< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

ما زلنا في ساحة العلم الإجمالي الذي طال الكلام فيه والكلام مفيد إن شاء الله تعالى. ومن جملة المباحث التي تعرّض لها علماؤنا الأبرار في هذا البحث وهو ما إذا كانت الموافقة القطعية مقدورة للمكلّف ولكنه لا يتمكن من المخالفة القطعية لو فرض مثل هذا الفرض فما حكم وجوب الموافقة؟ اختلف النائيني والسيد الأعظم رضوان الله تعالى عليهما فالنائيني يقول إذا لم تحرم المخالفة القطعية لا تجب الموافقة القطعية أيضاً لأنّ وجوب الموافقة القطعيّة متفرّع على حرمة المخالفة القطعية. فإذا لم تحرم تلك المخالفة فلا تجب هذه الموافقة القطعية أيضاً. والسيّد الأعظم يقول إنّ الموافقة القطعية تجب من جهة تعارض الأصول في الأطراف. هذان المبنيان من هذين العلمين كلّ منهما غير واضح. أما ما أفاد النائيني على ما نُسب إليه ونسبه السيد الأعظم وهو أنّ وجوب الموافقة متفرع على حرمة المخالفة فهذا جداً غير واضح علينا. والوجه في ذلك أنّ كون الشيء متفرّعاً على شيء آخر أن يكون للآخر تأثير اقتضائي واقتضاء لهذا الأول. فحينئذٍ يقال إنّ هذا متفرع على ذاك كما يقال إن الابن متفرع على الوالد لأن وجوده بوجوده. وإنما تكون هذه التبعية إذا كان لأحدهما تأثير في الآخر. وفي المقام ليس كذلك وإنما وجبت الموافقة القطعية لأجل العلم الإجمالي لا لأجل حرمة المخالفة وليس لحرمة المخالفة القطعية تأثير واقتضاء في وجوب الموافقة القطعية. فالنتيجة أنّ ما أفاد النائيني جداً غير واضح. وكذلك ما أفاد السيد الأعظم قدس الله روحه الطاهرة أيضاً غير واضح لأنه ادّعى أنّ وجوب الموافقة لأجل تعارض الأصول وعدم جريانها في الأطراف. وقلنا فيما سبق ونعيده ملخّصاً وهو أنّ التعارض بين دليلين أو بين أصلين إنّما يعقل إذا كان لكل من الدليلين مدلول التزامي. فحينئذٍ إذا كان أحد الدليلين بالدلالة المطابقية يثبت حكماً وبالدلالة الالتزامية ينفي حكماً آخر والدليل الآخر أيضاً كذلك، فكل منهما ينفي ما يثبته الآخر بالدلالة الالتزامية فهذا في الأمارات معقول وأمّا في الأصول العملية غير معقول وغير واضح. فالنتيجة أنّ التعارض بين الأصول غير معقول وغير واضح أصلاً، ووقد أصرّ وبقي مصرّاً على ذلك رضوان الله تعالى عليه إلى أن لحق بالرفيق الأعلى في أحضان جده أمير المؤمنين وأمه الزهراء سلام الله عليها. فهذا الذي أفاده السيد الخوئي أيضاً غير واضح علينا. والصحيح، إنما تجب الموافقة القطعية حيث تكون ممكنة ولا تحرم المخالفة القطعية لأنّ العلم في نفسه واجب الاتباع بحكم العقل والشارع المقدس لا يحكم على خلاف حكم العقل. فالنتيجة أنّ وجوب الموفقة من جهة العلم الإجمالي والعلم بنفسه حجة ومناط للمؤاخذة ولمعاقبة العبد يوم القيامة. فإذا كان الأمر كذلك فلا علاقة للأصول أنها تجري أو لا تجري ما دام هناك علم فلا بدّ أنك مطالب باتّباعه. ثمّ إنه ذكرنا في كلماتنا السابقة بنحو التفصيل توضيح الشبهة غير المحصورة وقلنا إنّ غير المحصور معناه غير المحاط بالاحتياط فلا يمكن أن يحيطه بالاحتياط فليس المقصود الحصر من حيث العدد وإلا فكل شيء ما عدا ما يرجع إلى واجب الوجود في الكائنات كلّه محصور، وأما أني أعلم ذلك الحصر والعدد أو لا أعلم فذاك مطلب آخر ولكن هو محصور. فالنتيجة أن غير المحصور بمعنى غير المحاط من حيث العدد غير معقول. ومعنى غير المحصور هو غير المحصور في الاحتياط فلا يجب فيه الاحتياط في الأطراف. وقلنا إنّ هذا المعنى وهو عدم الاحتياط في الشبهة غير المحصورة من جهة أنّ الشارع المقدّس لتنظيم حياة البشر وترتيب وتسهيل حياته أسّس أحكاماً شرعية مثل قاعدة سوق المسلم وغير ذلك من القواعد فإنّها أسّست تسهيلاً لحياة البشرية والتعامل بينه وبين الله وبينه وبين العباد فإذا كان الأمر كذلك فيكون معنى الشبهة غير المحصورة هو الذي لا يجب فيها الاحتياط لأنّ الاحتياط فيها ينافي تلك الأحكام الشرعية. فعلى هذا الأساس، ما قاله السيد الأعظم في ردّ الإجماع على عدم وجوب الموافقة في الشبهة غير المحصورة فقال إنّ المسألة مستحدثة وليست تعبّدية حتى يدّعى الإجماع فهذا غير واضح، بل المسالة شرعية بحتة والشارع المقدّس لا يرضى بمخالفة تلك الاحكام التي عليها يترتب تنظيم حياة البشرية. نعم، هناك أدلّة ذكرها القوم في وجه عدم الموافقة القطعية في الشبهة غير المحصورة نعرضها إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo