< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

قد يستدل على جواز نقل الزكاة الى بلد آخر:-

أولاً:- بإطلاق الآية الكريمة وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[1] ، فان هذه الآية الكريمة تدل على أنَّ الفقراء موردٌ للزكاة ومستحقٌ للزكاة ، بلا فرق بين فقراء بلد الزكاة او فقراء البلد الآخر ، فالآية مطلقة من هذه الناحية.

ثانياً:- إطلاق الروايات التي تدل على ان الزكاة للفقراء والمساكين ، فان هذه الروايات ايضا مطلقة ، وقد استدل بإطلاق الآية والروايات السيد الاستاذ (قد الله نفسه) كما في تعليقته على العروة الوثقى[2] .

ولكن للمناقشة فيه مجال:- فان الآية المباركة ليست في مقام البيان من هذه الناحية (أي من ناحية جواز النقل وعدم جواز النقل ، او وجوب النقل وعدم وجوبه) فان الآية المباركة انما هي في مقام بيان الحكم الوضعي وهو الملكية (اي ان طبيعي الفقراء مالك للزكاة) وليست الآية المباركة في مقام بيان الحكم التكليفي (وهو جواز النقل من بلد الزكاة الى بلد اخر) او وجوب النقل من بلد الزكاة الى بلد اخر) بل الآية في مقام بيان ان الزكاة مُلْكٌ لطبيعي الفقراء والمساكين والعاملين عليها .... او ان الزكاة مصرف لطبيعي هؤلاء الاصناف ، وليست هي في مقام بيان جواز النقل مع عدم وجود المستحق او عدم جواز النقل.

اذن لا يمكن الاستدلال بإطلاق الآية الكريمة لجواز النقل ولا بإطلاق الروايات.

ولكن ذكرنا ان جواز النقل هو مقتضى القاعدة أي مقتضى اطلاق الروايات الدالة على ولاية المالك على اخراج الزكاة وصرفها ، فان اطلاق هذه الروايات يدل على ان للمالك ولاية في صرف الزكاة على فقراء البلد او صرفها على فقراء بلد آخر ، وهذه الولاية ثابتة للمالك مطلقا حتى مع وجود المستحق في بلد الزكاة ، واما مع عدم وجود المستحق فلا شبهة في جواز النقل.

ويدل عليه صراحة:-

صحيحة ضريس عن ضريس قال : سأل المدائني أبا جعفر (عليه السلام) ((قال: إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففي من نضعها ؟ فقال : في أهل ولايتك ، فقال : إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك ؟ فقال : ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ولا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك وكان ـ والله ـ الذبح))[3] .

فان هذه الصحيحة لا تدل على جواز النقل ، بل تدل على وجوب النقل اذا لم يكن المستحق موجودا في بلد الزكاة.

وذكرنا ان الروايات التي تدل على جواز النقل كثيرة ، وبعض هذه الروايات فيه تفصيل بصرف بعض هذه الزكاة في البلد وصرف بعضها في بلد آخر ، وبعض هذه الروايات تدل على وجواز النقل مطلقا وان كان المستحق موجودا في البلد.

قد يقال:- ــ كما قيل ــ ان هذه الروايات[4] معارَضة برواية ابراهيم ابن الأوسي ، عن الرضا (عليه السلام) ((قال : سمعت أبي يقول : كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال : إني رجل من أهل الري ولي زكاة ، فإلى من أدفعها ؟ فقال : إلينا ، فقال : أليس الصدقة محرمة عليكم ؟ فقال : بلى ، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها الينا ، فقال : إني لا أعرف لها أحدا ؟ قال : فانتظر بها سنة ، فقال : فإن لم اصب لها أحدا ؟ قال انتظر بها سنتين ، حتى بلغ أربع سنين ثم قال له : إن لم تصب لها أحدا فصرها صررا واطرحها في البحر فإن الله عزّ وجلّ حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا))[5] .

فان هذه الرواية تدل على عدم جواز نقل الزكاة وان لم يكن المستحق موجودا بل يحافظ على الزكاة سنة او سنتين او ثلاث او اربع فاذا لم يجد مستحقا طرحها في البحر ، فهذه الرواية معارِضة للروايات التي تدل على جواز النقل ، والمعارضة بينهما بالتباين فان تلك الروايات تدل على جواز النقل وهذه الرواية تدل على عدم جواز النقل ، وبعد التساقط المرجع هو الاصل العملي وهو اصالة عدم الجواز.

ولكن هذه الرواية لا يمكن ان تعارض تلك الروايات:-

اولاً:- ان هذه الرواية ضعيفة من ناحية السند فإنها مرسلة ولا يمكن الاعتماد عليها ، وكذا ابي ابراهيم الاوسي وهو محمود فهو غير موثق ولم تثبت وثاقته في كتب الرجال.

ثانياً:- مع الاغماض عن سندها والتسليم بان الرواية تامة سندا ، ولكن لا يمكن الاخذ بمضمونها من عدة جهات:-

الجهة الاولى:- انه بحسب العادة من غير الممكن ان لا يوجد مستحق في فترة اربع سنين في البلد او مصرف للزكاة فانه لو قبلنا انه لا يوجد فقير ولكن لا شبهة انه توجد مصارف أُخر مثل سبيل الله كبناء مسجد او مدرسة دينية او حسينية او انشاء طرق او جسور ففرض انه لا يوجد واحدٌ من ذلك فرض عادةً غير ممكن فمن اجل ذلك لا يمكن الاخذ بمضمون هذه الرواية.

الجهة الثانية:- ان إلقاء الزكاة في البحر هو إسراف وهو محرم فكيف يأمر الامام (عليه السلام) بإلقاء هذه الزكاة بالبحر.

النتيجة ان الرواية ضعيفة من ناحية السند والدلالة فلا يمكن الاخذ بسندها ولا بدلالتها ، اذن هذه الرواية لا تصلح ان تكون معارضا للروايات التي تدل على جواز النقل لأن الروايات التي تدل على جواز النقل معتبرة وصحيحة سندا ودلالة.

هذا كله اذا كان وجود المستحق مرجوا في بلد الزكاة ، وأما اذا لم يكن مرجوا وكذا المصارف الاخرى غير مرجوة فعندئذ يجب نقل الزكاة الى بلد آخر فان وجوب النقل حينئذ وجوب مقدمي فهو مقدمة لأداء الواجب وهو صرف الزكاة على مستحقيها وفي مواردها وهو واجب ، ولا يمكن الاتيان بهذا الوجب الا بنقلها الى بلد آخر فعندئذ يجب نقلها الى بلد آخر من باب وجوب المقدمة.

ولكن قد يقال:- ــ كما قيل ــ انه غير واجب فان الدليل الذي يدل على وجوب اخراج الزكاة على المالك انما يدل على انه اذا حلت الزكاة بالمال وجب على المالك اخراجها وتعيينها والحفاظ عليها ، اما وجوب صرفها على مستحقيها فهو غير واجب على المالك فللمالك ان ينقل الزكاة الى الحاكم الشرعي فالصرف وظيفة الحاكم الشرعي لا وظيفة المالك؟

ولكن يقال:- هذا البيان غير تام فقد تقدم ان ولاية المالك في عرض ولاية الحاكم الشرعي لا في طول ولايته ، فكما ان للحاكم الشرعي صرف الزكاة في مواردها ومصارفها ، كذا للمالك صرف الزكاة في مواردها ومصارفها ، ولا يجب على المالك ان يستأذن من الحاكم الشرعي لان ولايته في عرض ولاية الحاكم الشرعي لا في طولها.

اذن اذا تعلقت الزكاة بالمالك فكما يجب على المالك اخراج هذه الزكاة وتعيينها كذا يجب صرفها في مواردها ومصارفها ولا يجوز له التعطيل والتسامح والتأخير اذا كان متمكنا من صرفها في مواردها ولا يجب عليه ان يستأذن من الحاكم الشرعي وله ولاية في عرض ولاية الحاكم الشرعي.

اذن جواز التأخير لا دليل عليه بل الروايات تدل على وجوب صرفها في مواردها وعدم جواز تأخيرها وهنا روايات كثيرة تدل على ذلك:-

منها:- صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ((قال : سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات ، أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد ؟ فقال : متى حلت أخرجها . وعن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، متى تجب على صاحبها ؟ قال : إذا صرم واذا خرص))[6] .

فان هذه الصحيحة تدل على عدم جواز التأخير وتوجد روايات اخرى تدل على عدم جواز التأخير ايضا.


[2] قال (قدس سره) ((نعم، لا شبهة في أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة عدم الجواز، فإنّ نقل الزكاة تصرّف في الأمانة يحتاج جوازه إلى الدليل، ولكنّه يكفي فيه إطلاقات الأمر بالأداء الواردة في الكتاب والسنّة، فإنّها تشمل الأداء في البلد وخارجه بعد فقد الدليل على التقييد بالأوّل)). مستند العروة الوثقى، البروجردي، ج14، ص234.
[4] الدالة على جواز النقل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo