< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

 

ما زلنا في هذه المعضلة التي وقعت كلمات الأعلام فيها وهي ما إذا كان المكلف مضطراً إلى ارتكاب واحد من الأطراف بلا تعيين فحينئذٍ هل التكليف باقٍ أو غير باقٍ؟ وقلنا إنّ السيّد الأعظم قال إنّه في المقام التكليف باقٍ وأنّ متعلق الاضطرار هو العنوان الجامع وعبّر عن الجامع بالعنوان المردد وهو أحدها لا بعينه. وهذا المعنى قلنا إنه غير واضح. والذي ينبغي أن نلتفت إليه هو عدة أمور منها أنه دعوى أنّ التكليف باقٍ دعوى غير واضحة. والوجه في ذلك أنّ الشارع المقدّس ينشئ التكليف لأجل غرض وهو أن يتمكن المكلف من التقرب إليه سبحانه بواسطة الامتثال. وإذا لم يكن هناك فائدة لمثل هذا التكليف فيكون جعل التكليف لغواً. والفائدة الأساسية والغاية المهمة في جعل التكليف هو تمهيد الطريق للمكلف للتقرب إليه سبحانه حتى يمتثل فيتقرب على جنابه سبحانه. وإذا لم يمتثل يكون مؤاخذاً مستحقاً للعقاب. فنقول إنه هذا الأثر وهو تمكين المكلّف من التقرب إليه سبحانه وتمكين المكلف لتحقيق الامتثال والعبودية لله سبحانه إنما يتحقق مع كون المكلّف عالماً بالتكليف ويكون أيضاً متمكناً من الامتثال. وإذا فقدت القدرة على الامتثال أو كان المكلف جاهلاً ولم يكن عالماً ففي مثل ذلك جعل التكليف لغو وإذا كان جعل التكليف لغواً فوجود التكليف وكذلك بقاء التكليف مرتبط بهاتين القاعدتين ودعوى بقاء التكليف بدون هاتين القاعدتين كأنّ الله سبحانه والعياذ بالله فعل فعلاً لغواً لا ثمرة فيه ولا فائدة فيه. ودعوى من السيد الأعظم وبعض غيره أيضاً أن التكليف مرتفع ظاهراً أيضاً جداً غير واضح، باعتبار أنّ الظهور وعدم الظهور هو عبارة عن الانكشاف وعدم الانكشاف وليس للظهور معنى غير الانكشاف فإذا كان المقصود بالظهور هو الانكشاف وهو ان التكليف مرتفع ظاهراً معناه منكشف حسب اعتقاد المكلف منكشف فهذا غير واضح باعتبار أنّ الظهور وهو الانكشاف إنما يكون للشيء الواقعي ولا يكون للشيء الخيالي. فالقول المنسوب للسيد الأعظم في تقريرات السيد سرور رضوان الله عليه من ان التكليف مرتفع ظاهراً فهو غير واضح جداً. فالنتيجة والذي نلتزم به هو أنّ المكلف مضطر إلى طبيعي الفعل وطبيعي الماء وليس مضطراً إلى أحدهما لا بعينه كما قال السيد الأعظم لأنه ذاك الواحد اللابعينه من الكليات الفرضية التي يستحيل وجودها في الخارج. فكيف يكون المكلف مضطراً إلى ما لا يتمكن ولا يمكن ان يصل إليه ولا يمكن أن يتحقق والذي هو عبارة عن الكليات الفرضية. وبعبارة أخرى، إنّ دعوى السيد الأعظم ومن تبعه ومن هو متبوعه من أنه المكلف مضطر على أحدهما لا بعينه أقل ما يقال عنه أنه غير واضح بل هو مضطر على طبيعي الماء والطبيعي منبسط بين جميع الأفراد وقلنا إنّ الطبيعي ينقسم بحسب تعدد الأفراد وكل فرد يشكل جزءاً من هذه الطبيعة وخصوصيات الأفراد في محل البحث ملغاة لانّ الخصوصيات لا يحتاج غليها المكلف والمكلف يحتاج على الطبيعي فقط والخصوصيات الفردية ملغاة في محل الكلام. فالمكلف مضطر إلى طبيعي الماء ولا خصوصية لهذا الفرد أو لذلك الفرد. فبما أن المكلف مضطر للطبيعي فارتكاب الطبيعي قد يصادف ذلك الحرام الواقعي وقد لا يصادف فإذا لم يصادف ذاك الحرام الواقعي فهو واضح أنه لم يرتكب محرماً وأما إذا صادف الحرام الواقعي ففي مثل ذلك بما أنّ كون هذا الفرد بخصوصياته لم يكن معلوماً للمكلف أنه مصب تكليف المولى فحينئذٍ جعل التكليف وبقاء التكليف واستمرار التكليف كلّ ذلك لغو بحت. فعلى هذا الأساس، نلتزم بما قلناه في الدورة السابقة أيضاً بأنه لا يبقى هناك تكليف لا أنه باقٍ والمكلف غير معاقب عليه. وإبقاء التكليف من دون المؤاخذة عليه أيضاً لغو. وبعبارة واضحة، وجود التكليف وبقاؤه كما قلت قليل لا بدّ أن يكون مقارناً مع ترتب الآثار والغايات المرجوة من جعل التكليف. وفي المقام كلّ ذلك منفيّ باعتبار أنّ المكلّف عاجز بهذا المعنى أنه لا يعلم ما هو الحرام، وإذا كان المكلف لا يعلم ما هو الحرام وهو مضطر إلى ارتكاب الطبيعي الممتد بين الحرام وبين غير الحرام فكما أن جعل التكليف في حق ما لا يتمكن من الامتثال لغو كذلك إبقاء التكليف أيضاً لغو.

وينبغي أن نلتفت إلى نقطة وهي بسيطة وهي أن الممكن كما حققنا في محله محتاج في وجوده وكذلك في استمراره وبقائه إلى المؤثر. فلا يعقل كما قال بعض المتكلمين أنّ الممكن إذا وجد استغنى عن المؤثر، وهذا خلط بين الممكن وغير الممكن. فالممكن كما هو محتاج إلى المؤثر في أصل وجوده كذلك مفتقر إلى المؤثر في بقائه واستمراره أيضاً. فإذا كان الممكن مفتقراً إلى المؤثر وهو الفاعل لهذا الممكن والموجد لهذا الممكن فلا بد أن يكون البقاء أيضاً بواسطة علة. فإذا كان الأمر كذلك كما حقق في محله في المعقول وفي الكتب الكلامية من أنه العالم كما كان مفتقراً إلى واجب الوجود باعتباره ممكناً في وجوده ومفتقراً فكذلك في بقائه واستمراره أيضاً محتاج إلى المؤثر. فإذا كان الأمر كذلك، فدعوى أن فعل الفاعل المختار يكون بدون غاية لا تصحّ فلا يمكن أن يصدر فعل من عاقل بدون غاية فكيف بفعل خالق العقول؟! فكما أنّ الله سبحانه خلق الكون وخلق التكاليف وأوجدها في الشريعة المقدّسة وكذلك في الشرائع السابقة وكانت له غاية لأن العاقل لا يفعل بدون غاية كذلك إبقاء العالم وإبقاء الشريعة لا بد أن يكون لغاية والغاية هي وحيدة وهي تمكين المكلف من الامتثال وتمكين المكلف من التقرب إلى المولى جلت عظمته. فإذاً، إصرار السيّد الأعظم رضوان الله تعالى عليه ومن لفّ لفّه على أنّ التكليف باقٍ واقعاً ولم يرتفع فكيف يكون التكليف باقٍ بوجوده فهل صار واجب الوجود ولا يرتفع؟! وإذا كان ممكن الوجود فما هو المبقي لهذا التكليف؟! المبقّي هو الذي أوجده وإذا كان أوجده لأجل غاية فيبقيه أيضاً لأجل غاية. فدعوى بقاء التكليف بدون ترتب الغاية المرجوّة والمقصودة من الفاعل قول بأنّ الفاعل يفعل فعلاً لغواً بدون غاية. فعلى هذا الأساس، كما قلنا في الدورة السابقة نلتزم بأنّ التكليف يرتفع واقعاً. نعم، هناك بحث أخلاقي تعرّض له العلماء في محلّه حيث تعرّضوا وهو أنه إذا كان الفعل حراماً واقعاً والشارع رفع عنه الحرمة فهل الأثر السلبي المترتب على هذا الفعل وهو فساد النفس الأمارة بالسوء وهي نفس الفاعل باقٍ أو ليس باقياً؟! والصحيح والعلم عند الله سبحانه أنه هذا الأثر أيضاً غير باقٍ لأنه بقاء الأثر بدون المؤثر لغو وغير معقول وغير ممكن. فالنتيجة أنه يصبح هذا التكليف معدوماً وكذلك الأثر الأخلاقي وهو فساد نفس المرتكب وتأثرها بالأثر السلبي لارتكاب هذه المعصية أيضاً إذا قلنا ببقائه يلزم من ذلك بقاء الأثر بدون المؤثر. والآية القرآنية تقول: "فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه" فالله سبحانه يقول لا إثم عليه أي لا حكم. فالنتيجة أنّ في كلام السيد نحواً من إسناد اللغوية إلى الشارع المقدّس فقلنا إنّ الممكن وجوده مفتقر إلى العلّة وبقاءه مفتقر إلى العلة فيقول إنّ الحكم باقٍ يعني أنّ الله سبحانه يبقي الحكم بدون غاية! وهذا كلام لا يصحّ. ونسبة العليّة إلى الموضوعات معناه كما قال اليهود لعنهم الله: يد الله مغلولة، فالله أوجد وبعد ذلك الله لا يتصرف وبعدها العبد يفعل ما يشاء، والموضوع يصبح علّةً للحكم وكل هذا غير صحيح. ويوجد بعد كلمة مختصرة في هذا البحث وننتقل إلى بحث آخر

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo