< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

تعرض الأعلام رضوان الله تعالى عليهم لبحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين والأجزاء القليلة والكثيرة قد تكون مقدارية وقد تكون عقلية وينحل الواجب إلى اثنين أو أكثر مثل الركوع مع الطمأنينة أو الركوع مطلقاً ولو كان بلا طمأنينة. وبحثنا في القسم الأول وهو الأجزاء المقدارية إذا دار الأمر بين أن يكون الواجب مركباً من أجزاء تسعة أو من أجزاء عشرة مثلاً. فبحث العلماء عن جريان البراءة عن العاشر عن البراءة العقلية وكذلك بحثوا عن البراءة الشرعية. ونحن مع قطع النظر عما استقرّ عليه رأي علمائنا الأبرار رضوان الله تعالى عليهم أحياءً وأمواتاً نريد أن نفهم البراءة العقلية ما معناها؟ فالبراءة العقلية قد يكون موردها الشك في أصل التشريع، هل الشارع المقدس شرع أو لم يشرّع؟ ثمّ قد يكون الشك في أن التشريع قد بيّنه وأوضحه الشارع أم لم يوضحه؟ ثالثاً يكون الشك في أنه هل وصلت إلى الحكم الواقعي الذي بيّنه الشارع أو لم أصل أنا؟ هذه ثلاثة مراحل يحتمل فيها التمسك بالبراءة العقلية. أما من حيث أصل التشريع فالشارع المقدس في الكتاب العزيز قد سدّ الباب سدّاً محكماً، حيث قال: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي.." فالله كمّل الدّين والدّين ليس مختصّاً بالعقائد، بل الدّين مجموع العقائد والفروع فقد أكمل. وإكمال الدين يكون بإنشاء جميع الأحكام وإيصالها إلى العباد وأما مجرد الإنشاء في عالم اللوح المحفوظ لا يراه إلا الإمام ولا يراه إلا النبي صلى الله عليه وآله فلا معنى لأن نقول أنه قد أنشأ الشريعة ولكن موجود في اللوح المحفوظ الذي لا يفهمه إلا المعصوم سلام الله عليه. فالشارع المقدس في كتابه العزيز قد أغلق الباب عن هذا الاحتمال وهو احتمال أن يكون هناك شيء واجب أو محرّم أو مكروه أو مستحب في أصل جعل الشريعة الشارع لم يشرعه ولم يكمل التشريع فهذا الاحتمال مرفوض جملةً وتفصيلاً. وأما المورد الثاني للبراءة العقلية وهو أن يكون قد شُرّع ولكن لم يوضَّح والتوضيح لم يتحقق. وعدم التوضيح له معنيان، إما أن يكون هناك قصور والعياذ بالله أو تقصير من قبل المولى حيث أنشأ الحكم ولم يبيّنه، الشارع والرسول الذي في صدره الاحكام لم يبيّن فهذا معناه أنه يكون هناك قصور أو تقصير والعياذ بالله من قبل المولى، وهذا المعنى أيضاً مرفوض بإعلان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع لمّا واقف في عتبة باب الكعبة ماسكاً عضادة الباب صاح بصوت عالٍ والناس كلهم يسمعون كلامه الشريف ومضمونه: ما من شيء يقرّبكم من الله إلا قد بيّنت لكم وما من شيء يبعدكم عن الله إلا قد منعتكم عنه. وكلامه الشريف بلاغته شبيهة بلاغة القرآن فما قال فقط بيّنت الواجبات والمحرمات بل ما يقربكم، فالواجب يقربنا والمستحب يقربنا، وكذلك الحرام يبعدنا والمكروه يبعدنا فكل ذلك قد بيّن. فإذاً التمسّك بالبراءة العقلية لأجل الشك في التشريع وعدم التشريع أو الشك في بيان ما شُرّع لا معنى له أصلاً بعد هذين النصّين، نص القرآن ونص كلام النبي صلى الله عليه وآله. إنما الكلام يكون في أنه أنا لقصوري وتقصيري لم أصل للحكم الشرعي مثل الطفل أو المجنون الذي لم يصل إلى الحكم الشرعي أو ولد في عرض الصحراء لم يصله دين أو غيره ولكن العقل يقول بأن هذا الكون لا يمكن أن يكون بلا خالق ولا بد له من نظام فالعقل يدفع إلى البحث عن النظام الذي فرضه خالق الكائنات.

فبالنتيجة إذا كان عدم الوضوح لقصور أو تقصير فهذا ممكن وكل مصائب الشريعة ناشئة من هذا، من عدم وصول المكلف لقصور أو تقصير وهذا ليس معنى البراءة العقلية بل هذا يكون براءة شرعية. فالبراءة العقلية فقط في موردين الشك في أصل التشريع والشك في بيان التشريع من قبل حامل الشريعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار. فإذاً ما معنى البراءة العقلية؟ فإنهم قالوا إنّ مصبّ البراءة العقلية هو الشك في أصل التشريع وهذا لا يُتعقّل بعد هذين النصّين، نصّ من الكتاب العزيز ونصّ من كلمات النبي الأعظم صلى الله عليه وآله. فأغلق رسول الله صلى الله عليه أفواه الناس بهذا البيان. ومع ذلك أراد أن يضيف فقال آتوني بكتف ودواة.. فوقف عمر وقال عرفت أنه يريد أن ينصّب مرّةً أخرى علي بن أبي طالب ولذلك منعته، مع أنّ خلافة امير المؤمنين عليه السلام وخلافة أولاده ثبتت بالتواتر. ولذلك في الرحبة عندما كان هناك مجموعة من الشيبة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فأمير المؤمنين وقف وأشهدهم على أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال يوم الغدير: من كنت مولاه فهذا علي مولاه حيث لزم يده واقسمهم على أنه من كان يعرف وكان حاضر فليقم ويشهد فشهد فلان وفلان وفلان فثبت التواتر مرة ثانية، فيا امير المؤمنين ماذا فعلت فقيّدت الامة بقلادتين وهذا اللعين وأحد المنافقين أيضاً كان موجوداً فقال امير المؤمنين لماذا لم تشهد فقال قد كبرت فقال ما مضمونه اللهم إن كان كاذباً فارمه بعيب لا تواريه العمامة فأصيب في نفس المكان من جبهته وكان ينزل العمامة فلا تغطيه وكان يُسأل مما هذا فيقول هذا دعا به العبد الصالح. فالنتيجة أنه هذا القدر من التواترات في ولاية اهل البيت عليهم السلام وبعد ذلك يشَكّ فيها؟! والنتيجة أن البراءة العقلية لا وجود لها أصلاً. من حيث أصل الاحتمال موجودة ولكن لا مورد لها. نعم، البراءة الشرعية موجودة، فإذا تعبت ولم أصل فيقول: رفع عن أمتي ما لا يعلمون... نسيت، فيقول رفع عن أمتي ما لا يعلمون والنسيان والوسوسة وكل ما ذكر في الحديث، فهذه البراءة الشرعية. فعندنا لا يوجد براءة عقلية ولكن مع ذلك العلماء بحثوا ونحن مع قطع النظر عن هذا الرأي نبحث ما أفاد الأعلام لأننا في مقام فهم كلمات العلماء رضوان الله تعالى عليهم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo