< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

تعرّض الأعلام رضوان الله تعالى عليهم لبحث علميّ دقيق في الجملة وهو أنّه إذا كان لدى المكلّف علم إجمالي ومحل الكلام حيث العلم الإجمالي يجب اتّباعه ويتمكّن المكلّف من اتّباعه في الشبهة المحصورة فالشهرة غير المحصورة قد تقدّم الكلام فيها مفصّلاً، فهاهنا قسموا إلى أربعة أقسام. فقد يكون الإنسان عاجزاً عن الموافقة القطعية وكذلك عاجزاً عن المخالفة القطعية أيضاً مثل صورة الاضطرار ويأتي البحث في هذا القسم وهذا المعنى في البحوث القادمة إن شاء الله تعالى، فهذه الصورة خرجت من محل الكلام. والصورة الثانية أن يكون المكلّف متمكّناً من الأمرين معاً، متمكّناً من الموافقة القطعية ومتمكّناً من المخالفة القطعية. فحينئذٍ اتفقت كلمتهم، مع قطع النظر عن مبانيهم، على حرمة المخالفة القطعية وكذلك وجوب الموافقة القطعية، مثلما إذا علم بحرمة أحد الشيئين أو نجاستهما أو علم بوجوب إحدى الصلاتين، كصلاة الجمعة وصلاة الظهر مثلاً، فهو متمكّن من الموافقة والمخالفة، فتحرم المخالفة القطعية وتجب الموافقة القطعية. وإنّما المعضلة في القسم الوسط وهو ما إذا كان متمكّناً من أحدهما، متمكّناً من الموافقة القطعية وغير متمكن من المخالفة القطعية، أو بالعكس متمكناً من المخالفة القطعية وغير متمكن من الموافقة القطعية. فحينئذٍ إذا كان متمكناً من المخالفة القطعية فاتفقت كلمتهم على أنه تحرم المخالفة القطعية. وإنّما وقع الخلاف من بعض الأعلام وخصوصاً بين السيد الأعظم والمحقق النائيني فيما إذا كان متمكناً من الموافقة القطعية ولا يكون متمكناً من المخالفة القطعية. واختلف العلمان فقال النائيني رضوان الله تعالى عليه على ما ينسبه إليه السيد الأعظم أنه إذا تمكن من الموافقة القطعية ولا يتمكن من المخالفة القطعية فيقول لا تجب حتى الموافقة القطعية، وذلك لأن وجوب الموافقة القطعية متفرعة على حرمة المخالفة القطعية وحيث المخالفة القطعية ليست محرمةً حسب الفرض فلا تجب الموافقة القطعية أيضاً، بمعنى أنها مترتبة وحيث تحرم على المكلف المخالفة القطعية فتجب الموافقة القطعية. والسيد الأعظم يقول إنه لا تفريع لأحدهما على الآخر بل كل منهما يجب بناءً على حجية وتنجز العلم الإجمالي. وحجيّة وتنجّز العلم الإجمالي عند السيد الأعظم تدور مدار سقوط الأصول العملية النافية في أطراف الشبهة. فإذا تعارضت الأصول في الأطراف ولم تجرِ لأجل التعارض حسب تعبيراتهم وقلنا إنه لا تعارض بين الأصول وقد تقدم فلا نعيد تلك المطالب، فيقول حينئذٍ لا تجب الموافقة القطعية. وكلا المبنيين غير واضح علينا، لا مبنى الشيخ النائيني ولا مطلوب السيد الأعظم رضوان الله تعالى عليه. أما مبنى أو كلام النائيني وهو جعل وجوب الموافقة القطعية متفرعاً ومترتباً على حرمة المخالفة القطعية فهذا معناه أنّ العلم ليس حجة على كل حال، وهو يعلم بوجوب الموافقة ومع ذلك يقول لا تجب الموافقة فهذا إلغاء لحجية العلم. وكذلك ما اختاره السيد الأعظم أعلى الله درجاته في عليين من أنه إنما يجب اتّباع العلم إذا تعارضت الأصول فهو في الواقع يقيّد حجيّة العلم بعدم جريان الأصول وهذا كله غير واضح. وقد تقدّم من الأعلام وقلنا في محلّه في أوائل بحث القطع أنه العلم هو بنفسه وبذاته ملزم للعبد بطاعة المولى فإذا علم العبد أنّ هذا الإمام الصادق مولاي والرسول الأعظم مولاي تجب طاعته ثمّ علمت بأنه طلب مني فعل هذا أو طلب مني ترك هذا فهذا العلم يجعلني خاضعاً للمولى جزماً. والتخلّص من هذا العلم كالتخلّص من قبضة المولى التكوينية فكما لا يمكن للعبد أن يتخلّص من القبضة التكوينية للمولى، كذلك العقل لا يبيح له التخلص من القبضة التشريعية للمولى. فكون المولى يطلب مني هذا الشيء أو يمنعني عن هذا الشيء حاله حال قبضة المولى التكوينية فكما لا يمكن للعبد أن يتخلّص من القبضة التكوينية كذلك هنا. نعم، صورة العجز كما في الشبهة المحصورة أو في حالة الاضطرار فهناك المولى سمح لي بالمخالفة أو ما جعل المولى حجة عليّ كالعقل. وعندنا قلنا في الجلسة السابقة في الشبهة غير المحصورة أن مخالفة هذه الأحكام الشرعية التي جعلها المولى وأنشأها لتنظيم الحياة البشرية. فالنتيجة أنّ ما أفاد العلمان جداً غير واضح والعلم يجب اتّباعه مطلقاً في كلا الأمرين المخالفة والموافقة أو بأحدهما. هذا، وللكلام متابعة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo