< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

الكلام فيما إذا كانت أطراف العلم الإجمالي تدريجية، فهل تجري فيه أحكام الاحتياط أو لا تجري، فيه بحث للأعلام رضوان الله عليهم حيث أفاضوا إفاضات شريفة شكر الله مساعيهم الجميلة. والسيّد الأعظم أعلى الله درجاته في عليين يقول قبل الخوض في البحث لا بدّ من التنبّه والالتفات إلى مطلب، وهو أن لا يكون المحلّ مع قطع النظر عن العلم الإجمالي مورداً للزوم الاحتياط من جهة الشبهة الحكمية. ومعلوم أنّ كلّ مورد نشكّ من جهة الشبهة الحكمية وليس من الشبهة المصداقية أو الموضوعية لا يجوز التمسك بالبراءة قبل الفحص، فلا يكون موردنا من هذا القبيل. فإذا كان المورد من هذا القبيل، يعني كان محلاً للاحتياط مع قطع النظر عن العلم الإجمالي، فذاك خارج عن محل البحث. وضرب لذلك مثالاً ما إذا كان يعلم المكلف قطعاً أنه يبتلى من الصبح إلى الليل بمعاملة ربوية محرّمة عليه شرعاً من جهة الشبهة الحكمية، فحينئذٍ يقول إنه لا تصل النوبة إلى العلم الإجمالي بل لا بد له من ترك جميع المعاملات احتياطاً وتنزيهاً لنفسه من الوقوع في الحرام المعلوم. ويشكل على نفسه ويجيب فيقول لا يمكن أن يقال إنّ كل معاملة يشك في تماميتها فمقتضى العمومات مثل "أوفوا بالعقود" أو مثل "أحل الله البيع" أو غيرها تجري فيه أحكام العمومات إلى أن يعلم أنه محرّم. وأفاد في الجواب عن هذه الشبهة أنّ هذه العمومات (وهو ذكر عموماً واحداً هو أوفوا بالعقود) مخصّصة بأدلّة الربا وأنّ المعاملات الربوية خارجة من تحتها فإذا كان الأمر كذلك فمع العلم بابتلائه اليوم بإحدى المعاملات الربوية لا يُتمسّك بعموم "أوفوا بالعقود". هذا ملخّص ما أفاد رضوان الله تعالى عليه مع تبسيط منّا. وما أفاده في نفسه مع قطع النظر عن تماميته وعدم تماميته، تخصيص هذا المطلب بالأطراف التدريجية لم يظهر لنا وجه له أصلاً. فهذا القيد كما يأتي في التدريجيات، كذلك يأتي في الدفعيات أيضاً. مثلما إذا ابتلي بامرأتين يعلم بحرمة وطء إحداهما، صاحبة الثوب الأخضر أو صاحبة الثوب الأبيض مثلاً، فحينئذٍ مع قطع النظر عن العلم الإجمالي لا بدّ للمكلّف من الاحتياط لأنّ الفروج قرّر في محلّه أنّ أحكامها مبنيّة على الاحتياط فلا فيجوز ارتكاب فرج واستباحته إلا بعد الاطّلاع والعلم بأنّه حلال ومع الشك لا يجوز. وكذلك في الدماء، فمثلاً أحد هذين يحرم عليّ قتله ففي مثل ذلك أيضاً لا بدّ من الاحتياط، حتى في الأطراف الدفعية فلِمَ خصّص على ما نُسب إليه بقلم السيّد سرور أعلى الله درجاته في عليين بالتدريج؟ فهذا غير مفهوم، فيقول يشترط قبل الدخول في البحث ان هذا المطلب لا بد أن يكون في التدريجيات، وهذا المطلب مع قطع النظر عن تماميته وعدم تماميته إن كان تاماً فهو يأتي في التدريجيات كما يأتي في الدفعيات! والمطلب الثاني أنه لا يصحّ التمسّك بالعام فيما إذا كان العام مخصصاً وهذا صحيح ولكن لا ربط له بالتدريجيات أيضاً فربطه بالتدريجيات غير واضح. ثمّ معنى التدريجي، كل كائن من الكائنات في عالم الكون والفساد تدريجي حتى الله تعالى قال للملائكة إني خالق بشراً من طين فخلقه من طين ثم بعد ذلك كذا ثم كذا ونفخ في الصور، فهو من التدريجيات. حتى الكائنات الخارجية فمثلاً النبتة لا تنبت إلا بالتدريج فكلّ الكائنات تدريجية فإذا كانت تدريجية فماذا يعني بالتدريجي؟ والذي ينبغي أن يقال أنّ الابتلاء بالتدريج، بأن يكون ابتلاء المكلف بالأمور يكون بالتدريج لا هو يكون بالتدريج وإلا فكل شيء في وجوده وحتى في استمراره تدريجي ووجوده في لحظة متوقف على وجوده في اللحظة السابقة. وكذلك خروجه من العدم على الوجود ليس دفعياً بل تدريجي. وقسم من الناس دخلوا بمقولتهم لا إله إلا الله إلى الجنة وكانوا يشربون الخمر وغير ذلك من الجرائم الكبرى، وفي فترة معيّنة كان الرسول صلى الله عليه وآله يصلي جماعة وكان بعضهم يأتون تقطر لحاهم الخمر ويصلّون مع الرسول جماعة ولا يمنعهم وكان يقول قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فكل هذه تدريجية. فالنتيجة أنّ ما أفاده السيد الأعظم غير واضح، فكان عليه أن يقيّد ويقول أنّ الابتلاء تدريجي لا أن الشيء تدريجي وإلا فلا يوجد شيء في الممكنات إلا بالتدريج. هذا، وللكلام تتمّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo