< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

 

كنا نحاول فهم المعضلة التي اثارها الأعلام رضوان الله تعالى عليهم في المقام وهي أنه إذا علم المكلف بحرمة أو نجاسة أحد الأطراف ثمّ اضطرّ إلى ارتكاب بعض هذه الأطراف، وقد يكون الاضطرار إلى معيّن وقد يكون إلى غير معيّن، فالاضطرار إذا كان إلى معيّن فذاك تقدّم الكلام فيه مع الأعلام رضوان الله تعالى عليهم فلا نعيد ولا نحتاج إلى الإعادة. وإنّما الكلام فيما إذا كان مضطرّاً إلى واحد لا بعينه وليس مضطراً إلى معيّن فهنا المحقق النائيني وتبعه السيد الأعظم عندهما رأي وهو أنّ المضطرّ إليه لا هذا المعيّن ولا ذلك المعيّن بل المضطرّ إليه واحد لا بعينه. فعلى هذا، يكون المضطر إليه هو ذلك المردد حسب ما قاله السيد الأعظم تبعاً لأستاذه المحقق النائيني. وعبّر عن ذلك الفرد المردد بالجامع. وقلنا في جلساتنا السابقة أنّ هذه النظرية أقل ما يقال غير واضحة لأنّ الواحد لا بعينه والفرد المردد يستحيل وجوده في الخارج ولا يمكن أن ينطبق على أي واحد مما هو موجود في الخارج لأنّ كل موجود في الخارج معيّن والواحد لا بعينه لا يجتمع مع المعيّن. ثمّ إنّ التعبير عن غير المعيّن بالجامع غير واضح لأنّ الجامع معناه يجتمع مع هذا وذاك، مع كلّ واحد من الأطراف ولا بعينه لا يجتمع مع واحد منهم، فالتعبير عنه بالجامع أيضاً غير واضح. هذا اختلافنا مع العلمين رضوان الله تعالى عليهما في أصل النظرية. ثمّ هل المضطر إليه هو ذلك الفرد المردد كما قاله السيد الأعظم تبعاً للنائيني أو المضطرّ إليه هو الطبيعة المنقسمة بين الأفراد. ومراراً قلنا في موارد مختلفة أنّ الطبيعة تنقسم بعدد الأفراد مثل الحبل الذي يقطّع إلى قطع مختلفة، فكذلك الله سبحانه قسّم الطبيعة وجعل كلّ قسم من الطبيعة مستقلاً عن غيره. فعلى هذا الأساس، يكون المضطر إليه الطبيعة لا أنه الفرد المردد باعتبار أن المضطر غليه ما يترتب عليه الأثر المتوقع، والاثر المتوقع إنما يترتب على الطبيعة. فالأثر المقصود للمرتكب هو رفع العطش حسب الفرض والعطش لا يرفعه عنوان لا بعينه بل يرفعه نفس الطبيعة التي جعل الله سبحانه فيها قوة رفع العطش. فإذاً، أصل نظرية العلمين غير واضحة. هذا خلاصة ما قلناه في الجلسات السابقة. والآن المحقق النائيني رضوان الله تعالى عليه يقول إنه إذا اختار المكلف واحداً من الأفراد لرفع العطش ولم يكن هو مضطراً إليه والمضطر إليه حسب رأيه هو عنوان الفرد المردد فيقول حينئذٍ ترتفع الحرمة الواقعية، وهذا جداً غير واضح. أمّا أوّلاً فلأنّ المضطرّ إليه عندك أيها النائيني هو الفرد المردد وليس هذا الذي اختاره فكيف ينقلب غير المضطر إليه إلى المضطر عليه حسب رأيك المقدّس فهذا غير واضح. وثانياً، تقول إنّ الحرمة الواقعية ترتفع وارتفاع الحرمة الواقعية أيضاً غير واضح فإنّ الاضطرار لا يرفع الحكم الواقعي. فإذا كان الإنسان مضطراً إلى ترك الواجب مثلاً، مضطراً إلى ترك الوضوء والصلاة بدون الطهارة مثلاً، فحينئذٍ لا أنّ الوجوب ارتفع بل الشارع المقدّس لا يؤاخذه على ترك الواجب، وهذا رفع للعقوبة من المولى لا رفع الحكم. وكذلك في الحرمة، معلومة او غير معلومة، إذا اضطر الإنسان لا ترتفع الحرمة بل ترتفع المؤاخذة والعقوبة، وإلا لو قلنا بأنّ الحرمة ترتفع فمعنى ذلك أنّ إرادة المولى تصبح خاضعة لإرادة العبد باعتبار أنّ ما اختاره العبد المولى يجوّزه وما لا يختاره يحرّمه وهذا لا يمكن التفوّه به أبداً. والذي يمكن أن يقال أنّ الشارع بعطفه وفضله ورحمته لا يؤاخذ إذا كان الإنسان مضطراً، فهكذا فهمنا من قوله سبحانه "فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه" يعني ليس مستحقاً للعقوبة لا أنّ الحرمة ترتفع أو الوجوب يرتفع. ولذلك قلنا تبعاً للأعلام في فهم حديث الرفع هناك قلنا أنه رفع عن أمتي ما لا يعلمون لا أن الأحكام الواقعية ترتفع وإنما ترتفع المؤاخذة والعقوبة ونحو ذلك وأنت تقول أيها النائيني أنّ نفس الحرمة ترتفع، فيلزم من ذلك خضوع إرادة المولى لإرادة العبد فالحرمة ترتفع واقعاً يعني أنّ الله حرّم ورأى العبد لا يعلم فرفع الحرمة وهذا لا يلتزم به. هذا وللكلام تتمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo