الموضوع: دوران الأمر بين الأقل والأكثر

قلنا إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري رضوان الله تعالى عليه مصرّ على أنّه تجري البراءة العقلية والشرعية بالنسبة إلى الأكثر لأنّ الأقلّ هو واجب على كل حال سواء كان الأكثر واجباً أو لم يكن واجباً فيكون الأقل واجباً مع الأكثر وبدون الأكثر فهو واجب فيكون الشك في وجوب الأكثر وأما وجوب الأقلّ فهو معلوم. بهذا البيان الشريف حاول الشيخ الأعظم الأنصاري رضوان الله تعالى عليه أن يبيّن جريان البراءة العقلية أو الشرعية بالنسبة للأكثر. ونحن نريد أن نعرض إشكال صاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه لنفهمه وهو أنه يقول إنه يلزم من فرض العلم عدم العلم ويلزم من ذلك الخلف أيضاً. ولكن قبل أن ندخل إلى كلام صاحب الكفاية نعيد ما قلناه مراراً من أنّ تقسيم العلم إلى التفصيلي والإجمالي مبنيّ على الخلط بين العلم وبين الامتياز مع أنّ الامتياز شيء والعلم شيء آخر فإذا كان يعلم الإنسان بوجود زيد بين هؤلاء الثلاثة ولكنه غير متميز عن غيره ثم بعد ذلك حصل الامتياز فتبيّن أنّ زيد هو هذا مميزاً عن الاثنين. فنفس العلم لم يتغير حتى يقال إنّ العلم كان إجمالياً وصار تفصيلياً. فتقسيم العلم إلى الإجمالي والتفصيلي غير واضح وإنّما هو خلط بين العلم وبين الامتياز. فإذا كان العلم مع الامتياز فيقال إنه هناك علم وامتياز. وإذا كان علم بدون امتياز فهو علم بلا امتياز لا انّ العلم ينقسم إلى قسمين علم تفصيلي وعلم إجمالي. وهذا النحو من التقسيم اشتهر في كلمات الأعلام وهذا الذي اشتهر غير واضح. وبعد هذا التمهيد البسيط نأتي إلى كلام صاحب الكفاية وإشكاله على الشيخ الأعظم الأنصاري رضوان الله تعالى عليهما وهو أنه يقول في حق الشيخ الانصاري أنّ كلام الشيخ الأنصاري يعني أنه نعلم بوجوب الأقل على كل تقدير سواء كان الأكثر واجباً أم لم يكن واجباً فحينئذٍ جعل الأكثر أحد طرفي العلم الإجمالي ثم بعد ذلك يقول إنّ وجوب الأقل معلوم ووجوب الأكثر والزائد مشكوك فيه وهذا معناه الخلف حيث فرضت أن أحدهما معلوم والامتياز مفقود ثم بعد ذلك تقول بأنّ أحدهما معلوم والآخر مشكوك فهذا هو خلف الفرض. وأيضاً يلزم من فرض وجوده عدمه فبالأول فرضت العلم بوجود الواجب بين الأقل والأكثر ثمّ بعد ذلك رفضت أن يكون الواجب هو الأكثر. فالنتيجة أنّ كلام الشيخ الأعظم مبنيّ على الخلف ومبنيّ على أنّ ما فُرض وجوده فُرض عدمه. ولسيّدنا الأعظم رضوان الله تعالى عليه محاولة لردّ كلام صاحب الكفاية نذكرها إن شاء الله تعالى.