< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

في نهاية الجلسة السابقة ذكرنا أنه التعبير السائد والمشهور في كلمات الأعلام رضوان الله تعالى عليهم هو أنّ العلم الإجمالي يرتفع أو ينعدم أو ينحل بواسطة الاضطرار إلى بعض الأطراف أو غير الاضطرار من الأسباب الأخرى التي نبحثها إن شاء الله، وهذا التعبير من الأعلام غير واضح علينا. والوجه في ذلك أنّ العلم هو عبارة عن الكشف وله معلوم، والمعلوم قسمان معلوم حقيقي ومعلوم غير حقيقي والمعلوم الحقيقي هو عبارة عن صورة ذلك المعلوم المرتكزة في الذهن. وربما في بعض تعبيراتهم يعبّر عن نفس تلك الصورة بالعلم، وهذا مسامحة. فالعلم بمعنى الكشف هو شيء يتعلّق بالصورة وذو الصورة بوجوده التكويني الموجود في عالم الكون والفساد، ذاك معلوم بالعرض. فالمعلوم الحقيقي هو تلك الصورة الذهنية والموجود زيد حينما نتصوّره وتأتي صورته في ذهننا فتلك الصورة هو المعلوم الحقيقي وزيد بوجوده التكويني في الخارج هو معلوم بالمجاز وثانياً وبالعرض. فالمعلوم الحقيقي هو تلك الصورة، حتى إذا مات زيد صورته قد تبقى وحتى إذا غاب عنا وكان محبوباً وصار مبغوضاً مثلاً، فهذا شيء يتعلق بالمعلوم بالعرض وليس بالمعلوم بالذات. والمعلوم بالذات يبقى على حاله لا يرتفع ولا ينعدم العلم إلا بانعدام المعلوم الحقيقي وهي الصورة النفسية في الذهن. وأما موت زيد بوجوده التكويني فلا يؤثّر ذلك وتلك الصورة الذهنية لا ترتفع إلا بسببين أحدهما وهو القدر المتيقن وهو النسيان بحيث تنتفي الصورة من الذهن ومن صفحة النفس فبهذا النسيان لا يبقى العلم، والسبب الثاني هو الموت فقيل إنّ الموت أيضاً يمحي العلم. وعلى هذا الأساس بعضهم قالوا إنه لا يجوز تقليد الميت لأنه فقد العلم. وهذا محل بحث، أنه هل يفقد العلم أو أنّ الحياة شرط في التكليف لا أن الموت مانع. كيفما كان، كون الموت معدماً للعلم محلّ بحث والنسيان هو القدر المتيقن أنه يرفع العلم. بعد هذا التمهيد البسيط في الموارد التي قال العلماء إنّ العلم الإجمالي ينحلّ وينعدم فتلك الموارد في الواقع ليست موارد إعدام للعلم، فإنّ العلم باقٍ فمثلاً كان يعلم بأنّ أحد الكأسين نجس ثمّ بعد ذلك جاء العلم بأنّ الشارع يأمرني بارتكاب أحد الأطراف معيّناً أو غير معيّن فحينئذٍ هذا العلم الثاني بأن الشارع يأمرني بارتكاب أحدهما المعيّن أو غير المعيّن فهذا علم غير ذلك العلم. فالعلم السابق أنّه أحدهما نجس أو أحدهما حرام أو أحدهما مغصوب ونحو ذلك فذاك يبقى على حاله ولا ينعدم. فتعبيرات الأعلام رضوان الله تعالى عليهم من لدن الشيخ الأعظم الانصاري وانتهاءً إلى سيّدنا الأعظم أعلى الله درجاتهم في عليين مروراً بالكفاية تعبيرهم بالانحلال أقل ما نقول فيه أنه غامض وغير واضح. فقالوا إن العلم ينعدم فكيف ينعدم العلم إلا بحالة النسيان! وكيفما كان هذا المطلب الذي أشرنا إليه في نهاية الجلسة السابقة يبقى في عقولنا إن شاء الله تعالى حتى لا ننزلق حيث انزلقت أقلام الأعلام وأفكارهم الطاهرة. ثمّ السيّد الأعظم قدّم مقدّمة أنه قد يكون الاضطرار على أقسام وبيّن أقسام الاضطرار وهذه المقدّمة مجرد تمهيد للبحث ونغض النظر عن المقدّمة وندخل في أصل البحث. فقسّم البحث إلى قسمين، فقد يكون الاضطرار إلى أحد الكأسين المعيّن وقد يكون إلى أحدهما غير المعيّن. مثل إذا كان العلم الإجمالي أنّ هذا الماء نجس أو ذاك الحليب نجس مثلاً واضطرّ إلى الماء للشرب لإنقاذ حياته فحينئذٍ المعيّن وهو خصوص الماء هو مضطرّ إليه وقد يكون إلى أحدهما غير المعين كما إذا كان الكأسان كلاهما ماءً مطلقاً وهو مضطر إلى الماء فحينئذٍ ليس هو معيناً بالكأس الشرقي أو الكأس الغربي مثلاً. فإذا كان محتاجاً إلى أحدهما المعيّن فحينئذٍ العلم قد يكون قبل الاضطرار وقد يكون بعد الاضطرار، وهذا التقسيم نتكلّم فيه إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo