< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

45/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات دوران الأمر بين المحذورين

أثرنا في الجلسة السابقة الشبهة في الاستصحاب أنه إذا كان هناك علم إجمالي والأطراف كلها تحت الابتلاء فحينئذٍ يجب على المكلّف الامتثال لذلك الحرام الواقعي المعلوم بالإجمال بين الأطراف كلّها المحصورة. وإذا خرج بعض الأطراف عن محل الابتلاء أو اضطرّ عليه الإنسان فحينئذٍ الطرف الباقي على حاله الذي لم يخرج عن محل الابتلاء وكان يجب عليّ تركه والآن أشك في بقاء ذلك الوجوب فهل يجري الاستصحاب أم لا؟! والصحيح أنه لا يجري الاستصحاب. والبيان السليم هو أنّ الوجوب لم يكن حكماً شرعياً وإنّما كان حكماً عقلياً أو عقلائياً. فبما أني علمت بوجود الحرام بين الأطراف، جاء الحكم العقلي بوجوب تحصيل الامتثال. وهذا الوجوب العقلي كان ثابتاً بمقتضى ذلك العلم الإجمالي. ومعلومٌ أنّ ذلك الحكم العقلي إنما هو مقدمة لتحصيل الامتثال للحكم الشرعي. والمفروض الآن أنّ ذلك الحكم العقلي غير باقٍ باعتبار أنّ موضوع الحكم العقلي بقاء الأطراف تحت الابتلاء مع بقاء العلم الإجمالي بوجود الحرام بين الأطراف. فالنتيجة، لم يكن هناك وجوب شرعي حتى نستصحب. وأمّا الوجوب العقلي فلا يجري فيه الاستصحاب باعتبار أنّ العقل يدرك ما يعلمه ويبقى ما دام الموضوع والقوة الدرّاكة للإنسان باقية. وإذا ارتفع موضوع حكم العقل أو سبب آخر فحينئذٍ لا يجري الاستصحاب. فالاستصحاب يجري فيما إذا كان الحكم حكماً شرعياً وأما الأحكام العقلية فلا يجري فيها الاستصحاب. وبعبارة مختصرة، وجوب ترك هذا الطرف قبل خروج الطرف الثاني عن الابتلاء لم يكن شرعياً، إنّما كان وجوباً عقلياً مقدّمةً لتحصيل امتثال الحكم الشرعي. وبما أنّ موضوع ذلك الحكم العقلي وهو بقاء الأطراف تحت الابتلاء مع العلم الإجمالي غير باقٍ فالحكم العقلي غير باقٍ، فلا معنى لشبهة الاستصحاب. ولو قلنا، ولا نقول، بأنّ ترك بعض الأطراف أو كل واحد من الأطراف كان وجوباً شرعياً فحينئذٍ أيضاً لا يجري الاستصحاب لأنّه يشترط في الاستصحاب بقاء موضوع الحكم الشرعي على حاله، وفي مفروض الكلام ذلك الموضوع غير باقٍ باعتبار أنّ موضوع الحكم الشرعي هو ثبوت الحرام بين الأطراف فبمقتضى ذلك يجب عليّ ترك هذا الطرف وذاك الطرف، وبما أنّ ذلك لم نحرز بقاءه فحينئذٍ لا يجري استصحاب الحكم الشرعي. وبعبارة واضحة، إن قلنا إنّ وجوب ترك هذا الطرف شرعيّ فهو مشروط ببقاء جميع الأطراف تحت الابتلاء وبما أنّ هذا الشرط غير باقٍ فاستصحاب الحكم لا يجري. فتحصّل أنه لا يجري الاستصحاب. والصحيح أنّ الحكم حكم عقليّ أو عقلائي والأحكام العقلية لا يجري فيها الاستصحاب. وإن قلنا إنه حكم شرعي فموضوع الحكم الشرعي بقاء الأطراف تحت الابتلاء وهي غير باقية. فالنتيجة أنه لا معنى لتوهّم الاستصحاب.

ثمّ السيّد الأعظم أعلى الله درجاته في عليين تعرّض للشبهة الحكمية. فكما يُتصوّر العلم الإجمالي في الموضوعات فكذلك يُتصوّر في الشبهات الحكمية أيضاً. وضرب مثالاً أوّلاً وهو ما إذا علم الإنسان بوجوب صلاة الظهر، يعني زالت الشمس في المنطقة التي هو فيها فوجبت الصلاة، وغفل عن الصلاة ثمّ بعد دقائق

أو ساعات شكّ في أنه صلّى صلاة الظهر أو لم يصلِّ فيقول رضوان الله تعالى عليه أنه يجب الإتيان بالصلاة بمقتضى ذلك العلم الذي تعلّق بوجوب صلاة الظهر. ونقول إنّ ذلك الوجوب كان ثابتاً بلا إشكال فبمقتضى الاستصحاب الوجوب باقٍ، ولكن دعواه الشريفة أنه هاهنا علم فلا بدّ من اتباعه ففي الواقع المعلوم الحقيقي هي الصورة الذهنية وأما واقع الوجوب المنشأ من قبل المولى فهو معلوم بالعرض. فالمعلوم الحقيقي الصورة وتلك الصورة باقية ولم ترتفع وذلك أنها صورة لتحقق ذلك الوجوب والمفروض أنّ الصورة باقية. فالصحيح والعلم عند الله وعند الراسخين في العلم أنّه ليس في البين علم بالوجوب الشرعي في المقام حتى يقال أنه يجب الامتثال. نعم، مقتضى الاستصحاب بما أنه علم بتحقق الوجوب وشكّ في الامتثال فالاستصحاب يجري لا أنّ مقتضى العلم، هذا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo