الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
45/04/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة البراءة / ما استُدل به للاحتياط/ الدليل الشرعي
(وبإسناده عن عليِّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن الحارث بن محمّد بن النعمان الأحول، عن جميل بن صالح، عن الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ في كلام طويل ـ : الأُمور ثلاثة : أمر تبيّن لك رشده فاتّبعه ، وأمر تبيّن لك غيّه فاجتنبه ، وأمر اختُلف فيه فردّه إلى الله عزَّ وجلَّ.)[1]
والرواية مخدوشة من حيث السند من جهة الحارث بن محمد النعمان الأحول فإنه مجهول، ورواها أيضاً في الخصال والمجالس ولكن بطرق ضعيفة أيضاً
الأول أن يُراد من (بيِّن الرشد) معلوم الحلية، ومن (بيِّن الغي) معلوم الحرمة.
الثاني أن يُراد من (المختلف فيه) ما يُشك في حكمه، أي المردد بين الحلال والحرام.
الثالث أن يُراد من قوله (فردّه إلى الله عزَّ وجلَّ) وجوب الاحتياط.
فإذا تمت هذه الأمور تم الاستدلال بالرواية على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية، إلا أنها محل مناقشة، وتفصيل ذلك:
وهذا احتمال وارد في الرواية ولا يتعين تفسيرها بما ذُكر، فيكون المقصود بالرواية هو أنَّ ما استقل عقلك بحسنه ورشده فاتبعه وما استقل بقبحه وغيّه فاجتنبه، وأما ما اختُلف فيه بمعنى لم تدرك حسنه وقبحه إداركاً جزمياً واضحاً فرده الى الله عز وجل، وهذا في مقابل الاعتقاد فيه على ضوء الذوق والاستحسان والسليقة ونحو ذلك.
ثالثاً إنَّ نسبة الرشد والغي الى المخاطب في قوله (تبيَّن لك) تدل على أنَّ المدرك أمر نسبي وليس مطلقاً، ولو كان المراد من الرشد والغي ما يدركه العقل العملي بالاستقلال فلا يمكن أن يكون نسبياً.
ويلاحظ عليه أنَّ استفادة النسبية بما ذكر غير واضحة بل غير صحيحة وذلك باعتبار أنَّ المخاطب لا يُلحظ بما هو تابع لشريعة معينة بل الظاهر من المناقشة أنَّ المخاطب يُلحظ بما هو عاقل لا بما هو متشرع، وعليه يكون الحديث عن المستقلات العقلية وهي ثابتة على الاطلاق.
أولاً أنَّ ما ذُكر في مناقشة الاستدلال بالرواية على وجوب الاحتياط بلحاظ الأمر الأول وارد.
وثانياً يحتمل في الرواية أن تكون ناظرة الى خصوص المسائل العقائدية فإنَّ فيها أمور واضحة الصحة، وأمور واضحة الفساد، وأمور مختلف فيها ولا بد من رد أمرها الى الشارع، وهذا ما يمنع من الاستدلال بالرواية في محل الكلام أيضاً.