< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين.

ما زلنا في إطار كلمات العلمين المحقق النائيني والسيد الأعظم رضوان الله تعالى عليهما وقلنا إنّ المحقق النائيني ملتزم بأنّ الحرمة الواقعية ترتفع إذا ارتكب المكلّف في حالة الاضطرار ما هو حرام واقعاً ولم يكن يميّزه عن غيره كما هو مفروض الكلام. ولكن السيد الأعظم أشكل عليه بإشكال ثانٍ غير الإشكال الذي تقدّم في الجلسة السابقة. وملخّص إشكال سيّدنا الأعظم يقول أنّ الله سبحانه جعل الحرمة وينشئ الحرمة وينشئ المنع من الفعل لأجل أن يكون ذلك التحريم وذلك المنع من المولى رادعاً للمكلف عن ارتكاب هذا الفعل. والغاية من جعل الحرمة هو منع العبد وإبعاده عن ارتكاب الفعل فكيف يمكن أن تكون الحرمة مرتفعةً بالارتكاب؟ فالحرمة ارتفعت في محل كلام النائيني بالارتكاب مع أن الغاية من الحرمة هو المنع من الارتكاب فهذا غير معقول. هذا إشكال ثانٍ لسيدنا الأعظم. وهذا الإشكال بالنسبة لي غير مفهوم. والوجه في ذلك أنّ التحريم رادع للعبد إذا كان مختاراً وتمكنّاً من الفعل والترك على حدّ سواء. وأمّا إذا كان هو غير قادر على الترك فحينئذٍ الحرمة غير مجعولة في حقه. فما قال سيّدنا الأعظم من أنّ التحريم والمنع لأجل ردع المكلف فهذا في حالة الاختيار وليس في حالة الاضطرار. فقد حصل الخلط في الكلام المنسوب إلى سيّدنا الأعظم بين ما إذا كان الإنسان مختاراً في الارتكاب وبين ما يكون مضطراً إلى الارتكاب. ثمّ أنّ النائيني قال في ضمن الكلام المنسوب إليه رضوان الله تعالى عليه يقول إنّ الحرمة ترتفع، فما ارتكبه فهو مباح وهذا ناقشناه ومع قطع النظر عن نقاشنا يقول إنّ تنجيز الحرمة باقٍ على حاله. ومعنى بقاء التنجيز أنه لا يجوز ارتكاب الطرف الباقي اختياراً لأنّه إذا ارتكب الطرف الباقي أيضاً فيعلم المكلّف أنه ارتكب الحرام الواقعي قطعاً إما بذاك الذي ارتكبه أولاً أو بهذا الثاني الذي ارتكبه ثانياً فالتنجيز باقٍ على حاله. وبذلك لا يصحّ التمسّك بالبراءة والإباحة ونحو ذلك في الطرف الباقي. هكذا اختار رضوان الله تعالى عليه وهذا غير واضح. أما أوّلاً فالقول بمراتب الحكم لا يعني أنّ زوال الحكم عن المرتبة الأولى يعني زوال الحكم وحلول محله المرتبة الثانية فليس هذا معنى مراتب الحكم بل نفس الحكم كان في المرتبة السابقة وانتقل من تلك المرتبة إلى المرتبة الثانية فقالوا إن المرتبة الأولى الاقتضاء والمرتبة الثانية الإنشاء والمرتبة الثالثة الفعلية والرابعة التنجّز. وصاحب الكفاية في بعض كلماته قسّم الفعلية إلى قسمين فتصبح مراتب الحكم عنده خمسة لا أربعة. فلا يقول إنّ المرتبة الثانية عبارة أخرى عن جعل جديد وعن حكم جديد. فإذا كان الأمر كذلك فأنت أيها النائيني التزمت بأنّ الحرمة الواقعية قد ارتفعت بواسطة اضطرار المكلف لشرب هذا الذي شربه فإذا ارتفعت الحرمة يعني عُدمت يعني نُسخت، عبّر ما شئت من التعبيرات، فما هو المنجّز بعد ارتفاع الحرمة وارتكاب المكلف؟! فليس التنجيز معناه جعل حكم ثانٍ بل معناه أن نفس الحكم السابق من مرتبة الفعلية ارتفع إلى مرتبة التنجز والتنجز يكون عندهم بعد العلم بالتكليف فالعلم بالتكليف يجعله فعلياً وبعد تمكنه من الارتكاب وعدم اضطراره يكون منجزاً. فالنتيجة أن نفس الحكم يتنجز والمفروض أنّ نفس الحكم قد ارتفع ولم يبقَ له أثر فمن أين يأتي التنجيز؟! وأما دعواه رضوان الله تعالى عليه أنّ العلم موجود فهذا غير واضح أيضاً باعتبار أن العلم يتعدد بتعدد العالم وبتعدد منشأ العلم وكذلك العلم يختلف باختلاف مراتبه وكذلك يختلف العلم من حيث متعلق العلم أي المعلوم. هذه أسباب مختلفة لاختلاف العلم وتعدد العلم، وفي المقام العلم الذي كان قبل ارتكابه غير العلم الذي هو بعد الارتكاب. فالعلم الذي قبل ارتكاب هو العلم بوجود الحرام الواقعي بين الأطراف، هذا العلم السابق والمعلوم هو ذلك الحرام الواقعي والآن العلم بأنّ هذا طرف لذلك المعلوم بالإجمال في العلم السابق، وهذا العلم الثاني يختلف عن العلم السابق. فإذا كان يختلف فلا يمكن لك أيها النائيني أن تقول أنّ العلم بالحرمة باقٍ والتنجيز باقٍ فلا يجوز الارتكاب. فالصحيح والعلم عند الله وعند الراسخين في العلم أنه بعدما ارتكب أحد الأطراف سواء كان هو الحرام الواقعي أو غير الحرام الواقعي في الطرف الباقي تجري الأصول العملية كلّها كالبراءة واصالة الحل إلى غير ذلك من الأصول العملية. والدعوى التي في ضمن كلمات السيّد الأعظم من أنه هناك تعارض فهذا تكلّمنا فيه فيما سبق والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo