملي واما ادراكه المصلحة والمفسدة فمن العقل النظري،فادراك الحسن عقل عملي من جهة ان معنى الحسن هو ما ينبغي ان يقع في الخارج ومعنى القبح ما لا ينبغي ان يقع في الخارج، فمن اجل ذلك يكون ادراكه من العقل العملي وليس من العقل النظري .
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق النائيني (قده) من ان حسن الفعل وقبحه من جهة اضافته الى الفاعل ولأجله سمي بالقبح الفاعلي، لا يوجب هذه التسمية لان القبح صفة للفعل، فالفعل المتجرى به هو الذي يتصف بالقبح واضافته الى الفاعل جهة تعليلية .
وثانيا : مع الاغماض عن ذلك وتسليم ان هذا القبح قبح فاعلي فمع ذلك لا مانع من استحقاق العقوبة عليه، فان الفعل المتجرى به قبيح من جهة اضافته الى الفاعل، وعليه يكون موضوعا لحق الطاعة للمولى، ويكون تفويته ظلم وحينئذٍ يستقل العقل باستحقاق الادانة والعقوبة .
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق النائيني (قده) غير تام .
هذا كله فيما اذا كان التجري قبيح، فان المتجري مستحق للعقوبة كالعاصي .
ولكن ذهب جماعة الى ان التجري ليس بقبيح، وقد استدلوا على ذلك بوجوه سيأتي ذكرها .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo