< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/05/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التقليد من صغريات كبرى رجوع الجاهل الى العالم
الى هنا قد تبين ان الاحكام الظاهرية على القول بأنها مشتركة بين المجتهد وبين غيره غاية الامر ان غير المجتهد لا يتمكن من أثباتها وأثبات موضوعاتها وشروطها والمجتهد متمكن من أحرازها وأثبات موضوعاتها وشروطها جميعا , وعندئذ يجوز تقليد المجتهد في الاحكام الظاهرية ,فأن المجتهد عالم بها ويكون التقليد من صغريات قاعدة رجوع الجاهل الى العالم أو من صغريات قاعدة الرجوع الى أهل الخبرة والبصيرة , ولا شبهة في أن المجتهد من أهل الخبرة في الاحكام الظاهرية وأما غير المجتهد فلا يكون من أهل الخبرة فعندئذ يجوز له الرجوع اليه فأنه من صغريات قاعدة الرجوع الى أهل الخبرة ورجوع الجاهل الى العالم .
ولكن هنا أشكالا في هذا الرجوع - وليس الاشكال من جهة ان الاحكام الظاهرية لم تكن مشتركة بين المجتهد وغيره فأنها مشتركة بينهما والمجتهد عالم بها وغير المجتهد جاهل بها –وهو ان قول المجتهد في الاحكام الظاهرية هل هو حجة ومشمول للسيرة القطعية من العقلاء،فأن الدليل على حجية قول أهل الخبرة أنما هو السيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بقول أهل الخبرة والبصيرة والشارع أمضى هذه السيرة،فأذن تكون السيرة دليلا على قول أهل الخبرة ومن الواضح أن قول أهل الخبرة أنما يكون حجة أذا ترتب عليه أثر عملي سواء أكان عرفيا أم كان شرعيا، فاذا كان الاثر العملي مترتبا على قول أهل الخبرة فهو مشمول للسيرة ويكون حجة وعندئذ يجوز الرجوع اليه ويكون الرجوع اليه من باب الرجوع الى أهل الخبرة، وأما الاحكام الظاهرية فبقطع النظر عن كونها مثبتة للأحكام الواقعية الا انها لم تثبت الاحكام الواقعية وجدانا،فان الاحكام الظاهرية وان كانت طريق الى الاحكام الواقعية الا انها لم تثبت الاحكام الواقعية وجدانا فأذن الاحكام الظاهرية كحجية الامارات واخبار الثقة ونحوها لم تثبت الاحكام الواقعية وجدانا .
وعلى هذا،فلا يكون المجتهد عالما بالأحكام الواقعية وجدانا وانما يكون عالما بالأحكام الظاهرية، ولا يترتب عليها اي اثر عملي غير اثباتها للأحكام الواقعية فان الاحكام الظاهرية احكام طريقيه محضة وليست أحكاما مولوية ولهذا لا توجب مخالفتها العقوبة وموافقتها المثوبة بقطع النظر عن الاحكام الواقعية والمفروض انها لا تثبت الاحكام الواقعية وجدانا حتى يكون المجتهد عالما بها كذلك، فمن أجل ذلك لا يجوز الرجوع الى المجتهد بالنسبة الى الاحكام الظاهرية لان قول المجتهد بالأحكام الظاهرية لا يكون حجة ولا يكون مشمولا للسيرة القطعية الجارية على حجية قول أهل الخبرة فان قول اهل الخبرة انما يكون حجة اذا ترتب عليه اثر عملي عرفي او شرعي واما اذا لم يترتب عليه اثر عملي فلا يكون مشمولا للسيرة وما نحن فيه كذلك فان قول المجتهد بالأحكام الظاهرية لا يترتب عليه اي اثر عملي فلا يكون مشمولا للسيرة ومن اجل ذلك لا يجوز الرجوع الى المجتهد في الاحكام الظاهرية فما ذكره بعض المحققين (قده) من ان لا مانع من الرجوع الى المجتهد في الاحكام الظاهرية دون الاحكام الواقعية باعتبار ان المجتهد ليس عالما بها وليس رجوع غير المجتهد اليه من باب رجوع الجاهل الى العالم لا يمكن المساعدة عليه.
هذا على القول بان الاحكام الظاهرية مشتركة بين المجتهد وغير المجتهد وانها لا تثبت الاحكام الواقعية وجدانا .
وأما على القول بان الاحكام الظاهرية مختصة بالمجتهدين ولا تشمل غير المجتهدين لاختصاص موضوعاتها وشروطها بالمجتهدين فأنها مشروطة بشروط لا يتمكن من احرازها الا المجتهد واما غيره فلا يتمكن من احراز شروط الاحكام الظاهرية وموضوعاتها، والاحكام الظاهرية طريق الى الواقع وتثبت الواقع تعبدا او تنجيزا لان الاحكام الظاهرية شأنها الطريقية، وبناءا على ما ذكرناه من انه لا يمكن تخصيص اهل الخبرة بما اذا كانت خبرويته قائمة على اساس العلم الوجداني اذ لازم ذلك ان لا يوجد أهل الخبرة في العلوم النظرية اصلا وهو خلاف الضرورة والوجدان، ولا شبهة في ان الطبيب من أهل الخبرة وانه يصدق عليه انه من اهل الخبرة والبصيرة وكذلك المهندس وكذلك سائر اهل الفن والصناعة والخبير بقيمة الاشياء فلا شبهة في صدق اهل الخبيرة عليه، فإذن لا يعتبر في اهل الخبرة ان تكون خبرويته قائمة على اساس العلم الوجداني مع ان قول الطبيب ليس قطعيا وجدانيا غاية الامر الطبيب واثق من قوله ومطمئن فانه قد حصل من علم الطب على كبرى كلية وعند فحصه للمريض والقيام ببعض المقدمات الاخرى يكون حينئذ بصدد تطبيق ما عنده من الكبرى على مرض هذا المريض ونتيجة هذا التطبيق تعيين مرضه وتعيين الدواء له وهذا التطبيق موجب للوثوق والاطمئنان بان مرضه كذا ودواؤه كذا وليس له علم وجداني بان مرضه كذا ولهذا كثير ما يقع الخطأ في قول الطبيب فان العلوم النظرية وان كانت مختلفة الا ان الفقه والاصول أعمق في النظرية من باقي العلوم فان الاصول لا شبهة في انه اعمق وادق في النظرية من علم الطب وما شاكله فان تلك العلوم أقرب الى الحس وليس كذلك علم الاصول وكذا علم الفقه .
وكيف ما كان فان جميع العلوم النظرية استنتاج الحكم منها انما هو بتطبيق الكبرى على الصغرى بعد تعيين الصغرى ويحكم بالنتيجة وقد يكون واثقا بالنتيجة ومطمئنا وقد يكون ظانا بها واما ان يكون عالم بالنتيجة وجدانا فلا .
نعم قد تكون الخبروية في بعض العلوم قائمة على اساس العلم الوجداني فان مسائل تلك العلوم مسائل وجدانية كالعلوم الرياضية فان خبروية الشخص في هذه العلوم قائمة على اساس العلم الوجداني باعتبار ان مسائلها وجدانية وحسية ولأجل ذلك يكون العالم بمسائل الرياضة عالم بالوجدان،فإذن الخبروية امر نسبي تختلف باختلاف العلوم فان العلوم النظرية التي تكون النتيجة فيها من تطبيق الكبرى على الصغرى بعد احراز الصغرى قد تكون هذه النتيجة ظنية وقد تكون اطمئنانيه وهكذا واما في العلوم الوجدانية فان النتيجة فيها وجدانية والخبروية قائمة على اساس العلم الوجداني من جهة وجدانية مسائل العلم .
وبكلمة ان خبروية الائمة الاطهار عليهم السلام بالأحكام الشرعية قائمة على اساس العلم الوجداني لانهمك عالمون بالأحكام الشرعية بالعلم الوجداني واما خبروية المجتهدين فهي مبنية على اساس الاجتهاد والظن فالمجتهد انما يخبر عن رأيه لا عن الحكم الواقعي فاذا قام باستنباط وجوب السورة في الصلاة او وجوب جلسة الاستراحة فيها فوجوب السورة رأيه وفكره وهو أخبر عن رأيه لا عن الواقع وهو لا يعلم ان وجوب السورة ثابت في الواقع بل هو بالاجتهاد حصل له الظن بوجوب السورة في الصلاة فالوجوب وليد فكره ووليد اجتهاده وتطبيقه الكبرى على الصغرى وهو يخبر عن رأيه ولكن بما ان رايه طريق الى الواقع يكون رأيه ذات طابع أسلامي اي ان رأيه محكوما بالحكم الاسلامي فوجوب السورة محكوما بالوجوب الشرعي والوجوب الاسلامي وهكذا وجوب جلسة الاستراحة وألا فالمجتهد أولا وبالذات قد أخبر عن رأيه وحيث ان رأيه طريق الى الواقع فهو ذات طابع أسلامي ومن أجل ذلك يكون المجتهد عالما بالواقع اما تعبدا وفق مسلك المحقق النائيني (قده) واما تنجيزا، ومن اجل ذلك يكون المجتهد من اهل الخبرة بالواقع فيجوز الرجوع اليه من باب الرجوع الى اهل الخبرة .
فإذن التقليد يكون من صغريات الرجوع الى اهل الخبرة ولا شبهة في ذلك كالطبيب ونحوه ولا فرق بينهما من هذه الناحية ,بقي الكلام في الاحكام التي ليست احكاما للمجتهد كأحكام النساء من الحيض والنفاس وما شاكل ذلك وسيأتي الكلام فيها لاحقا ان شاء ا...تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo