< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دوران الأمر بين الأقل والأكثر

 

ما زلنا في بحث دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين. وقلنا إن الشيخ الأعظم الأنصاري تمسك بالبراءة وتبعه السيد الأعظم في التمسك بالبراءة وإن كان طريق كل منهما يختلف عن طريق الآخر. والشيخ الأعظم الأنصاري تمسك بالبراءة بدعوى أنّ وجوب الزائد، نفس الوجوب مشكوك فيه، فتجري فيه البراءة العقلية ثم البراءة الشرعية. وكذلك السيد الأعظم يقول إنّ العلم الإجمالي غير منجّز. فالعلم الإجمالي إنما يتنجز مع تعارض الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة. وإذا كان الأصل لا يجري في الطرفين وإنما يجري في أحد الطرفين دون الآخر فحينئذٍ لا تعارض بين الأصول العملية حتى يكون هناك علم إجمالي منجّز. هذه الكلمات لهذين العلمين، وفي ضوء ما اضطررت لإعادة بعض المطالب للفاصل الزمني الذي حصل بينها لنتذكر حتى نفهم كلمات الأعلام رضوان الله تعالى عليهم. وقلت فيما تقدّم إنّ هذه الدعوى من السيّد الأعظم رضوان الله تعالى عليه من أنه العلم الإجمالي يتنجز مع فرض تعارض الأصول العملية فقلنا إنّ الأصول العملية لا تتعارض لأنّ التعارض إنما يكون بالدلالة الالتزامية غالباً ولا يكون بالدلالة المطابقية. فالأصل الجاري في طرف إذا كانت له دلالة التزامية تنفي مدلول الأصل العملي في الطرف الآخر وكذلك العكس فحينئذٍ يتصوّر التعارض، وأما إذا نفينا الدلالة الالتزامية للأصول العملية كما هو معروف في كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم فلا تصل النوبة إلى تعارض الأصول. فحينئذٍ لا نقول نحن إنّ تنجّز العلم الإجمالي متوقف على تعارض الأصول بل نفس العلم الإجمالي هو موجب للمؤاخذة والمطالبة في الدنيا والآخرة. فإذاً، كلام السيّد الأعظم غير واضح، وكذلك كلام الشيخ الأنصاري أيضاً غير واضح باعتبار انه أرجع الشك في المكلّف به إلى الشك في التكليف وهذه مسامحة إذا لم تكن مغالطةً. وقلنا إنّ وجوب الأقل لا يعني الأقلّ مع قطع النظر عن قيد إضافي بل متعلّق التكليف أقل يعني بشرط أن لا يكون فيه تلك الزيادة المحتمل دخولها في ضمن الواجب. والاحتمال الثاني أن يكون الواجب هو الأكثر ليس يعني وجوب الأكثر فقط هذه الزيادة لهذه السورة مثلاً أو زيادة جزء معين فالجزء المعين ليس واجباً مستقلاً بل الواجب المستقل هو مجموع الأقل والأكثر. ففي الواقع الواجب هو الأقل بشرط عدم الزيادة أو الواجب الأكثر وهو الأقل بشرط الزيادة، الأقل بعدم شرط الزيادة أو الأقل بشرط الزيادة وهما الأقل بشرط شيء والأقل بشرط لا شيء فهما متباينان وليسا في الواقع أقل وأكثر. هذا مضافاً إلى ما نفيناه من اصل البراءة العقلية، فالبراءة العقلية تتعقل إذا كان هناك احتمال عدم البيان، بعد فرض تصريح الآيات الشريفة بأنّ الله تعالى ما من شيء إلا وبيّنه، فقال الله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" فإذا كان بعض الإسلام غير مبيّن ولو جزء واحد أو حكم واحد يلزم من ذلك عدم مطابقة الآية والعياذ بالله للواقع. وكذلك الرسول الأعظم في حجة الوداع، الحجة التي دعا فيها المسلمين جميعاً إلى الوصول إلى مكة ليبيّن لهم ما يجب عليه أن يبيّن للجميع فقال صلى الله عليه وآله واقفاً بباب الكعبة ما مضمونه: ما من شيء يقرّبكم إلى الله إلا قد بيّنت لكم وما من شيء يبعدكم عن الله إلا قد بيّنت لكم. فحينئذٍ لم يبقَ موضوع للبراءة العقلية في الشريعة الإسلامية أبداً. فالنتيجة أولاً هناك خلط في كلمات الأعلام بين الشك في المكلف به والشك في التكليف وخلط في الأقل والأكثر الذي يرجع إلى المتباينين فهذا أيضاً غفلة في كلمات الأعلام. فلا معنى لجريان البراءة عن الأكثر وهو الأقل بشرط شيء وليس العلم منصباً فقط على الأقل وهو الأقل بشرط لا شيء بل العلم متعلّق بوجود الواجب في البين الشك والترديد إنما هو في تمييز ما هو الواجب.

فعلى هذا الأساس، بعد استعادة هذه المطالب التي تقدمت كلّها تفصيلاً نعود إلى ما أفاد صاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه فصاحب الكفاية قدّس سرّه قال إنه يلزم من دوران الأمر بين الأقل والأكثر خلف الفرض باعتبار أنّ وجوب الأقل بشرط لا شيء معلوم ووجوب الأكثر وهو الأقل بشرط شيء معلوم فإذا فُرض أنّ الأكثر مشكوك فيه فهذا خلف الفرض، فنحن فرضنا أنّ الوجوب ثابت على كلّ حال ولزم من هذا عدم ثبوت الوجوب على كل حال فيلزم من ذلك خلف الفرض. وكذلك يقول رضوان الله تعالى عليه إنه يلزم من فرض جود الشيء عدمه، ففرض العلم بالتكليف على كل حال بعد فرض كون الأكثر يلزم من فرض التكليف عدم فرض التكليف وهذا مستحيل أيضاً فإنّ لزوم عدم الشيء من فرض وجوده مستحيل. والسيّد الأعظم في مقام ردّ إشكال صاحب الكفاية يقول إنّ هذه مغالطة نبيّنها إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo