< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

 

ما زلنا في المشكلة التي أثارها الأعلام رضوان الله تعالى عليهم في بحوثهم رفع الله درجاتهم أنه إذا كان هناك علم إجمالي بحرمة أحد الكأسين وكلاهما من حقيقة واحدة، فهذا ماء وذاك ماء أو هذا حليب وذاك حليب. فإذا كان المكلف عالماً بحرمة أحد الكاسين من الاء ثم بعد ذلك اضطرّ إلى الشرب، فاختار السيد الأعظم أنّه مع الاضطرار تبقى الحرمة الواقعية على حالها سواء صادف الحرام مع الذي شربه اضطراراً أو لم يصادف الحرام الواقعي ولكن بما أنه مضطر فلأجل الاضطرار رفعت الحرمة. هذا المعنى يصيغه قدس الله بإثبات أن المضطر إليه غير الحرام. فالحرام هو هذا أو ذاك، يعني الموجودات الخارجية. واما المضطرّ إليه فلا هذا المعيّن ولا ذلك المعيّن، وإنما المضطرّ إليه هو عنوان أحدهما. فإذا كان المضطر إليه هو عنوان أحدهما أو أحدها فحينئذٍ المضطرّ إليه ليس ما هو محرّم وما هو محرّم ليس مضطراً إليه والاضطرار يرفع الحرمة بحكم الآية الشريفة. فهذا الاضطرار أجنبي عن ما حرام واقعاً. فإذا كان أجنبياً فلمَ ترتفع الحرمة؟! وصاحب الكفاية أعلى الله درجاته في عليين وكذلك المحقق النائيني اختار كلّ منهما حكماً واحداً ولكن كلّ بطريقه وهو أنّ الحرمة ترتفع باعتبار أنه هو مضطر إلى هذا أو ذاك لا أنه على عنوان أحدهما. السيد الأعظم يقول إنّ المضطر إليه هو عنوان أحدهما، فإذا كان عنوان أحدهما لا ينطبق لا على هذا ولا على ذاك لان عنوان أحدهما مقيد بلا بعينه أو بلا تعيّن وكلّ ما هو موجود أمام المكلف فهو معيّن فالذي هو مضطر إليه غير موجود والموجود هو غير المضطر إليه. فالاضطرار لا يرفع الحرمة الواقعية الثابتة لاحدهما في الخارج بنحو العلم الإجمالي. هذه نظرية سيدنا الأعظم أعلى الله درجاته في عليين. وعلى هذا يبني ردّ كلام الكفاية ورد كلام أستاذه المحقق النائيني. ونحن فعلاً في محاولة فهم والتأمل في مبنى السيد الأعظم رضوان الله تعالى عليه. فهو عبّر عن المضطر إليه أنه الجامع وكذلك عبّر عنه لا بعينه. وهذان التعبيران لا يمكن الالتزام بشيء منهما. أما عنوان الجامع فالجامع في التعبيرات الأصولية والمعقولية ذاك المعنى الذي يمكن حمله ويصح حمله حملاً حقيقياً على ما في الخارج. ومعلوم أنّ عنوان أحدهما لا بعينه لا يمكن حمله على ما في الخارج لأن عنوان أحدهما لا بعينه مباين حقيقةً لكل واحد من الأفراد الموجودة في الخارج، باعتبار أن كل واحد من الافراد الموجودة معيّن، فإذا كان معيّناً فعنوان لا بعينه لا يمكن حمله ولا يصحّ حمله على أي واحد منهما. فعلى هذا، كيف يعبّر عنه بالجامع؟! فالجامع ما يجتمع، يعني يحمل على كل واحد منهما. فمفهوم الإنسان يحمل على ما في الخارج، والأسود والأحمر والأخضر تجتمع وتحمل على ما في الخارج، والحمل معناه الاتّحاد في الوجود. فلمّا نقول زيد إنسان يعني ماهية الإنسان متّحدة مع هذا الفرد الذي هو أمامنا وهو زيد. فالحمل معناه الاتحاد في الوجود واختلاف في المفهوم فالموضوع والمحمول مختلفان من حيث المفهوم ولكن من حيث المصداق الخارجي هما شيء واحد. هذا زيد، هو إنسان وهو زيد. فحينما نقول انّ أحداً صبّ الماء على زيد فهو صبّ الماء على إنسان لا أن الإنسان شيء آخر. فعليه، الإطلاق والتعبير بالجامع في الكلام المنسوب إلى سيّدنا الأعظم متكرراً جداً أنه عنوان أحدهما جامع فهذا غير واضح جداً لأنه لا يحمل على ما في الخارج بل هو يناقض ما في الخارج. فإذا كان الأمر كذلك فلمَ عبّر بالجامع ولمَ عبّر عنه بأنه جامع وهو منفصل عن الأفراد؟! ثم يقول إنه جامع يعني متّحد مع ما في الخارج، فإذا قال الجامع متحد ثم يقول هو غيرهما معاً فهذا الكلام أقل ما يقال أنه جداً غير واضح. فإذا كان جامعاً يعني متحد ومحمول فإذا قلنا هذا غير منطبق عليه وغيرهما فمعنى ذلك ليس جامعاً، فالجامع يجتمع مع ما يحمل عليه ومعنى الحمل هو الاتحاد في الوجود.

كما أنه ما أفاد أنه مضطرّ إليه أيضاً غير واضح، فالاضطرار إنما يكون إلى ما يحقق غاية المضطر. فالذي يحقق غاية المضطر هو هذا المعيّن أو ذاك المعيّن وغير المعيّن لا يرفع العطش. فعليه، قوله أحدهما لا بعينه مضطرّ إليه فالاضطرار يكون للذي يترتب عليه غرض المضطرّ وحاجة المضطر. وحاجة المضطرّ ليس إلى عنوان أحدهما وإنما حاجة المضطر إلى الطبيعي المنقسم إلى الكأسين. فقوله أن المضطر إليه هو أحدهما جداً غير واضح. وإصراره على ذلك غريب جداً. فعلى هذا الأساس، ما بنى عليه السيد من أنه جامع غير واضح وأنه مضطرّ إليه غير واضح وأنه لما يقول جامع يعني يحمل على كل واحد فكلّ ذلك غير واضح. فأساس نظريته غير واضح حتى يقف في وجه هذين العظيمين صاحب الكفاية وتلميذه المحقق النائيني رضوان الله تعالى عليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo