< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

45/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / تنبيهات البراءة / التنبيه الرابع

كان الكلام في القسم الثاني وهو ما إذا كان للمتعلق موضوع كأكرم العالم، فهذا الموضوع تارة يكون أمراً خارجياً مفروغاً عن تحققه كـ (صلِّ الى القبلة) و(قف في عرفة)، وأخرى يكون أمراً كلياً مقدر الوجود كـ (أكرم العالم)، والحالة الأولى يمكن تصور الشبهة الموضوعية فيها، والسر فيه هو أنَّ المتعلق ارتبط بالموضوع الخارجي فيمكن أن يشك المكلف فيه كما لو شك حال وقوفه أنه وقوف في عرفة أو لا، وهذه شبهة موضوعية.

وفي هذا القسم تارة يكون الدوران بين المتابينين كما في (صل الى القبلة)، وأخرى يكون دائراً بين الأقل والأكثر كالوقوف في عرفات، والمرجع في الحالة الأولى هو الاشتغال للعلم الإجمالي بالتكليف فيجب فيه الاحتياط، وأما في الحالة الثانية فيتجه التفصيل بين الشبهة الوجوبية وبين الشبهة التحريمية ففي الشبهة الوجوبية تجري أصالة الاشتغال ويجب الاحتياط، وهو يعني عدم كفاية الوقوف في البقعة المشكوكة.

وأما في الشبهة التحريمية - كحرمة الافاضة من عرفات قبل الغروب - فتجري فيها البراءة لنفي حرمة الافاضة الى البقعة المشكوكة، أي لا يكون هذا إفاضة من عرفات فلا يكون محرماً.

ثم يُفسِّر الفارق بين الشبهتين وحاصله:

إنَّ الوجوب في الشبهة الوجوبية تعلَّق بالعنوان الواجب وهو الوقوف في عرفات، والمطلوب من المكلف هو أن يكون فعله مطابقاً للعنوان الواجب، وهذا يقتضي إحراز المكلف للمطابقة، وهذا ما لا يحرزه إذا وقف في المنطقة المشكوكة، فالجاري هنا هو الاشتغال.

وأما الشبهة التحريمية فالأمر فيها مختلف لأنَّ المطابقة للعنوان الحرام ليست مطلوبة، ففي مثال حرمة الافاضة من عرفات فإنَّ الحرمة لا يُطلب فيها الانطباق أي مطابقة الفعل للعنوان وإيجاد ما ينطبق عليه، بل هي مشروطة بكون الفعل مصداقاً لعنوان الحرام، أي أنه إذا كان الفعل الذي يأتي به المكلف إفاضة من عرفات قبل الغروب فهو حرام، وعليه فكون ما يأتي به المكلف مصداقاً للحرام لم يقع تحت طلب الترك حتى يقال أنه يلزم إحراز عدمه، ولا يحرز عدمه إذا جاء بالمشكوك أي أفاض الى تلك البقعة المشكوكة قبل الغروب، بل يكون الشك في الانطباق شكاً في شرط التكليف، وقد مرَّ أنَّ الشك في شرط التكليف شك في النفس التكليف وهو مجرى البراءة.

هذا كله إذا كان الموضوع أمراً خارجياً مفروغاً عن تحققه في الخارج.

وأما إذا كان أمراً كلياً مقدر الوجود مثل كـ (أكرم العالم) و (لا تشرب الخمر) فذكر تفصيلاً بين صورتين:

الصورة الأولى ما إذا كان الموضوع مأخوذاً بنحو صرف الوجود كــ (توضأ بالماء) فالمتعلق هنا هو الوضوء والموضوع الماء.

الصورة الثانية ما إذا كان الموضوع مأخوذاً بنحو مطلق الوجود من قبيل (أكرم العالم).

أما الصورة الأولى فلها حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون الشك في أصل وجود الموضوع.

الحالة الثانية: أن يكون الشك في فرد آخر زائداً على الفرد المعلوم، كما لو وجد فرداً من الماء وشُك في مائع آخر أنه ماء أو لا.

أما الحالة الأولى فالشك يكون في صرف وجود الموضوع وهذا يرجع الى الشك في القدرة على الوضوء، لأنَّ القدرة التي هي شرط في التكليف لا تختص بالقدرة على الفعل نفسه بل تعم القدرة على تحصيل موضوعه، وهو الماء في المثال، وعليه يكون حكم هذه الحالة حكم الشك في القدرة من حيث جريان البراءة وعدمه.

ثم يفصِّل في القدرة بين القدرة العقلية والقدرة الشرعية، فإنَّ القدرة تارة تكون دخيلة في ملاك التكليف بمعنى أنَّ غير القادر ليس هناك ملاك في حقه، فالتكليف يختص بالقادر خطاباً وملاكاً، وهذه هي القدرة الشرعية.

وأخرى لا تكون دخيلة في ملاك التكليف، أي أنَّ الملاك ثابت في حق القادر والعاجز معاً، وإنما تكون دخيلة في الخطاب فقط، بمعنى أنَّ الخطاب لا يتوجه الى العاجز، وهذه هي القدرة العقلية لأنَّ العقل هو الحاكم باستحالة خطاب العاجز.

فالشك إن كان في القدرة الشرعية فيُرجع فيه الى البراءة لأنه شك في شرط التكليف، وتقدم أنه يرجع الى الشك في نفس التكليف، كالشك في البلوغ، وهذه هي الحالة الثالثة التي تجري فيها البراءة، وضابطها ما إذا كان الشك في القدرة الشرعية الدخيلة في الملاك بنحو الشبهة الموضوعية.

وأما الشك في القدرة العقلية فمرجعها الى لزوم الفحص – أي الفحص عن القدرة - لأنَّ هذا الشك وإن كان يستلزم الشك في توجه الخطاب لكنه لا يستلزم الشك في الملاك، لأنَّ المفروض كونه شاملاً للعاجز، ومن الواضح بأنَّ العلم بشمول الملاك للعاجز وعدم رضا الشارع بتفويته يلازم العلم بعدم المعذورية، فلا بد من الفحص ولا يجوز الرجوع الى البراءة.

هذا كله في الشك في أصل وجود الموضوع.

وأما الحالة الثانية وهي ما إذا أحرز وجود الموضوع في فرد وشك في فرد آخر فهذا الشك لا يؤدي الى الشك في التكليف بل الى الشك في الامتثال، والمرجع فيه هو قاعدة الاشتغال، لعدم مدخلية الوجود الزائد في التكليف أصلاً وإنما أثره التوسعة في دائرة التنجيز العقلي في مرحلة امتثاله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo