< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين.

ذكر العلماء وما زالوا يذكرون ومنهم السيد الأعظم رضوان الله تعالى عليه أنه التعارض بين الأصول إذا تحقق في الأصول الجارية في أطراف العلم الإجمالي فحينئذٍ يكون العلم الإجمالي منجّزاً. وأما إذا لم يتحقق التعارض بسبب عدم جريان الأصل في أحد الأطراف فلا يكون العلم الإجمالي منجّزاً. وهذا المعنى في الجملة نقبله ولكن إنما الكلام في بعض المباحث التي أثيرت في ضمن هذا الكلام. ومن جملة المباحث أنه إذا كان المكلّف يعلم بنجاسة أحد الكأسين الشرقي أو الغربي ولكن أحد الكأسين الشرقي مغصوب فبما أنه مغصوب فبحكم الشارع هو خارج عن محل الابتلاء. فالشارع يقول ابتعد، لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه، فهذا محرّم عليك معيّناً باعتبار كونه مغصوباً. فإذا كان خارجاً عن محل الابتلاء فحينئذٍ لا يجري الأصل العملي فيه في نفسه لأنّ الأصول العملية إنما تجري حيث يكون لها أثر عملي ولذلك سمّيت هذه الأصول بالأصول العملية، فإنها تترتب عليها جواز العمل أو حرمة العمل ونحو ذلك. وهذا التعبير اصطلاحيّ لا غبار عليه، وإنما الكلام في ما يقول السيد الأعظم من أنه إذا حصل العلم بنجاسة أحد الكأسين وأحدهما مغصوب والآخر مباح فهاهنا يقول إنه لا يجري الأصل في الطرف المغصوب باعتبار أنه ليس لهذا الأصل أثر في ذلك، فإذا لم يجر الأصل فلا يكون هناك تعارض بين الأصل الجاري في طرف المغصوب وبين ذاك الطرف الثاني المباح لأنه هناك يجري الأصل وهاهنا لا يجري. فإذا لم يكن هناك أصل في الطرفين فلا تعارض، فلا حجية للعلم الإجمالي حينئذٍ ولا تنجّز حسب تعبيره الشريف رضوان الله تعالى عليه بناءً على القول بمراتب الحكم. ولكن هذا الكلام الشريف منه غير واضح. أمّا أوّلاً فلأنّه قلنا مراراً في هذه المباحث الجارية حول الشك في المكلّف به إنّ العلم حجّة فينفسه مع قطع النظر عن جريان الأصول في الأطراف وعدم جريان الأصول، وليست حجيّة العلم متوقفة على عدم جريان الأصول بل العلم بنفسه حجّة وبذلك قلنا وقال العلماء وقال القرآن أيضاً. ولذلك يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال كنت تعلم أو لم تكن تعلم فيقول كنت عالماً وإن قال كنت جاهلاً يقال له هلا تعلّمت. فإذاً، العلم بما هو علم هو حجّة مع قطع النظر عن جريان الأصول أو عدم جريان الأصول، هذه ملاحظة تقدّمت أكثر من مرة. ثمّ يقول رضوان الله تعالى عليه إن الحجية في العلم تثبت بعد تعارض الأصول فيما بينها وهذا أيضاً رفضناه مراراً، وقلنا إنّ التعارض في الأصول غير محتمل وغير وارد لأنّ التعارض إنما يثبت بين الدليلين بلحاظ الدلالة الالتزامية أو الدلالة التضمنية الخاضعة والجارية مجرى الدلالة الالتزامية، فيكون للفظ دلالة على بعض الأجزاء ولا تنفك هذه الدلالة عن الدلالة المطابقية فحينئذٍ يكون هناك تعارض وأما إذا لم يكن هناك دلالة التزامية فلا تعارض. والأصول العملية لا دلالة التزامية فيها، وأنت يا سيّدنا الأعظم لا تثبت لوازم الأصول العملية بل تتمسك بالأصول وإن كان بينهما دلالة التزامية متعارضة. فدعوى وقولك الشريف أنّ الأصول إذا سقطت بالمعارضة فحينئذٍ يكون العلم الإجمالي منجّزاً فهذا غير واضح. إضافةً إلى أنه يمكن أن يثبت للفعل الواحد حكمان متشابهان أو غير متشابهين والعمدة المتشابهان يعني يثبت للفعل وجوبان أو يثبت للفعل حرمتان فهذا الكأس المغصوب يمكن أن تثبت فيه حرمتان إحداهما الحرمة من جهة الغصب والأخرى من جهة النجاسة. فإذا أمكن اجتماع حرمتين في فعل واحد فكلّ حرمة تكون خاضعة أو ناشئةً من دليل. ففي المقام حرمة هذا الكأس من جهة الغصب لأنه تصرّف واعتداء على مال المسلم ومن جهة أنه حرام نجس فيكون هناك حرمة أخرى. فلا مانع من اجتماع حرمتين وله أمثلة كثيرة في الفقه الإسلامي، فترتفع حرمتان في فعل واحد أو وجوبان في فعل واحد. فإذا كان الأمر كذلك فيمكن أن يجري الأصل العملي في الكأس المغصوب لنفي الحرمة الثانية وهي الحرمة الثابتة بواسطة النجاسة. فعلى هذا، تجري الأصول العملية في كلا الطرفين، الطرف المغصوب والطرف المباح. فالنتيجة أن كل النقاط الثلاث تمكنّا من الخروج منها مع أن هذه النقاط الثلاث لا نؤمن بها من أساسها أصلاً، فلا نؤمن بأن حجية الأصول تسقط بالتعارض وأنّ العلم الإجمالي متوقّف على التعارض فكل ذلك لا نقبله، ومع ذلك تمكنّا من إثبات مطلبنا في ما يشترطه السيّد الأعظم في هذا البحث.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo