< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

 

قلنا إن للأعلام الثلاثة في التدريجي بالمعنى الأخير الذي ذكره السيد وقلنا إنّ تعريف التدريجي هو القسم الأخير فقط والقسمان الأولان ليسا من التدريجي في شيء أبداً، ولكن كيف السيد الأعظم ذكرها من الأمور التدريجية فلست أدري! هذا القسم قلنا اختلفت أنظار العلماء فيه فالمحقق النائيني رضوان الله تعالى عليه منع من الرجوع إلى الأصل العملي في الأطراف مطلقاً. والشيخ الأنصاري فصّل في المقام وربط المقام بإحراز ملاك الحكم وعدم إحرازه، فإن كان الملاك محرزاً فيجب الاجتناب وإلا فلا. وقلنا إنّ ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري غير واضح باعتبار أنّ ملاكات الأحكام ليست في أذهان المكلفين وإنما ملاكات الأحكام إما من الله سبحانه فقط أو بمعرفة أئمتنا الأبرار سلام الله عليهم، فربَط الحكم بشيء لا يمكن تطبيقه. نعم، ما نُسب إلى صاحب الكفاية ونسبه السيد الأعظم فهو أيضاً غير واضح. ولكن التعليل الذي اختاره صاحب الكفاية رضوان الله تعالى أنه جعل التدريجية كالخروج عن محل الابتلاء ولكن هذا الكلام منه غير واضح علينا باعتبار أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء له معانٍ كثيرة، كالخروج عن محل الابتلاء بحيث يكون دائماً خارجاً والخروج عن محل الابتلاء من جهة أنّ الإنسان غير محتاج إليه أو من حيث عدم وصول يده إليه وكل هذه غير واضحة. والذي يظهر من التأمل فيما ليس محلاً للابتلاء هو فيما إذا كان غير محتاج إليه وعدم وصول يده إليه، فإذا اجتمع هذان الأمران فهو خروج عن محل الابتلاء. وأما في البحث وهو أن يكون بعض الأطراف مقيّداً بزمان وبعض الأطراف مقيّداً بزمان آخر أو بزماني وذاك الآخر بزماني آخر أو أحدهما بزماني والآخر بزمان فحينئذٍ في الواقع هذان القسمان ليس خروجاً عن محل الابتلاء بل كلا الطرفين محل للابتلاء وإلا فمعظم الأشياء الإنسان لا يمكنه استعمالها دفعةً واحدة، كما إذا كان أحدهما في الدقيقة الأولى والآخر في الدقيقة الثانية. فمعنى ذلك أنّ كل محصور يصبح غير محصور وهذا غير واضح. فالصحيح هو ما ذهب إليه المحقق النائيني أعلى الله درجاته في عليين من أنه لا يمكن التوقف في تنجيز العلم الإجمالي إذا كان أحدهما بعد الآخر من حيث الزمان أو الزماني بل لا بدّ من الحكم بتنجيز العلم الإجمالي وعدم جواز ارتكاب أي طرف من هذه الأطراف.

ثمّ دخل الأعلام رضوان الله تعالى عليهم في مسألة تقسيم الشبهة إلى محصورة وغير محصورة. وهذا العنوان وهو غير المحصور ما وجدت أنّه ذكر في شيء من الأدلّة اللفظية من الآيات والروايات ونحو ذلك. ثمّ إنّ كلّ شيء في عالم الكون والفساد محصور ولا يوجد شيء غير محصور. فالمحصور يعني المحدود، له بداية ونهاية. حتى هذا العالم وحتى حركات الكواكب أيضاً محدودة بدأت في وقت وتنتهي في وقت. وكذلك الحركات الأرضية للكائنات أيضاً محصورة. فإذاً، ماذا يعني علماؤنا الأبرار بعدم الحصر؟! السيّد الأعظم طرح بعض الأفكار المعروفة في تعريف غير المحصور وناقش فيها بعظمته وجلالته. والتعريف الأول هو ما يعسر عدّه، وهذا التعبير أخذه السيّد محلاً وهدفاً للإشكالات فيقول إن هذا لا يمكن لأنه عسر العدّ له أسباب كثيرة فعسر العد قد يكون بسبب أن الإنسان عاجز وقد يكون هناك مانع كظلمة أو غيرها وقد يكون هناك قصور في العدّ أو تقصير في العد وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي ذكرها لعسر العدّ. وهذه الإشكالات من السيد الأعظم غير واضحة وكان عليه أعلى الله درجاته في عليين أوّلاً تحديد مراد هذا القائل وماذا يعني بهذا التعبير عسر العد؟ والذي أتصوّره في تحديد مراد هذا القائل هو أنّه إذا كانت الكثرة وعدم الإحاطة واجتمع في الأشياء المتعددة هذان الأمران كثرة العدد وعدم الإحاطة فهذا المعنى الذي يقصده هذا القائل. ولعلّه إليه تشير تلك الرواية التي تنقل حكم الإمام الباقر سلام الله عليه حيث جاءه سائل فيقال ما مضمونه أنه هناك قرية من القرى في بلدة أو مدينة يجعلون أنفحة الميتة في الجبن فأعطى الإمام عليه السلام لعبده مالاً ليشتري الجبن فأتى به وأكل الإمام عليه السلام وأكل الحضور أيضاً فأعاد السائل السؤال فقال الإمام ألم نأكل؟ فقال مولاي لم تبيّن، فقال وهو محل الشاهد ما مضمونه: ألقرية واحدة يحرم جميع ما في البلدة؟ فهذا التعبير المنسوب إلى الإمام سلام الله عليه مشتمل على هذين الوصفين أحدهما الكثرة والثاني عدم الإحاطة أي أنّ النجس ليس داخلاً في هذا العدد. فالنتيجة أننا لا بدّ أن نفسّر كلام هذا القائل بهذا ثمّ نلاحظ هل نقبله أو لا نقبله إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo