< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

 

ما زلنا في بحبوحة هذه المعضلة وهي أنه إذا اضطرّ إنسان إلى واحد غير معين، يعني ليس الاضطرار إلى خصوص ما في اليمين أو خصوص ما في اليسار فحينئذٍ ما هي وظيفة المكلّف وما هو الحكم الشرعي في حقه؟

تقدّم الكلام في بعض كلمات السيد الأعظم، والسيد الأعظم ينقل عن أستاذه المحقق النائيني رضوان الله تعالى عليه أنه الاضطرار في الواقع هو للجامع، والجامع كما قلنا في تفسير كلام سيدنا الأعظم هو أحدها لا بعينه، والاضطرار إنما هو إلى ذلك الجامع ولكن المكلف اختار واحداً من المصاديق أو الأطراف لرفع الاضطرار. فحينئذٍ تحول الاضطرار من ذلك الجامع إلى ما اختاره المكلف لرفع الاضطرار. فإن صادف غير الحرام الواقعي فهو لم يرتكب الحرام الواقعي ولم ترتفع الحرمة من الأطراف. وأما إذا اختار ما هو حرام واقعاً فحينئذٍ الحرمة ترتفع واقعاً لأنه أصبح مضطراً إليه، وبمقتضى الاضطرار ترتفع الحرمة عما اضطر إليه المكلف، ولكن بما أنه الاضطرار جاء بعد التكليف وبعد العلم به فلا بدّ أن يكون أثر العلم الإجمالي وهو تنجيزه للتكليف بالواقع في الأطراف باقياً على حاله. فالنتيجة أن لا يمكن التمسك بالأصل العملي في الأطراف الموجودة بل هي تسقط بالمعارضة بين جريان الأصل في هذا وفي ذاك. هذا ملخص كلام المحقق النائيني رضوان الله تعالى عليه. وكلامه الشريف إذا تأملنا فيه تظهر لنا مطالب. المطلب الأول أنه يعتقد بأنّ الاضطرار انصبّ على الجامع الذي فسّره السيّد الأعظم بأحدها لا بعينه. والمطلب الثاني أنّ الاضطرار ينتقل من ذلك الجامع إلى الفرد الذي اختاره المكلف لرفع الاضطرار. والمطلب الثالث أنه إذا كان ما اختاره المكلف محرماً واقعاً فالحرمة ترتفع بسبب الاضطرار وإن لم يكن مضطراً إلى هذا الفرد بل كان مضطراً إلى الجامع ولكن بما أنه اختار وانتقل الاضطرار من ذلك الجامع بفعل المكلف واختياره إلى هذا الفرد فهو يصبح مضطراً إليه وبما أنه اختار ما هو حرام ترتفع الحرمة الواقعية. وبما أنه العلم الإجمالي بوجود الحرام الواقعي باقٍ على حاله فهو منجّز ولا بدّ من اتباعه. ولا تجري الأصول في الأطراف الباقية باعتبار أن الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي تتعارض وتتساقط. هذه المطالب تستفاد من كلام المحقق النائيني. ونحن في مقام فهم كلام المحقق النائيني نقول أما دعوى الاضطرار إلى الجامع المفسّر بأحدهما لا بعينه رفضناه مراراً وتكراراً وقلنا غير واضح فإنّ أحدها لا بعينه من الكليات الفرضية التي يستحيل وجودها في الخارج. فكيف يعقل أن يكون الإنسان مضطراً إلى ما لا يوجد في الخارج. وفرض الاضطرار إلى ما لا يمكن وجوده في الخارج غير معقول لأنّ الاضطرار إنّما يكون إلى ما يعطي الفواؤد التي أحتاج إليها. والمكلف محتاج لرفع العطش إلى الماء والذي يرفع العطش هو طبيعي الماء لا أحدها لا بعينه. وأيضاً معنى كلامه الشريف من أنّ الحرمة ترتفع واقعاً فماذا يعني بأنّ الحرمة ترتفع واقعاً؟! فإن كان يعني أنّ العقوبة ترتفع أو الفعلية ترتفع فالعقوبة ترتفع لأنه مضطر لا أنّه انتقال الاضطرار إلى هذا الفرد بل من أساسه المكلف مضطر إلى الطبيعة والطبيعة تتقسم وتتجزأ حسب تعدد المصاديق والأفراد فكلّ فرد من أفراد الطبيعة أو كل جزء من أجزاء الطبيعة بالتعبير الصحيح هو عبارة أخرى عن الطبيعة فهو مضطر إلى الطبيعة، فإذا كان مضطراً إلى الطبيعة فلا يستحق المؤاخذة إن صادف الحرام الواقعي. فإن كان يقصد عدم الاستحقاق فهذا صحيح ولكن لا معنى لقوله الحرمة لا تبقى بل يقول العقوبة لا تبقى. وإن قلت الحرمة لا تبقى فحينئذٍ أنت قائل بمراتب الحكم ومقتضى قولك بمراتب الحرم أن الحرمة لا ترتفع بل تبقى بمرتبة الاقتضاء أو الإنشاء ونحو ذلك. لكن نحن نقول إنّ الحرمة ترتفع بقوله سبحانه "فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه" فنفي الإثم ملازم لنفي التكليف. وأما ما قال من سقوط الأصول العملية من سقوط الأول العملية بالتعارض فهذا غير واضح جداً لما قلنا مراراً في الجلسات الأخيرة من أنّ التعارض بين الأصول متوقف على القول بالدلالة الالتزامية للأصول. ومعلوم أنّ الدلالة الالتزامية في الأصول غير ثابتة وإلا للزم القول بالأصل المثبت. فالنتيجة أنّ ما أفاده المحقق النائيني جداً غير واضح. ولسيّدنا الأعظم محاولة للإشكال على المحقق النائيني نتعرض لها إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo