الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
45/03/30
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام في جواب التقريب الثالث، وانتهينا الى فرض الشبهة تحريمية وأنَّ الحرمة فيها ناشئة من مفاسدة شخصية تعود على الفاعل فالصغرى هنا مسلَّمة - وهي أنَّ الظن بالتكليف أو احتماله يستلزم الظن بالضرر الشخصي أو احتماله - لكن الكبرى ممنوعة، لأنَّ العقل لا يحكم بلزوم دفع الضرر الدنيوي الشخصي، بل يمكن القول أنه لا دليل على وجوب دفع الضرر الدنيوي حتى لو كان متيقناً، خصوصاً إذا كان ارتكابه لغرض عقلائي، نعم دلَّ الدليل على حرمة الاضرار بالنفس كالقتل، بل توسعوا الى ما دون ذلك إذا كان بليغاً، وأما إيقاعها في مطلق الضرر فلا دليل على حرمته، نعم ورد في موارد خاصة حرمة ارتكاب ما يُخاف ضرره من قبيل الصوم والوضوء والغسل، وهذا ضرر دنيوي شخصي ولكن لا يُستفاد من هذه الموارد قاعدة كلية وإنما يُقتصر فيها على مورد النص.
هذا هو الجواب عن التقريب الثالث للدليل العقلي على لزوم الاحتياط.
وعلى أي حال هذا التقريب لو تم لا يثبت به أكثر من مفاد حق الطاعة ومنجزية الاحتمال أي وجوب الاحتياط عقلاً، ومن الواضح أنَّ هذا المفاد يكون محكوماً لأدلة البراءة الشرعية لأنَّ هذا المفاد مقيد قهراً بعدم ورود الترخيص من قبل المولى، لأنَّ حكم العقل بالاحتياط إنما هو رعاية لشأن المولى فإذا أذِن المولى نفسه في المخالفة فلا بقاء حينئذٍ لحكم العقل بالاحتياط.
الى هنا ينتهي الكلام عن المقام الأول وهو وجوب الاحتياط عقلاً.
وتقريب الاستدلال بها هو أنَّ الآية تدل على عدم جواز القول بغير علم، وفي الشبهات الحكمية حيث لا يُعلم بالحكم فلا يجوز الحكم بالإباحة وبالبراءة لأنه قول بغير علم.
ثم قالوا: لا يرد علينا الاشكال بأنكم تفتون بالاحتياط وهو قول بغير علم، وذلك لأننا نلتزم بترك ما يحتمل حرمته وفعل ما يحتمل وجوبه من دون الفتوى بالاحتياط، ومن الواضح أن الترك ما يحتمل حرمته وفعل ما يحتمل وجوبه ليس فيه إسناد الى الشارع من دون علم، وهذا بخلاف الفتوى بالإباحة والبراءة فإنَّ فيها إسناد الى الشارع، فيكون قولاً بغير علم.
ويلاحظ عليه: بأنَّ الأصوليين لا يفتون بالإباحة الواقعية وإنما يفتون بالإباحة الظاهرية، وهو ليس قولاً بغير علم لأنهم يستندون الى أدلة البراءة الشرعية ويصح إسناد مضمونها الى الشارع، نعم لو كانوا يفتون بالإباحة الواقعية لورد عليهم هذا الاشكال.
بتقريب إنَّ الآية تنهى عن الاقتحام في التهلكة، واقتحام ما يحتمل كونه مخالف للمولى سبحانه إقتحام في التهلكة فيحرم بمقتضى إطلاق الآية، فلا يجوز إقتحام الشبهة وهو معنى وجوب الاحتياط.