< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجرّي
تحصّل مما ذكرنا، ان الصحيح هو ان المتجري يستحق الادانة والعقوبة كالعاصي ولا فرق بينهما من هذه الناحية أي من ناحية استحقاق العقوبة، فان ملاك استحقاق العقوبة هو تفويت حق الطاعة للمولى، فاذا قطع بحرمة شيء واقدم على ارتكابه عالما ملتفتا الى انه حرام ومبغوض عند المولى وان المولى نهى عن ذلك مع هذا اقدم على ارتكابه، فهو خروج عن آداب العبودية وحدودها ورمز الرقيّة وانه طغى على المولى وتمرد عليه وهتك حرمته وهو من أظهر مصاديق الحرمة وتفويت حق الطاعة للمولى، فان حق الطاعة للباري عزّ وجلّ ذاتي وليس بجعلي بمعنى انه لا يحتاج الى دليل، ولكن هذا الحق ثابت في الموارد التي يكون قابلا للثبوت فيها، ولم يثبت هذا الحق في موارد الاحكام الترخيصيّة، وكذلك لم يثبت في موارد الجهل المركب، وعدم الثبوت ليس قصورا من ناحية هذا الحق، بل قصورا من ناحية المورد، فالمورد غير قابل لثبوت هذا الحق .
فإذن لا شبهة في انه هتك لحرمة المولى اذا اقدم على ارتكاب ما علم انه حرام او انه واجب وان كان مخالفا للواقع، فان مخالفة الواقع وعدم المطابقة امر خارج عن قدرة المكلف، وكون قطعه مطابقا للواقع او غير مطابق فهو امر اتفاقي خارج عن قدرة المكلف، والذي بيده هو ارتكاب المقطوع به فانه باختياره، فاذا ارتكب مع قطعه بان المولى نهى عن ذلك فهو هتك لحرمة المولى ومن اظهر مصاديق الظلم، والعقل يستقل بالحكم باستحقاقه العقوبة والادانة على ذلك سواء أ كان قطعه مطابقا للواقع او لا، وهذا ليس من جهة حرمة الفعل المتجرى به وإن استدلوا على حرمته بوجوه، منها الروايات وقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وبالإجماع كما سيأتي بحثها، ولكن شيء من هذه الادلة لا يدل على حرمة الفعل المتجرى به، والفعل المتجرى به ليس محرما بعنوان ثانوي، ولكن ارتكابه هتك لحرمة المولى وطغيان على المولى وتفويت لحقه، فمن جهة ذلك لا فرق بين ان يكون ما قطع بحرمته مطابقا للواقع ام كان مخالفا فعلى كلا التقديرين ارتكابه هتك لحرمة المولى ومن اجل ذلك يستحق العقوبة .
بيان ذلك : ان استحقاق العقوبة يتصور في امرين :
الامر الاول : مخالفة التكليف الواقعي فهي موجبة لاستحقاق العقوبة وان لم تكن مطابقة للواقع، سواء أ كان عالما به او لم يكن .
وهذا الفرض غير صحيح، فان مخالفة التكليف في الواقع مع عدم التفات المكلف اليه لا تكون موجبة لاستحقاق العقوبة سواء ا كانت مطابقة للواقع ام لم تكن .
الامر الثاني : مخالفة التكليف المعلوم ( المقطوع به ) سواء ا كان قطعه بالوجوب مطابقا للواقع او لم يكن، وسواء ا كان قطعه بالحرمة مطابقا للواقع او لم يكن، فان ارتكابه هتك لحرمة المولى وتفويت لحقه وهو حق الطاعة، ومن اجل ذلك يستحق العقوبة، فان استحقاق العقوبة على مخالفة المولى لا يقاس بسائر الحقوق، فان حق الطاعة الثابت للمولى ليس كسائر الحقوق الثابتة للإنسان، اذ الحقوق الثابتة للإنسان لها واقع موضوعي في الخارج، قد يعلم بها الانسان وقد يظن بها وقد يشك، واما حق الطاعة فليس له واقع موضوعي غير استحقاق العقوبة قد يعلم الانسان به وقد يظن به وقد يشك، ولهذا لا يكون حق الطاعة ثابتا في موارد الجهل المركب، فاذا خالف المولى استحق العقوبة سواء كانت مخالفته مطابقة للواقع او لم تكن، فاذا فرضنا انه قطع بحرمة شيء ولم يكن في الواقع حراما فانه اذا اقدم على ارتكابه فهو تجريٍ منه وتمرد وهتك لحرمة المولى ومن أظهر مصاديق الظلم فيستحق العقوبة عليه وان لم يكن قطعه مطابقا للواقع، فاستحقاق العقوبة انما هو على هتك المولى وتفويت حق الطاعة له عالما ملتفتا لا على ارتكاب الواقع .
فالنتيجة ان منشأ استحقاق العقوبة هو القطع بالتكليف الذاتي وهو صورة التكليف في الذهن واحرازه، فان صورة التكليف في عالم الذهن هو المحرك والداعي للمكلف، فاذا خالف المكلف ولم يمتثل هذه الصورة وان لم تكن مطابقة للواقع فقد تمرد على المولى وخالف المولى وهتك حرمته اذ التجري على المولى هتك لحرمته وطغيان عليه ومن أظهر مصاديق الظلم بل من أظهر افراد الظلم، فمن اجل ذلك يحكم العقل باستحقاقه العقوبة .
فإذن لا فرق في استحقاق العقوبة بين ان يكون قطعه مطابقا للواقع او لا يكون مطابقا، فان ملاك استحقاق العقوبة هو هتك حرمة المولى وتفويت حقه وهو حق الطاعة، وتفويت هذا الحق ليس منوطا بمطابقة القطع للواقع اذ ان فوات هذا الحق موجب لصدق الطغيان والهتك والظلم لحق المولى وبذلك يكون مستحقا للعقوبة .
ولكن قد يقال كما قيل : ان لازم ذلك ان في صورة مطابقة الواقع يستحق عقوبتين، احداهما العقوبة على التجري والتمرد والطغيان، والاخرى العقوبة على ارتكاب الواقع، فاذا كان القطع مطابقا للواقع وفرضنا ان المكلف قطع بحرمة شرب هذا الاناء وكان قطعه مطابقا للواقع وفي الواقع شربه حرام لأنه خمر، فعندئذٍ لازم ذلك انه يستحق عقوبتين، عقوبة على تجريه وعقوبة على ارتكاب الحرام في الواقع فانه شرب للخمر، ولازم ذلك انه في موارد العصيان الحقيقي يستحق عقوبتين عقوبة على التجري وعقوبة على مخالفة الواقع وهو مما لا يمكن الالتزام به .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo