< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين.

 

الكلام في المسألة الثانية من المسائل الثلاث التي وقع كلام الأعلام فيها منذ الشيخ الأعظم الأنصاري إلى يومنا هذا. وهذه المسألة ما إذا كانت الملاقاة والعلم بالملاقاة لأحد الأطراف سابقاً على حصول النجاسة وعلى العلم بنجاسة أحد الإناءين. هذه المسألة ألحقها الشيخ الأعظم الأنصاري والشيخ النائيني رضوان الله تعالى عليهما بالمسألة السابقة دليلاً وحكماً. فهناك قالا رضوان الله تعالى عليهما بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي ووجوب الاجتناب عن الملاقى وعدله الطرف الثاني. ولكن المثال الذي طرحه السيد الأعظم على ما نسب إليه غير واضح علينا. ففرض قدّس الله روحه الطاهرة على ما نُسب إليه أن إناء فيه ثوب وإناء آخر فيه ماء أيضاً وليس فيه شيء. ثمّ بعد ذلك وقعت النجاسة ولسنا ندري أنّ النجاسة وقعت في الإناء الذي فيه ثوب أو وقعت في الطرف الثاني. فهاهنا بمقتضى مثاله الشريف السيد الأعظم فرض أن الثوب يجري فيه حكم الملاقي فكلمات الأعلام يريد أن يحملها على هذا المثال، مثل الشيخ الأعظم الأنصاري والمحقق النائيني أنهما يحكمان بعدم وجوب الاجتناب عن الثوب ويحكمان بوجوب الاجتناب عن الماء الذي موجود فيه الثوب. وهذا المثال حسب تصورنا جداً غير واضح؛ إذ وقوع الثوب في الماء مسبقاً قبل العلم بالنجاسة حال هذا الثوب حال نفس الإناء الذي وقع فيه الثوب فهل من فقيه أو أصوليّ يتخيّل أنّ الماء الموجود في الإناء يجب الاجتناب عنه بمقتضى العلم الإجمالي، وأما نفس الإناء المحيط بهذا الماء لا يجب عنه؟!! هذا جدّاً غير واضح.. فالمثال الذي جعله السيّد الأعظم توضيحاً لمحلّ البحث غير واضح. ولعلّ المثال السليم أن يقال هكذا، أنّه ماء في إناء وماء في إناء آخر وعلمنا بتحرك ثوب أو جسم غير ثوب نحو أحد الماءين فهذا التحرك والملاقاة حصل ثم علمنا بوقوع النجاسة في الماء والملاقاة تستمرّ لا أن الملاقاة انفصلت، فعلمنا بوقوع النجاسة في هذا الإناء الذي لاقاه الجسم أو الماء الآخر الذي هو عدل الماء الأول فأتصور أن هذا هو المثال السليم وليس ما نسب إلى سيّدنا الأعظم رضوان الله تعالى عليه. ثمّ اختار الشيخ الأعظم الأنصاري والنائيني رضوان الله تعالى عليهما وجوب الاجتناب عن الملاقى وعدله بمقتضى سقوط الأصل العملي فيهما، وأما الملاقي فلا يجب الاجتناب عنه، لأن الشك في نجاسة الملاقي ناشئ عن الشك في نجاسة الملاقى فتكون نجاسة الملاقي مسببة عن نجاسة الملاقى فالأصل الجاري في الملاقى مقدّم على الأصل الجاري في الملاقي باعتبار أن الأصل الجاري في السبب مقدّم على الأصل الجاري في المسبب. فإذا قلنا بجريان الأصل في السبب وهو الملاقى والطرف الآخر فلا نحتاج ولا نفتقر على التمسك بالأصل في الملاقي لأنّ منشأ نجاسة الملاقي هو العلم بنجاسة الملاقى فإذا حكمنا بطهارة الملاقى فحينئذٍ لا يبقى شك في طهارة الملاقي. ولكن الأصل الجاري في الملاقى ساقط بالمعارضة بين الأصل الجاري في الملاقى والأصل الجاري في الطرف الآخر، فيتعارضان ويتساقطان. فإذا سقط الاصلان، الأصل الجاري في الملاقى والأصل الجاري في الطرف الآخر فحينئذٍ تصل النوبة إلى الأصل الجاري في الملاقي لأنه كان محكوماً بالأصل الجاري في الملاقى، والمفروض أنّ الأصل الجاري في الملاقى قد سقط وقد مات فلا يبقى هناك مانع من التمسّك بالأصل الجاري في الملاقي. فالنتيجة أننا نتمسّك بالأصل الجاري في الملاقي فنحكم بطهارته بخلاف الملاقى والعدل له فيجب الاجتناب عنه بمقتضى العلم الإجمالي. والصحيح في النقاش ما قلناه مراراً وهو أنّ التعارض والتساقط إنما يكون في الأصول العملية وكذلك في معظم حالات الأمارات إنما يكون بالدلالة الالتزامية فإذا لم نلتزم بالدلالة الالتزامية للأصل فلا يتصوّر التعارض بين الأصل الجاري في الملاقى وبين الأصل الجاري في عدله. والمفروض أنه لا نقول بالدلالة الالتزامية فإذا لم نقل بالدلالة الالتزامية فلا تعارض بين الأصلين.

 

ولكن مع ذلك أقول إنّ الأصلين لا يجريان باعتبار أنّ أدلّة حجيّة الأصل إنما تثبت حجيّة الأصل مع فقدان العلم. ومع وجود العلم، إجمالياً كان أو تفصيلياً، لا يبقى هناك مورد للأصل أصلاً.. قال عليه السلام: "كل شيء لك طاهر حتى تعلم..." وأنا علمت بوجود النجس بين الطرفين فكيف تجري أصالة الطهارة؟! فالنتيجة أنّ أصالة الطهارة لا تجري، لا في الملاقى ولا في الطرف الثاني لوجود العلم، ووجوب اتّباع العلم من الأحكام العقلية الحاسمة فوجب الاجتناب عن الملاقى بمقتضى العلم وهاهنا علم واحد بنجاسة الملاقى والملاقي أو نجاسة الطرف الآخر فليس هاهنا علمان؛ إذ المفروض أنّ النجاسة وقعت بعد حصول الملاقاة. فالنتيجة أنه يكون متعلّق العلم في أحد الطرفين متعدداً وهما الملاقي والملاقى وفي الطرف الآخر واحداً، هذا هو الصحيح والعلم عند الله. ونذكر إشكال السيّد الأعظم على العلمين إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo