< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

ما زلنا في الشبهة غير المحصورة وما الحكم في ذلك؟ وقلنا ذكر القوم أدلّةً على عدم وجوب اجتناب أطراف العلم الإجمالي فيما إذا كانت الشبهة غير محصورة. ومن جملة الألّة التي ذكرت في كلمات القوم هو أنّه إن قلنا بوجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة يلزم من ذلك العسر والحرج، وهما منفيّان بمقتضى الروايات التي دلّت بل الآية الشريفة أيضاً، ما جعل عليكم في الدين من حرج. فإذا كان الاجتناب لأطراف الشبهة مؤدّياً إلى العسر والحرج فحينئذٍ لا يجب الاجتناب لأجل قاعدة نفي العسر والحرج. ولسيّدنا الأعظم أعلى الله درجاته في عليين محاولة للتخلص من هذا الدليل. وتلك المحاولة تتلخص في أن العسر والحرج المنفي في قاعدة العسر والحرج هو العسر الشخصي وأما النوعي فلا تعرّض له في تلك القاعدة. وقال إن حكم نفي العسر والحرج حكم نفي الضرر. فما أفاده في قاعدة نفي العسر والحرج وكذلك نفي الضرر أن المقصود بالضرر هو الضرر الشخصي. فإذا كان الضرر شخصياً فحينئذٍ لا يجب على المكلف الالتزام بالحكم الشرعي إذا كان متضرراً أو كان متعسراً عليه. وليس الكلام في ذلك أنه إذا كان العمل على الإنسان متعسراً أو حرجياً أو ضررياً فهذا يرتفع، وهذا لا يفيد في المقام فنحن نريد أن نثبت عدم وجوب اجتناب أطراف أو بعض أطراف الشبهة غير المحصورة مطلقاً سواء كان يلزم منه العسر والحرج الشخصي أو لا يلزم. هذا ملخص الجواب الذي أفاده على ما نسب إليه رضوان الله تعالى عليه بقلم السيد سرور. وينبغي أن نلتفت إلى مطلب قد أشرنا إليه في ضمن توضيحنا لمعنى الشبهة غير المحصورة. فلزوم العسر والحرج شيء وقاعدة عدم وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة شيء آخر ولا يمكن الخلط بين مطلبين. والوجه في ذلك أنه قاعدة نفي العسر والحرج إنما تأتي في الأحكام الشرعية الثابتة في حق المكلفين مثل ما قيل إنه إذا كان الإنسان لا يتعسر عليه لبس ثوب معين فحينئذٍ يسقط التكليف. وهذا المعنى وهو سقوط التكليف لأجل العسر والحرج شيء وعدم وجوب الاجتناب عن الشبهة غير المحصورة شيء آخر. فإنه سواء لزم العسر والحرج أو لا مقتضى الشبهة غير المحصورة هو أنه مع علم المكلف ومع قناعته بأنه يوجد الحرام في ذلك وهو لا يصعب عليه اجتناب ذلك الحرام بترك هذه الأطراف غير المحصورة وهو ليس مستلزماً للعسر والحرج وإنما الكلام في الشبهة غير المحصورة أنه لم لا يجب على المكلف الاجتناب؟ فالكلام في أصل ثبوت الحكم وليس الكلام فيما إذا كان امتثال الحكم موجباً للعسر والحرج. وبعبارة واضحة، إنّ المستدلّ بهذا الدليل وهو الدليل على أنه لا يجب الاجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة خلط بين مطلبين، بين هذا وبين العسر والحرج فقاعدة العسر والحرج أنه نفس الفعل حرام واقعاً ومسلّم حرمته وهو عاجز من ناحية العسر والحرج عن امتثال ذلك الحكم، ونحن كلامنا في الشبهة غير المحصورة لم لا يجب الاجتناب؟ لا أنه وجوب ثابت أو حرمة ثابتة نريد أن نرفع اليد عنها. وبعبارة واضحة، الاستدلال على عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة بقاعدة نفي العسر والحرج وقاعدة نفي الضرر غريب جداً، فهناك خلط بين مطلبين متباعدين جملةً وتفصيلاً. ففي الشبهة المحصورة حيث علمنا أنه يوجد الحرام لا يجب الاجتناب مع قطع النظر عن أن يكون الاجتناب فيه ضرر أو ليس فيه ضرر وسواء كان فيه حرج أو لم يكن حرج، فالكلام في الشبهة غير المحصورة في هذا المعنى وهو يقول أنه يلزم من ذلك العسر والحرج والعسر والحرج يقتضي رفع الحكم، فالخلط بين مطلبين غريب جداً في كلام هذا المستدلّ. وكذلك ما أفاد السيد الأعظم أيضاً غير واضح وهو أن قاعدة العسر والحرج تأتي حيث يكون العسر والحرج شخصياً ولا يكون نوعياً، وهذا الكلام من السيد الأعظم أيضاً ابتعاد عن أصل البحث. فليس الكلام في أنه يلزم العسر والحرج حتى يقال إنه شخصي أو نوعي بل العسر والحرج يلزم أو لا يلزم، وكان على السيد الأعظم أن ينبّه على هذا. فالكلام في جهة وقاعدة العسر والحرج في جهة أخرى ولا ربط لأحدهما بالآخر جملةً وتفصيلاً. وليس لي إشكال على السيد في تفسير الحرج بالحرج الشخصي ولكن قلت إن هناك الكلام حيث يميز الإنسان الواجب والحرام عن غيره كما في المسح على القدمين فهذا الواجب معلوم وأداء هذا الواجب فيه حرج لألم في الرجل أو جرح فيها أو نحو ذلك فحينئذٍ قاعدة نفي العسر والحرج في الواجبات وفي المحرمات إنما هي حيث يكون المحرم والواجب مشخصاً محدداً مميزاً عن غيره.

فهاهنا الحكم معلوم ولكن الشارع رفع هذا الحكم لأجل عدم تمكن المكلف أو عدم السهولة على المكلف امتثال هذا الحكم، وفي الشبهة غير المحصورة ليس الكلام في ذلك بل الكلام في أنّ الحرام موجود فهل يجب الاجتناب أو لا يجب الاجتناب من الأساس في الشبهة غير المحصورة، وهذا خلط عجيب. فإذاً أصل الاستدلال غير واضح وجواب السيد الأعظم أيضاً غير واضح. وحاول بعضهم الاستدلال برواية الجبن التي أشرنا إليها حيث الراوي يقول إنه أخبرني بعض من رأى أنه تجعل الميتة يعني أنفحة الميتة في الجبن فالإمام قال ألأجل تلك القرية التي بعض صانعي الجبن يفعلون ذلك يحرم الجبن كلّه؟! والسيد الأعظم حاول أولاً التخلص من هذه الرواية بضعف السند باعتبار أنّ في جملة أفراد سلسلسة سند هذه الرواية محمد بن سنان والسيد الأعظم وكذلك نحن لا نؤمن به وهذا المعنى واضح وأنّ سند الرواية ضعيف. ولكن ينبغي أن يكون فهم الرواية هو تأسيس قاعدة في تسهيل معيشة الناس في المجتمع وهذا الي قلناه حينما أردنا أن نختار معنى للشبهة غير المحصورة. وقلنا إن الشبهة غير المحصورة إذا كان العمل والاجتناب عن الأطراف يؤدي إلى رفض حكم من الأحكام التي أسسها الشارع المقدّس لتسهيل حياة البشرية في المجتمع القروي والمدني. ولذلك يكون الدليل الصحيح على عدم وجوب الاجتناب في الأطراف أنه رفضٌ لتلك الأحكام التي أسست لتسهيل حياة البشرية. هذا، وللكلام تتمّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo