< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين.

كنا نحاول فهم استدلال أحد المستدلّين الذي قال إنّ الملاقي لأحد أطراف النجس المعلوم بالنجاسة بالعلم الإجمالي هو عين نجاسة الملاقى. وطبعاً معلوم أنّ الغاية من هذه الوحدة أو التعدد إثبات لوازم النجاسة فإن قلنا عينها تثبت اللوازم الموجودة في الملاقى للملاقي أيضاً وإن قلنا غيرها فيكون لكل واحد منهما حكمه ومحل احتماله. وبعد هذا الانتباه ما زلت مصرّاً على أنه لا أقول بأنّ نفس الحكم ينتقل من الملاقى إلى الملاقي بل أقول فقط يجب الاجتناب عن الملاقي كما يجب الاجتناب عن الملاقى وعدله في الطرف الثاني. ولكن صاحب اتحاد الحكم الثابت للملاقى مع الحكم الثابت للملاقي استدل بهذه الرواية التي رواها صاحب الوسائل رضوان الله تعالى عليه من أنه كما قلنا رجل سأل الإمام سلام الله عليه أنه وقعت فارة في خابية مليئة بالدهن أو الزيت ما حكم هذا الزيت؟ والإمام قال لا تأكله ونهاه عنه، فقال الفأرة أهون علي أن أترك الخابية كلها من أجل فأرة فكأنّه تخيّل أنّه لا يعقل أن يحرّم الشارع الخابية كلها بواسطة الفأرة فقط. هكذا استبعد والغمام قال أنت استخففت بدينك. ومحل الشاهد بيني وبين السيد الأعظم وبين هذا المستدل الفقرة الأخيرة في الرواية وهي إنّ الله حرّم الميتة من كل شيء. فالمستدل يستدل بأن الغمام بهذه الجملة الشريفة أثبت للدهن نفس الحرمة والنجاسة الثابتة للفارة، فهذا تأييد لموقفه من أن الحكم في الملاقي هو عين الحكم في الملاقى. والسيد الأعظم قال إنّ الإمام ليس في مقام بيان ذلك بل في مقام رفض استهانة السائل بالحكم الإلهي. وأنا أقول أنه استدلال المستدل ليس تاماً لأجل أنّ الإمام حكم بثبوت النجاسة والحرمة في الدهن وأن هذه النجاسة والحرمة تسببت من وجود ميتة فيه لأنه قال إنّ الله حرّم الميتة من كل شيء، فكما أن ميتة الفأرة مرمة فكذلك الدهن أو السمن أيضاً محرم فالإمام حكم بالحرمة لا أنه قال إن نفس النجاسة انتقلت، فهذا جوابنا عن استدلال هذا المستدل. فالصحيح أنّ الاستدلال غير تام لإثبات الوحدة بين حكم الملاقي وبين حكم الملاقى.

ثمّ هنا معضلة نشأت عن النظرية التي أشرت إليها. وكنت أتصوّر قبل الانتباه أنّ هذه النظرية التي ألقيتها في الجلستين السابقتين هي موجودة في كلمات الأعلام رضوان الله تعالى عليهم وهو أنه يجب اجتناب الملاقي لأجل حدوث علم إجمالي غير العلم الإجمالي الموجود سابقاً. فالعلم الإجمالي الموجود سابقاً هو نجاسة أحد طرفي العلم الإجمالي إمّا اليمين وإما اليسار ولكن إذا حصلت ملاقاة شيء لأحد الأطراف ففي مثل ذلك يحدث علم إجمالي آخر وهو علم إجمالي بنجاسة هذا الملاقي مع الملاقى أو نجاسة ذاك الطرف الآخر عدل طرف العلم الإجمالي الأوّل. وقلت مراراً إنّ العلم يتعدد بتعدد العالم ويتعدد بتعدد المعلوم أيضاً. ولذلك نقول إنّ العلم في ذهن الأستاذ ثمّ درّس تلميذه فاصبح عالماً فالعلم الموجود في ذهن ونفس التلميذ هو غير العلم الموجود في نفس الأستاذ وإلا فالأستاذ يفرغ من علمه إذا قلنا إنّ نفسه انتقل. فليس كذلك بل يحدث العلم في نفس التلميذ ببركة العلم الموجود والكلمات المسموعة من الأستاذ. فإذاً العلم الثاني غير العلم الأول. فالعالم إذا تعدد العلم يتعدد، كذلك المعلوم. وفي المقام في محل الكلام العلم الأول كان طرفاه الملاقى وذاك عدله وفي العلم الثاني الملاقي والملاقى طرف والطرف الثاني هو عدل الأول. فالنتيجة أنه يحدث هنا علم آخر غير العلم الأول. وكما أن العلم الأول يجب اتباعه ويحرم مخالفته ليس لأجل تعارض الأصول بل حسب قولنا نفس العلم علقة في رقبة العالم محاسب عليه في الدنيا والآخرة. فهذه نظريتي وأخيراً اطّلعت أنها موجودة في كلمات الأعلام. والشيخ الأعظم الأنصاري اشكل على هذه النظرية بدعوى أنّ الأصل الجاري في السبب حاكم أو وارد على الأصل الجاري في المسبب ولا يجري الأصل المحكوم مع وجود الأصل الحاكم. فيقول في هذا الفرض إذا حصلت الملاقاة فهناك موردان للأصل أصالة الطهارة في الملاقى وهذا حاكم على الأصل الجاري في الملاقي لأنّ الشك في النجاسة والطهارة في الملاقي مسبب عن الملاقى. فالأصل الجاري وهو أصالة الطهارة في الملاقي مسبب عن الأصل الجاري في الملاقى، فمع وجود ذلك الأصل يحكم. فإذا قلنا بسقوط الأصل الجاري في الملاقى لأجل المعارضة حسب رأيه ورأي السيد الأعظم، وأنا لا أقول بالمعارضة، فالأصل الجاري في الملاقى يسقط وهو أصالة الطهارة وأصالة الحلية فيسقطان بالمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الثاني فإذا سقط فحينئذٍ أصالة الطهارة في الملاقي كان ميتاً ببركة الأصل الحاكم والحاكم لما سقط فالأصل الجاري في الملاقي يحيا ويعود فتجري أصالة الحل في الملاقي ويحكم بطهارته ولا يجب الاجتناب عنه. وهذا الذي قاله الشيخ الأعظم الانصاري عندنا غير واضح جداً. أوّلاً أنه لا أقول بوجوب الاجتناب عن الملاقي لأجل سقوط الأصل وإنما أقول بالعلم والعلم علمان في المقام العلم الأول والعلم الثاني ومع وجود العلم لا يجوز. وثانياً إنّ الأصل الجاري في الملاقي يسقط كما يسقط الأصل الجاري في الملاقى فلا يبقى أصل أصلاً وإنما يجب الاجتناب بمقتضى العلم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo