< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الخامس

التنبيه الخامس: في جريان البراءة في المستحبات

ومحل الكلام هو ما إذا احتملنا استحباب فعل فهل تجري البراءة لنفي الاستحباب المحتمل كما هو الحال في الوجوب المحتمل أو لا؟

ورد في تقريرات السيد الخوئي قده – الدراسات - ما حاصله[1] :

أنَّ البراءة العقلية لا تجري في المستحبات وإنما هي مختصة بالتكاليف الإلزامية، فإنَّ التكليف غير الالزامي المقطوع به لا تكون مخالفته موجبة للعقاب فضلاً عن التكليف المحتمل، لأنَّ مفاد البراءة العقلية نفي استحقاق العقاب عند المخالفة وهذا إنما يكون عند احتمال استحقاق العقاب عند المخالفة، وهذا يختص بالتكاليف الإلزامية فلا يشمل التكاليف غير الإلزامية. فلا معنى لجريان البراءة العقلية فيها.

وإما البراءة الشرعية فذكر أنها تجري في التكاليف الاستحبابية الضمنية ولا تجري في التكاليف الاستحبابية الاستقلالية، وبين الوجه في ذلك، وحاصله:

أما التكاليف الاستحبابية الاستقلالية فلا تجري البراءة الشرعية فيها باعتبار أنَّ البراءة الشرعية مستفادة من حديث الرفع ونحوه ومفاده رفع التكليف الواقعي المشكوك في مرحلة الظاهر، وهو يعني رفع الاحتياط والتحفظ على الواقع المشكوك، وهذا في قبال وضع التكليف الواقعي ظاهراً، الذي يعني إيجاب الاحتياط تجاه التكليف المشكوك، وحينئذٍ يتضح عدم جريان أدلة البراءة الشرعية عند الشك في الاستحباب الاستقلالي وذلك لعدم إمكان الالتزام بنتيجة جريانها فيها وهي نفي الاحتياط تجاه التكليف الواقعي المشكوك، إذ لا إشكال ولا خلاف في حُسن الاحتياط ومطلوبيته وحُسن التحفظ على التكليف الواقعي المشكوك، وحيث لا يمكن الالتزام بذلك لثبوت الاحتياط قطعاً فلابد من الالتزام بعدم جريان البراءة في المستحبات الاستقلالية لأنه يؤدي الى نتيجة معاكسة لما هو ثابت، قال ما حاصله:

إنَّ مرجع البراءة الشرعية الى رفع الحكم المشكوك ظاهراً فهي رفع ظاهري للحكم الواقعي المشكوك، ومرجع ذلك الى رفع الاحتياط والتحفظ على الواقع في ظرف الجهل، وهذا ما لا يمكن الالتزام به في التكاليف الاستقلالية لأنَّ استحباب الاحتياط شرعاً مسلَّم عند الجميع ولا خلاف فيه، وهذا معناه أنَّ الاستحباب المحتمل ليس مرفوعاً في مرحلة الظاهر، فكيف يمكن الالتزام بجريان البراءة الذي يؤدي الى ذلك!

وهذا معناه أنَّ الاستحباب المحتمل ليس مرفوعاً في مرحلة الظاهر بل هو ثابت في هذه المرحلة، فكيف يكون مشمولاً لأدلة البراءة التي تعني رفع ذلك الاستحباب في مرحلة الظاهر!

واما التكاليف الاستحبابية الضمنية فتجري فيها البراءة، لكن ليس الغرض من جريانها فيها هو نفي استحباب الاحتياط حتى يقال إنه ثابت قطعاً كما قيل في التكاليف الاستقلالية، بل لأجل إثبات عدم الاشتراط في الظاهر، وذلك باعتبار أنَّ الاشتراط غير معلوم فتجري البراءة لنفي الاشتراط المحتمل، والغرض من ذلك هو أن يتمكن المكلف من الاتيان بالباقي بقصد امتثال الأمر، بينما لا يتمكن من ذلك إذا لم تجرِ البراءة لنفي الاشتراط، ولولا هذه النكتة لحكمنا بعدم الجريان البراءة هنا كما حكمنا بذلك في التكاليف الاستحبابية الاستقلالية.

ولوحظ عليه: بأنَّ المانع من جريان البراءة في المستحبات ليس هو ما ذكره قده من أنَّ مرجع جريانها الى نفي استحباب الاحتياط وأنَّه لا يمكن الالتزام به، والسر فيه أنه لا مشكلة في الالتزام بنفي استحباب الاحتياط في مورد نتيجة جريان البراءة، ولا محذور فيه، ويُتصور ذلك عند افتراض أنَّ مبادئ المباحات الواقعية أهم عند الشارع من مبادئ المستحبات فيقع التزاحم الحفظي بينها، فيرجح الشارع في مقام الظاهر بعض المبادئ على بعض بحسب الأهمية بنظره، فإذا فرض أنَّ مبادئ الأحكام الإلزامية أهم بنظره فيجعل الاحتياط وإما إذا فرض أنَّ مبادئ الأحكام الترخيصية أهم بنظره فيجعل البراءة، فيقال في محل الكلام إنَّ المكلف عندما يحتمل استحباب فعل فهو يحتمل في قباله الاباحة فيقع التزاحم بين هذه المبادئ الواقعية، فإن كانت مبادئ المستحبات الواقعية أهم عند الشارع فيجعل الاحتياط، وإن كانت مبادئ المباحات الواقعية هي الأهم عنده فيجعل البراءة، وهذا ما يمكن تصوره ولا محذور في الالتزام به.

قالوا: إنَّ المانع الحقيقي من جريان البراءة في المستحبات هو أنَّ أدلة البراءة مفادها نفي الضيق والكلفة إما لكونها مسوقة مساق الامتنان، أو باعتبار أنَّ الرفع يقابل الوضع، والوضع ظاهر في جعل ما هو ثقيل على المكلف فالرفع الذي يقابله لا بد أن يكون رفع لما هو ثقيل على المكلف، والتكليف الاستحبابي ليس فيه ثقل على المكلف.

وبعبارة أخرى: إنَّ أدلة البراءة لما كان مفادها رفع الضيق ورفع الكلفة فهي تنصرف عن شمول المستحبات عند الشك فيها لأنَّ احتمال الاستحباب ليس فيه كلفة وليس فيه ضيق.

قد يقال: بناءً على ذلك يمكن الالتزام بنفي استحباب الاحتياط شرعاً وأما حُسن الاحتياط عقلاً فلا يمكن نفيه، فإذا كان ثابتاً كان مانعاً من جريان البراءة، كما أنَّ استحباب الاحتياط شرعاً لو كان ثابتاً لكان مانعاً من جريانها، وأي فرقٌ بينهما؟

 


[1] ذكره في مبحث أدلة البراءة، في ذيل حديث الرفع بعنوان (التنبيه السادس)، الدراسات، الشاهرودي، ج3 ص246.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo